شكرا فعلا، باسم كل الساعين إلى تقويض آخر معالم الدولة اللبنانية، ومشتهي عودة الحرب الداخلية، أو، على الأقل، ذر الفوضى وزعزعة هيكل دولة الطائف.
شكرا جديا، لأن ليس أفضل من الصديق سوى الخصم، أو العدو، الذي “يحسن” إتاحة تلميع الصورة أو تمويه شروخها: ماذا يمكن أن يبعد تدخل “الحزب الحاكم” في القصير، من النقاش السياسي المحلي، وحتى العربي والدولي، سوى إدخال صيدا، بوشاح الطائفة المسبغ عليها، في معركة مع الجيش الذي لا يكل أهلها في إعلان التمسك بدوره في حماية الدولة، برغم كل الملاحظات والشكوك، وبعضها مشهود.
في الأساس، لم يكن الأسير إلا “ظاهرة” إعلامية، نجح إعلام الحزب في توظيفها في إطار إعطاء صدقية “ميدانية” لمخاوف مزعومة ومدّعاة من وجود “سلفية جهادية” في لبنان، ولم يكن إعلان الشيخ المذكور، الأسبوع الماضي، قتال شبان من مجموعته في القصير، بعد يومين من خطاب الأمين العام، المرشد المحلي، مصادفة بريئة، لمن ينظر إلى ما يجري بعين الشك، التي تفتحت في كنف الحروب اللبنانية، واستوعبت زواريبها السياسية، وتأثير بعض التفاصيل، السخيفة والتافهة أحيانا، في مجريات أكبر وأهم. قال الأمين العام إن تيار المستقبل يقاتل هناك ويدفن قتلاه في سوريا، ويقاتل معه آخرون، فجاء “التصديق” ممهورا بتوقيع الأسير نفسه.
استخدم الحزب الحاكم، في موضوع الشقق المسلحة في جوار مسجد بلال بن رباح، حجة الأسير نفسه في توجهه وجماعته إلى كفر ذبيان للإحتفال بذكرى المولد النبوي على ثلوج فاريا في مشهد استعراضي يليق ببرنامج تهكمي عن الإسلام تتقنه محطات التلفزة العنصرية في الغرب وغيره. الحجة أنه لايحق لأحد أن يمنع لبنانيا عن أي منطقة من لبنان.
نجح المنطق الكيدي للحزب في تحويل الشقق إياها إلى مسمار جحا، لتسعير استفزاز الأسير وإقناعه بأن نصره على خصمه يمر من غرفها. وبعدما كانت مواقفه “السلمية ” المهدِدة تخدم الداعين إلى تأطير سلاح ميليشيا الحزب داخل الدولة، صار تورطه في مقاتلة الجيش ينسي الناس خطر هذا السلاح، بدليل خروج أقلام النفاق والتباكي من جحورها للدفاع عن الجيش، الذي لم تجد له حسنة يوم سجد،ولا في أيام أخرى تصدى له فيها ” الأهالي” الذين يربيهم المرشد المحلي على الإنعزال عن الدولة، ورفضها، حتى تلتحق به.
قد يكون الأسير صادقا مع نفسه، وطيب النوايا، ورأسها أن اللبنانيين متساوون فليحملوا جميعا السلاح أو لا يكون في يد أي منهم سلاح. لكن ترجمته لم تحمل إلا الإساءات، إلى رافضي السلاح خارج قرار الدولة، وإلى الجيش وإلى صيدا وتاريخها ، وإلى السلم الأهلي.وبين سوء النية والغباء لا تمر حتى الشعرة
rached.fayed@annahar.com.lb