الشفاف – خاص
المتابع لقضية شبكة حزب الله المصرية لا بد سيدهش لحجم التناقضات والارباكات في تصريحات قادة الحزب بمواجهة ما يعرف بافتضاح امر شبكة الحزب في مصر، مما قد يؤشّر لوجود خلافات وصراعات داخلية (موجهة ضد الأمين العام السيّد حسن نصرالله وتحميله مسؤلية الاخطاء والخطايا).
أحد مظاهر الارباكات تمثل في ترشيح الحزب لمن تصفهم بعض المصادر بـ”مجموعة من غير المحبوبين، لا بل المكروهين داخل الحزب لغطرستهم وجلافتهم وغرورهم مثل نواف الموسوي وعلي فياض وحسين الموسوي، ومحاولة سحب امين شري من بيروت لانه ليس منهم. وجميع هؤلاء كانوا من تلاميذ الشيخ “نعيم قاسم” في “حزب الدعوة” وبقيادة شقيقه مدير مكتبه، “هاني قاسم” الذي يبدو انه هو المسؤول الامني الكبير للحزب بعد وفاة عماد مغنية.
مصر كانت تعلم واعتقال “شهاب” تم قبل أشهر
في سياق متصل، تشير المعلومات التي توفرت لـ”الشفاف” ان اعين الاستخبارات المصرية العامة لم تكن غافلة عن الشبكة الحزب الهية، بل على العكس من ذلك فهي غضت الطرف عن نشاط هذه الشبكة طالما كانت الاخيرة تعمل ضمن نطاق المسموح به. بل وتذهب الى ابعد من ذلك ، لتضيف ان “شهاب” الموقوف على ذمة التحقيق في مصر، ادرك الخطوط الحمراء التي لا تسمح السلطات المصرية بتجاوزها والتزم بها، لجهة نوعية الاسلحة التي يمكن ادخالها الى غزة وحجم الاموال والبضائع الاخرى، التي يجب ان لا تتجاوز وسائط الدفاع عن النفس وعدم تعريض الشعب الفلسطيني في غزة للتجويع ، بما لا يلزم السلطات المصرية ويحرجها خصوصا البنود الواردة في اتفاقية السلام مع اسرائيل.
وتضيف المعلومات انه بعد انقلاب غزة ، والموقف المصري الحذر من حركة “حماس”، واجندتها السياسية، بدأت السلطات المصرية التشدد في مراقبة بضائع الانفاق، خصوصا ان حماس عملت على نقل صراعها من المعابر مع اسرائيل الى معبر رفح مع مصر، امعانا منها في احراج السطات المصرية عربيا وشعبيا. وقام انصارها بتحريض المدنيين على اقتحام المعبر، وهددوا باعادة اقتحامه غير مرة مما وضع السلطات المصرية في موقف صعب الاحتواء امام مدنيين فلسطينيين جائعين ومحاصرين ومدفوعين، من دون دراية منهم او على علم، من قبل حركة حماس التي بدأت البحث عن مخارج لتكريس سلطانها في غزة المحاصرة. فكانت السلطات المصرية تنجح كل مرة في اعادة تصويب النزاع وتسعى الى لملمة الاوضاع الفلسطينية الفلسطينية والفلسطينية الاسرائيلية كي لا تتجرع كأس غزة وتقع فريسة تنفيذ الاجندة الاسرائيلية، بإيكال امر الفلسطينيين في غزة اليها، او الاجندة الايرانية التي تريد فتح ابواب العالم العربي امام حركة حماس من خلال مصر وتاليا تكريس هيمنة حماس على غزة ومن ثم على الضفة الغربية وتقوض السلطة الفلسطينية، ووضع اليد على القرار الفلسطيني.
وفي هذا السياق بدأت خلية شهاب بالخروج عن السيطرة. فصارت تشعّب اذرعها وتعمل على ادخال انواع جديدة من الاسلحة الى قطاع غزة لتعزيز سلطات حماس الداخلية، وفي مواجهة اسرائيل، الامر الذي لا توافق عليه السلطات المصرية. فقامت باعتقال شهاب في نوفمبر تشرين الثاني من العام الماضي بعد ان وجدت ان خليته اصبحت عبئا على الامن القومي المصري.
واقتصر الامر حينها على شهاب من اجل ايصال رسالة الى حزب الله كي يعيد دراسة وضع هذه الخلية، وحجم تحركاتها ونوعيته.
إلا أن الرد من امين عام الحزب حين نصرالله كان مفاجئا ، خصوصا، وان امر اعتقال شهاب بقي سريا، وان السلطات المصرية لا تريد إحراج نصرالله. فبادر الاخير الى تحريض الجيش والشعب في مصر على الانتفاض على قيادته والانضمام الى صفوف المجاهدين الغزاويين لتحرير غزة من فتح ومن الاسرائيليين بعد ان استدرجتهم حماس الى عقر غزة.
رد السلطات المصرية على كلام نصرالله لم يخرج عن سياقه المعهود، وهو العمل على احتواء ردود الافعال الجماهيرية العربية الغاضبة والمستنكرة للعدوان الاسرائيلي على غزة. فابقت امر اعتقال شهاب طي الكتمان، وانتظرت الوقت المناسب للاعلان عنه بما يرد الصاع صاعين لنصرالله ويحرجه وفقا للاجندة المصرية، بعد ان تجاوز الاخير الخطوط الحمراء في مكانين الاول: ادخال اسلحة متطورة الى غزة، والثاني محاولة العبث بالامن المصري.
وتشير المعلومات الى ان نصرالله، اراد بتبنيه الرد شخصيا على الاعلان عن اعتقال شهاب وسائر افراد الخلية ان يحتوي الموقف على طريقته فأخطأ من جديد، حيث اعتقد ان بامكانه اصابة اكثر من عصفور بحجر واحد. فهو اراد توجيه رسالة الى الانظمة العربية يحذرها فيها من ان يده قادرة على ان تطال اي نظام من دون استثناء حتى النظام المصري. واراد ايضا ان يمعن في احراج مصر التي اوقفت “مجاهدين يعملون على نصرة اخوتهم المستضعفين والمحاصرين في غزة”. واراد ايضا ابعاد شبهة تقاعس حزبه عن نصرة غزة، ابان الهجوم الاسرائيلي، حيث انكر صلته بمطلقي الصواريخ من جنوب لبنان وعمد وزراء الحزب في الحكومة اللبنانية، في حينه، الى المسارعة للاجتماع برئيس الحكومة فؤاد السنيورة لاعطاء صفة الرسمية على إنكار علاقتهم بالصواريخ مجهولة الهوية التي اطلقت على اسرائيل اثناء حرب غزة، والطلب الى السنيورة العمل على احتواء الموقف وعدم الانزلاق نحو تدهور امني جديد في جنوب لبنان. واراد ايضا تأكيد دور حزبه في المواجهة الشاملة التي لا ينفك يتحدث عنها مرارا، مما يفيد بكم الاصوات الداخلية في لبنان التي تطالب باستراتيجية دفاعية ووضع سلاح الحزب في تصرف الدولة اللبنانية.
ولكن ما فات نصرالله ان الساحة المصرية ليست هي نفسها الساحة اللبنانية وان السلطات المصرية ممسكة بزمام الامن في البلاد. فكان الرد المصري على نصرالله الاجهاز على شبكته وايداعها القضاء مع ما لدى الامن المصري من وثائق واثباتات تدينها خصوصا لجهة تحول بعض من انشطتها نحو الداخل المصري، تحت ذريعة الانتقام لمقتل عماد مغنية.
اما لبنانيا، وعلى جري عادته، لا يعبأ الحزب بردود الافعال الداخلية سياسية كانت ام شعبية على تطاوله على امن دولة عربية ذات سيادة. فدرس 7 ايار لا زال ماثلا في الاذهان. ولمن نسي الدرس، لا ينفك قادة الحزب بالتذكير به من حين لآخر. ولكن ردود الفعل داخل البيت الشيعي اثارت جدلا انتقد خروج نصرالله الى العلن، ليعلن المواجهة مع مصر. فكان العديد من الحزبيين يفضلون ان يصار الى لملمة الموقف لا الاستهتار برد فعل دولة على انتهاك سيادتها من حزب اجندته السياسية والدينية ملتبسة والاكتفاء ببيان يصدر عن الحزب ولا يخرج في سياقه العام عن كلام نصرالله ويظهر شيئا من التواضع، بدلا من الاستعلاء على مصر، وذلك مع تكليف وسطاء السعي لدى الجهات المصرية الى احتواء الموقف بطريقة او بأخرى.
وتشير المعلومات الى ان ما حصل جاء في سياق داخلي حزبي يهدف الى توريط الامين العام لحزب الله حسن نصرالله واغراقه اكثر فاكثر لتشويه صورته، في ما قد يؤشر الى ان وقت إزاحة نصرالله عن الواجهة قد حان. خصوصا ان هذه ليست المرة الاولى ولن تكون الاخيرة حسب ما تضيف المعلومات التي افادت ايضا ان رئيس المجلس النيابي نبيه بري وجد في تخبط نصرالله وحزبه فرصة لتعزيز موقعه الشيعي، بوصفه ساعي البريد السياسي للحزب. فدخل على خط المواجهة لتبريد الاجواء وبادر الى التقليل من شأن ما حصل معلنا عن اتصالات لن يكشف عن مضمونها للتهدئة. وبري الذي يشهد له بالدهاء والتقاط الفرص، وجد ان الوقت مناسب لمساومة الحزب داخليا ، وتثبيت مواقعه الانتخابية النيابية في مواجهة اطماع العماد عون الربيب المدلل للحزب على ان يدفع الثمن اتصالات تهدئة خارجية مع مصر.