التحقيق التالي الذي نشرته جريدة “أويا” المقرّبة من سيف الإسلام القذافي جاء بعد خطاب العقيد القذافي الذي دافع فيه عن زين العابدين بن علي، وترحّم على إنجازاته، واعتبره الرئيس الشرعي لتونس. ربما تمهيداً لما ينوي العقيد القيام به من عمليات لزعزعة إستقرار تونس بعد الثورة.
نورد في ما يلي تحقيق “أويا” عن الثورة التونسية، وهو تحقيق معقول، وأبرز ما فيه هو عنوانه الذي يتعارض مع الخط الليبي الرسمي. وطبعاً، الصورة “المعبّرة” المرفقة بهذا المقال.
ثورة الياسمين تسقط طاغية قرطاج
عبدالدائم ميساوي السبت, 15 يناير – إي النار 2011 20:44
ما لم يحسب له أحد حسابا ولا حتى الملاحظون من الخارج هو ما آلت إليه الأمور في الأيام الأخيرة الماضية حيث أقدم شاب تونسي على حرق نفسه احتجاجا لأن شرطية صفعته وبصقت عليه وأهانته، وصادرت العربة التي يستخدمها لبيع الخضر والفواكه ومنعته من ممارسة عمله كبائع متجول، وعندما تقدم بشكوى لسلطات الولاية وجد الأبواب موصدة في وجهه، عندها سكب البنزين على جسده وأضرم فيه النار.
الشاب هو محمد البوعزيزي (26 عاما) من سيدي بوزيد وعدم ذكر اسمه في البداية ليس تصغيرا من شأنه رحمه الله وإنما لأنه مثل عشرات الآلاف من شباب تونس الذين أكملوا دراستهم منذ سنوات ليفاجئوا بأن لا أمل لهم في العمل ولا وفي الحلم ولا في الحياة وأنهم لا يمكنهم العمل إلا بالانتماء للتجمع الدستوري أو بدفع مبالغ طائلة.
مات محمد البوعزيزي وحاولت السلطات التكتم على الموضوع حتى كشفت عائلته وفاته، بالرغم من عدم إعلان السلطات التونسية الخبر رسميا.
الأحداث حركت الشارع التونسي بكافة فئاته من حول المطالب الاجتماعية الاقتصادية. والدليل على خطورة الموقف أن بن علي اضطر إلى توجيه خطاب يصبّ فيه غضبه على حركة احتجاجية أظهرت أن الكل أصبح ضد بن علي. إذ يقف النظام وأجهزته في جهة، والشارع والقوى النقابية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية في الجهة المقابلة.
لم تتوقف السلطات التونسية عن التعتيم على الخبر الذي أثار الكثير من الموجات الاحتجاجية في البلاد، فقامت قوى الأمن بمنع آلاف من الشعب التونسي وصل عددهم إلى حوالي 5 آلاف شخص ومئات السيارات ساروا في الجنازة مكوّنين موكبا طوله 3 كيلومترات من الخروج في جنازة محمد البوعزيزي.
انتشرت المظاهرات وقد كانت عائلته تعتزم أن تمرّ الجنازة أمام مقر الولاية فتصدت لهم الشرطة واستخدمت العنف والضرب ضد المواطنين في الجنازة لمنع مرورها، وسط هتافات وشعارات تضمنت “لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله”، و”سنبكي من أبكاك.. يا محمد لن ننساك”، بالإضافة إلى “لن تستسلم لن نبيع.. دم محمد لن يضيع”، و”بالروح بالدم نفديك يا بوزيد”.
ونددت الشعارات بقهر الحكومة بـ “يا حكومة عار عار.. الأسعار اشتعلت نار”. و”التشغيل استحقاق يا عصابة السراق”
اندلعت في نفس اليوم 17 ديسمبر مظاهرات واحتجاجات سلمية في مدينة سيدي بوزيد تعاطفا مع محمد بوعزيزي، تحولت في اليوم التالي إلى مواجهات عنيفة مع الشرطة.
السلطات التونسية اعتبرت أنها حادثة فردية كما رفضت بشدة ما وصفته بالتوظيف السياسي غير الشريف لما جرى في المدينة من أحداث قالت إنها ناتجة عن مسألة شخصية فردية معزولة. وقال مصدر رسميّ، إن التأويلات التي ذهبت إليها بعض الأطراف بشأن الحادثة التي حصلت في سيدي بوزيد، غير مبررة.
واستغرب المصدر الرسمي محاولات بعض الأطراف الانحراف بهذه الحادثة الشخصية المعزولة عن سياقها الحقيقي واستغلالها لأغراض سياسية غير شريفة وربطها بغرض التضليل والإثارة بحقوق الإنسان والحريات، والتشكيك في مقومات التنمية بالجهة.
مشاهد فظيعة وشهادات مثيرة نقلتها مقاطع فيديو روّجت لها أخيراً «اللجنة المحلية لمتابعة الأضرار» عن ممارسات قوات مكافحة الشغب أثناء قمعهم لاحتجاجات المواطنين في مختلف المدن والقرى وتم نشرها في مواقع متعددة على الانترنيت.
قامت القوات الأمنية بمداهمات واسعة النطاق لمحالّ ومنازل أهالي السكان، وأتلفت معداتهم ونهبت بضائعهم.
أدّت الصدامات إلى سقوط عشرات القتلى برصاص رجال الحرس الوطني واعتقال عدد غير محدد من المواطنين. نُظّمت مسيرة حاشدة جابت شوارع مدينة سيدي بوزيد، ردّد فيها المحتّجون شعارات، مثل « حق التشغيل» و«التشغيل استحقاق يا حكومة السرّاق»
وقد نشطت التجمّعات الشعبية في مدن أخرى، مثل القصرين وتالة وجرجيس وبن قردان وفريانة وسوسة ونابل ومدنين وصفاقس وقفصة وأم العرائس والرديف، جوبهت جميعها من طرف الشرطة.
هذه التحركات، كشفت عن عيوب كبيرة في برامج التنمية الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة التونسية. فولاية سيدي بوزيد التي انطلقت فيها الاحتجاجات، يقطنها قرابة 400 ألف نسمة، بينهم نحو 42 ألف يعيشون تحت خط الفقر، حسب دراسة وضعها الاتحاد العام التونسي للشغل. وتبلغ فيها نسب البطالة أرفع مستوياتها نتيجة غياب منشآت سياحية ضخمة أو مناطق صناعية توظف طالبي العمل.
أسباب كافية دفعت السكان إلى التظاهر بعدما فقدوا الثقة في مؤسسات الدولة في تشغيل العاطلين من العمل والتقليص من حدّة الفقر. كما أنهم فقدوا الثقة تماما في النظام القائم
للمرة الأولى مرة منذ أن تولى زين العابدين بن علي الحكم في 7نوفمبر1987، يردّد التونسيون شعارات مناهضة لرئيس الدولة ولأطراف من أقاربه. فخلال التظاهرات رفع المئات من الغاضبين شعارات «التشغيل استحقاق يا عصابة السراق» و«التشغيل مش مزية يا عصابة الطرابلسية»، في إشارة إلى عائلة زوجة الرئيس النافذة ليلى الطرابلسي. فمن النادر أن يُجهَر بمواقف صريحة ضد أقارب عائلة الرئيس الذين يتمتعون بنفوذ واسع النطاق، ويسيطرون على مفاصل الاقتصاد الوطني كما أنهم يفعلون ما يريدون دون حسيب أو رقيب.
ولتبرير العنف الذي لجأت إليه قوات الأمن ضد المواطنين، قالت وزارة الداخلية، إن المتظاهرين اقتحموا الممتلكات العامة وأضرّوا بمنشآت حكومية.
إن عمليات التضييق والمحاصرة التي تقول أحزاب المعارضة إنّ السلطة تمارسه ضدها وصف ينسحب أيضاً على قطاع الإعلام المحلي الذي غاب عن مواكبة الأحداث الجارية في المنطقة، قبل أن تفتح بعض الصحف صفحاتها بصورة فجائية لنقل المستجدات الحاصلة، لكن هذه المرة بصورة موجّهة تحيل للوهلة الأولى أن الوضع يسير نحو التهدئة. فصحيفة «الشروق» المقربة من السلطة نقلت، خبر إيقاف عدد من المسؤولين المحليين، وفسحت كذلك المجال للتهجم على من نعتتهم بالمناوئين الذين يقومون بالركوب على الحدث وتهويل الأمور.
بل إنّ بعض الأحزاب، التي تؤدّي دور المجمّل لقمع السلطة، غابت كلياً عن إسناد المحتجّين، ونشرت بيانات إعلامية تتهجّم على قناة «الجزيرة» الفضائية التي تكفلت بتغطية شاملة لأنباء الغليان الشعبي أمام صمت التلفزيون الحكومي.
ووصف الأمين العام للحزب الاجتماعي التحرري، منذر ثابت، هذه التغطية بأنها «حملة إعلامية مشبوهة تتعارض مع خدمة المواطن». أما الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية، محمد بوشيحة، فقال «نحن متأكدون أن مزاعم الجزيرة وبعض وكالات الأنباء التي حذت حذوها قد باتت مكشوفة أمام الرأي العام الوطني وكل القوى الوطنية والمتمسكين بالمقاربة الموضوعية من أصدقاء تونس في الخارج».
وأصدر حزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي، بياناً قال فيه «تبيّن لنا أنّ قناة الجزيرة اختارت التعامل في التعليق على الأحداث على جهات معينة معروفة بانتماءاتها السياسية، أي إنها ليست محايدة في نقل الحدث، بل وضعت نفسها طرفاً في معادلة اخترقتها هذه الأطراف رغم محدودية فعلها ميدانياً وذلك بالتهويل والتوظيف السياسيين”.
ورأت عضو مجلس النواب، عزيزة حتيرة، أن قناة «الجزيرة» «تبحث دوماً بل تعيش من التهويل ومن تضخيم الأحداث كي تستقطب المشاهد الذي يميل إلى الإثارة». وأضافت إن القناة القطرية «تعتمد على شهود عيان مجهولين وعلى مراسلات عن بعد وعلى لقطات منشورة على الإنترنت من جانب هواة ومجهولة المصدر».
حملة التعتيم الإعلامي لم تعد مفيدة في ظل تعاظم دور الإنترنت، الذي تحول إلى وسيلة إعلام أكثر صدقاً وقرباً من الواقع. فغالبية الأحداث الجارية نقلتها عدسات الهواتف المحمولة وكاميرات التصوير الخاصة المملوكة من طرف المواطنين.
بلغت الاضطرابات المطلبية في تونس حداً دفع بالرئيس زين العابدين بن علي إلى الظهور علناً في خطاب نقل عبر شاشات التلفزة مباشرة لتأكيد مجموعة من النقاط، في مقدمتها «أن ما اتخذته الأحداث من أبعاد أمر مبالغ فيه بسبب الاستغلال السياسي لبعض الأطراف» مضيفاً أن «لجوء أقلية من المتطرفين والمحرضين المأجورين ضد مصالح بلادهم إلى العنف والشغب في الشارع وسيلة للتعبير أمر مرفوض في دولة القانون»
وقال بن علي إن “بعض الأطراف لا يريدون الخير لبلادهم ويلجؤون إلى بعض التلفزيونات الأجنبية التي تبثّ الأكاذيب والمغالطات دون تحرٍّ، بل باعتماد التهويل والتحريض والتجني الإعلامي العدائي لتونس». وأضاف: «إننا نقدّر الشعور الذي ينتاب أي عاطل من العمل، وخصوصاً عندما يطول بحثه عن الشغل وتكون ظروفه الاجتماعية صعبة وبنيته النفسية هشّة، ما يودى به إلى الحلول اليائسة ليلفت النظر إلى وضعيته. نحن لا ندخر جهداً لتفادي مثل هذه الحالات بالمعالجة الخصوصية الملائمة»
وتابع «إن البطالة شغل شاغل لسائر بلدان العالم المتقدمة منها والنامية ونحن في تونس نبذل كل الجهود للحد منها ومعالجة آثارها وتبعاتها، وخصوصاً بالنسبة إلى العائلات التي لا مورد لها. وستبذل الدولة جهوداً إضافية في هذا المجال خلال المدة القادمة» .
كما قال: «لقد دأبنا منذ التغيير على تكريس الحوار مبدأً وأسلوباً للتعامل بين سائر الأطراف الوطنية والاجتماعية حول القضايا والمستجدات التي تطرح أمامنا. ولا يمكن بأي حال من الأحوال رغم تفهمنا أن نقبل ركوب حالات فردية أو أي حدث أو وضع طارئ لتحقيق مآرب سياسية على حساب مصالح المجموعة الوطنية ومكاسبها وإنجازاتها، وفي مقدمتها الوئام والأمن والاستقرار، مشدداً على أن «لجوء أقلية من المتطرفين والمحرضين المأجورين ضد مصالح بلادهم إلى العنف والشغب في الشارع وسيلة للتعبير أمر مرفوض في دولة القانون مهما كانت أشكاله وهو مظهر سلبي وغير حضاري يعطي صورة مشوهة عن بلادنا تعوق إقبال المستثمرين والسياح بما ينعكس على إحداثات الشغل التي نحن في حاجة إليها للحد من البطالة. وسيطبق القانون على هؤلاء بكل حزم». ومع ذلك، جدد بن علي «تأكيد احترام حرية الرأي والتعبير والحرص على ترسيخها في التشريع والممارسة»
وقد تلخص خطابه في محاولة تحليل للأحداث لم ترق إلى المستوى المأمول متحدثا عن سمعة تونس أمام السياح الأجانب وكأن رأي السياح أهم من كرامة الشعب. وإطلاق وعود ملّها الشعب التونسي ولم يعد يصدقها ثم اتهام عناصر مأجورة وجهات لا تريد الخير لتونس بتنظيم هذه التظاهرات وانتقل أخيرا إلى التهديد والوعيد بالعقاب الشديد في خطاب مقتضب ومرتبك.
أدانت منظمة العفو الدولية يوم السبت ما وصفته بـ”القمع المتواصل الذي تمارسه السلطات التونسية ضد موجة الاحتجاجات” التي أشعلتها محاولة انتحار أقدم عليها شاب احتجاجاً على ظروفه الحياتية،” ودعت المنظمة الحكومة التونسية إلى السماح بحرية التعبير بعد سقوط قتيلين وعشرة جرحى.
وقالت منظمة العفو الدولية إنه “يتعيّن السماح للتونسيين بأن يعبروا عن المظالم التي يعانون منها وأن يحتجوا بحرية. فقد أطلقت السلطات وعوداً فارغة بشأن فرص العمل لم يتبعها سوى حملات قمع ضد المحتجين،” بحسب تعبيرها. وتابعت المنظمة بالقول: “ومع أن السلطات التونسية تتحمل مسؤولية الحفاظ على النظام العام، إلا أن هذا لا يجوز أن يتحول إلى ذريعة لاستهداف الناس فقط لقيامهم بممارسة حقوقهم في حرية التعبير والتجمع.”
وطالب الاتحاد الأوروبي بإطلاق سراح المتظاهرين المعتقلين في تونس على الفور. وعبرت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون عن الأسى لأحداث العنف وعن تعازيها لأسر الضحايا. حيث قالت إن الاتحاد الأوروبي يدعو لإطلاق سراح الصحفيين والمدونين والمحامين وبقية المعتقلين على خلفية الاحتجاجات.
أما فرنسا فقد دعت إلى الهدوء، وعبرت على لسان الناطق باسم الخارجية برنارد فاليرو أيضا عن الأسف لأحداث العنف، معتبرة أن الحوار هو الوحيد الذي سيسمح للتونسيين بحل مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية. كما قالت الحكومة الفرنسية أنها على استعداد لمساعدة أجهزة الأمن بخبراتها حتى تقمع المتظاهرين دون إراقة الكثير من الدماء.
وفي برلين، حذرت وزارة الخارجية الألمانية اليوم الاثنين مواطنيها من السفر إلى تونس في ظل الاحتجاجات المستمرة في البلاد، وذلك بعدما أصدرت تحذيرا مماثلا للسفر إلى الجزائر.
وفي واشنطن، استدعت الخارجية الأمريكية السفير التونسي لإبلاغه قلق الولايات المتحدة حيال الأحداث التي تجري في البلاد، وقال الناطق باسم الخارجية، بي جي كرولي، أن واشنطن أبلغت السفير حرصها على ضرورة ضبط النفس.
كما قال إن وزارته نقلت إلى السفير التونسي قلقها على قدرة شعب تونس على ممارسة حقوقه وحرية التعبير والتجمع وتدخل الحكومة “المحتمل” في شبكة الإنترنت والذي يتضمن تدخلا في حسابات على موقع فيسبوك
فاستدعت وزارة الخارجية التونسية سفير الولايات المتحدة لدى تونس غوردن غراي وأبلغته استغرابها من الموقف الذي عبّر عنه الناطق باسم الخارجية الأميركية على خلفية الاحتجاجات التي تشهدها بعض المناطق التونسية وأبلغته أن تونس تفاجأت بمحتوى تصريح الناطق باسم الخارجية الأميركية الذي يستند إلى معلومات من عناصر مناوئة دون التأكد من صحتها ودون مراجعة السلطات الرسمية. ومجرد استدعاء السفير الأمريكي ومساءلته وضع الحكومة التونسية في موقف أكثر حرجا مع حليفتها الولايات المتحدة.
وأكدت له في المقابل أن كل الحريات بما في ذلك حرية التجمع مضمونة بموجب الدستور والقانون في تونس، وأنه لم يقع إطلاقا منع أو عرقلة التجمعات ما دامت سلمية وغير عنيفة..
وذكر بيان منظمة العفو الدولية أن السلطات التونسية تحاول التعتيم إعلامياً على الأحداث، عبر حجب المواقع الإلكترونية وإغلاق حسابات البريد الإلكتروني لناشطي الإنترنت، ولاسيما من يستخدمون موقع “فيسبوك،” واتهم البيان الحكومة بأنها ” لم تتعلم شيئاً من دروس طريقتها في التعامل مع مظاهرات قفصة في 2008.”
لقد أعلنت جهات عديدة في البلاد التّونسيّة التحاقها بالانتفاضة مشاركة في ألمها واحتجاجها ونضالها كما شاركتها التّفقير المنهجي والبؤس والجوع والبطالة واليأس.
طلع الناطق باسم رئاسة الجمهورية ليقول إن الرسالة قد وصلت هذه الرسالة التي إما أن وصولها تأخر 23 عاما أو أنها قد وصلت منذ زمن ولكنهم أهملوها ولم يعلنوا وصولها إلا يوم أمس حين شعروا بالخطر يهدد وجودهم.
تواصلت الاحتجاجات الشعبية على تردي الأوضاع المعيشية في تونس مساء الاثنين، في حين دعا الاتحاد الأوروبي إلى إطلاق سراح المعتقلين على خلفية هذه الأحداث. كما شهدت جامعة المنار في العاصمة تونس تجمعا لمئات الطلبة للاحتجاج على الأحداث. وطوقت الشرطة التونسية المظاهرة ومنعتها من الانتقال إلى خارج أسوار الجامعة. كما اعتدت على النقابيين والصحفيين والمسرحيين والفنانين. ولا أتصور قطاعا في تونس لم يتعرض للمحاصرة والاعتداء.
ليطلع الرئيس مرة أخرى على التلفزيون التونسي في خطاب بدا فيه ضعيفا مهزوزا مرتبكا يتوسل إلى الشعب التونسي ليبقيه حتى يكمل فترته الرئاسية مع الوعد بألا يترشح مرة أخرى مع الكثير من الوعود.
ولكن الشعب اجابه بوضوح “لا وألف لا” وقد شهد حي النور بمدينة القصرين (وسط غرب البلاد) ومدينة الرقاب في ولاية سيدي بوزيدوسط تونس، تشييع جنازات لعدد من قتلى أحداث الأيام الماضية سرعان ما تحولت لأعمال عنف أطلقت فيها الشرطة الرصاص وسقط فيها عشرات الشهداء.
وأفاد شهود أن تعزيزات من الجيش أرسلت إلى مدن القصرين وسليانة والرقاب ومكناسي لدعم قوات الشرطة المتواجدة هناك. وقد حدثت, حسب بعض المصادر, مناوشات بين الشرطة والجيش الذي رفض إطلاق النار على المتظاهرين.
لم تكن ردود الفعل الأولى على خطاب بن علي في مستوى ما يأمله الرئيس التونسي ، حيث لم تهدأ الحركات الاحتجاجية بل توسعت أكثر فأكثر وشهدت العاصمة تونس التي كانت لغاية الآن بمنأى عن المواجهات العنيفة بين الشرطة والمحتجين أعمال عنف كبيرة وتناقلت مدونات الانترنت مشاهد مصورة بالفيديو عن لجوء الشرطة للعنف ضد المتظاهرين ومنعهم من بلوغ شارع الرئيس الحبيب بورقيبة.
كما تناقلت صفحات فايس بوك صورا جديدة مؤثرة للغاية عن قتلى سقطوا برصاص الشرطة في مدينة القصرين مما يعني أن المواجهات العنيفة لا تزال مستمرة في هذه المدينة التي سجلت لغاية الآن أكبر عدد من القتلى في صفوف المحتجين وصل حسب مصادر نقابية لما يقارب الثلاثين .
الحكومة التونسية علقت الدروس في المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات إلى أجل غير مسمى وذلك بعد أسبوع من استئنافها ، في خطوة توضح أن الأمور خرجت فعلا عن السيطرة ، خاصة أن انضمام طلبة الجامعات و المدارس إلى المحتجين قد زاد النار اشتعالا ووسع من رقعة المواجهات بين المحتجين والشرطة .
المواجهات وصلت أخيرا إلى العاصمة حيث عمّت الاضطرابات حي التضامن وحي الانطلاقة. ولا يبدو أن تغيير وزير الداخلية وقرار الاجتماع بمجلس النواب والمستشارين ومحاسبة المسؤولين عن الفساد قد غيّر شيئا في الأوضاع حيث سقط شهداء في قبلي ودوز بعد قرار تغيير الوزير وإطلاق سراح المعتقلين.
وصلت الانتفاضة إلى شوارع العاصمة دون أن يخشى التونسيون رصاص الشرطة والقناصة وتقدموا إلى شارع الحبيب بورقيبة. ورغم العنف غير المسبوق وإطلاق الرصاص من أجهزة الشرطة إلا أن الجماهير أصرت على أنها لن ترضى بغير رحيله. وفي الأيام الأولى بدا بن علي ممسكا بزمام الأمور يصف المتظاهرين بالإرهابيين، ويعد بمنح 15 مليون دولار لتنمية تلك المناطق، تطورت لاحقا لخمسة مليارات دولار، وصعد القناصة إلى أسطح المنازل، ولم تفلح سياسات الوعيد والتهديد، كما لم يخف الناس عدد القتلى المتصاعد (أكثر من مائة قتيل حسب المعلن حتى الآن)
انصاع بن علي لمطالب الجماهير ، و طأطأ رأسه بنفسه بعد أن أقال مسؤولين كبارا، من ضمنهم وزير الداخلية، كما تنازل أكثر عندما ناشد الشعب وقف العنف متعهدا بالإصلاح السياسي، ومطالبا بمنحه فرصة، متعهدا بعدم الترشح، وهو ما لم يهدئ ثورة المتظاهرين الذين حاصروا وزارة الداخلية التي كانت رمز سلطة اعتمدت على الشرطة، وهمشت القوى الأخرى بما فيها الجيش. فما كان منه إلا أن غادر البلاد.
ومهما كان من ضبايبة في مستقبل السلطة بعد إعلان سفر بن علي وتولي وزيره الأول زمام السلطة، وما إذا كانت الإجراءات المعلنة تعني انتهاء نظام بن علي أو سقوط رأسه فقط، فإن جميع المحللين والقادة السياسيين في تونس ينتهون إلى رأي واحد، هو أن رحيل بن علي يعني “انتهاء نموذج” حكم تونس بعيدا شعارات المعجزة الاقتصادية التي كشفتها شرارة سيدي بوزيد.
ظهر الغنوشي على القناة التلفزية التونسية وعلى جانبيه رئيس البرلمان ورئيس المجلس الدستوري قبيل الساعة السادسة من عشية يوم الجمعة، وقال: “بداية من الآن أتولى ممارسة سلطات الرئيس، وأدعو كافة أبناء تونس وبناتها من مختلف الاتجاهات السياسية والفكرية ومن كافة الفئات إلى التحلي بالروح الوطنية والوحدة، لتمكين بلادنا من تخطي هذه المرحلة الصعبة واستعادة أمنها واستقرارها”.
ومنذ إعلانه الخبر خرجت مظاهرات في القصرين وقفصة وقابس وجهات أخرى ترفض توليه الرئاسة لأنه يمثل جزءاً من النظام السابق. ثم ظهر الخبراء قانونيون في تونس في تصريحات فورية مجاهرة بكون الوزير الأول محمد الغنوشي قد خالف الدستور حين تولى رئاسة البلاد خلفا للرئيس المخلوع، مؤكدين أنه يجب تولية رئيس البرلمان..
أستاذ القانون الدستوري الصادق بلعيد وصف ما أقدم عليه الغنوشي بخيانة دستورية يراد منها التلاعب بالسلطة بعدما ضُغط على رئيسي البرلمان والمجلس الدستوري.. قبل أن يردف: “إعمال الفصل 56 باطل حيث يجب توفر تفويض من الرئيس التونسي المخلوع وهو ما لم يحدث”
السفارات التونسية في عواصم عديدة شهدت تجمعات عديدة أمامها للاحتفال بمغادرة زين العابدين بنعلي للقصر الرئاسي، الذي تأكد ذهابه الى المملكة العربية السعودية بعد أن ضاقت به السبل والأجواء حيث رفض أصدقاؤه الفرنسيون استقباله..
وقد عرفت العديد من المدن التونسية غيابا لقوى الأمن.. مما دفع بالشباب لحماية أرواحهم وأهلهم وأموالهم من بقايا “ميليشيات التجمع الدستوري ” تهاجم المنازل بهدف الترويع والدفع بالبلاد صوب مسار دموي عسير.. ربما أرادوا من خلاله أن لا أمن ولا أمان في تونس إلا بهم.
تم إقصاء زين العابدين بن علي نهائيا من السلطة وفر إلى السعودية بعد شهر من الاحتجاجات في تونس وقد أعلن المجلس الدستوري اليوم السبت “شغور السلطة” وعين رئيس البرلمان التونسي فؤاد المبزع رئيسا للبلاد بالوكالة.
وقد أعلن فؤاد المبزع في كلمة مقتضبة بعد أدائه اليمين الدستورية أن المصلحة العليا للبلاد تقتضي تشكيل “حكومة ائتلاف وطني”.
واستيقظت تونس في أجواء من الضغط بعد ليلة من النهب في ضواحي تونس نسبها عدة شهود إلى أنصار الرئيس المخلوع. وحلقت مروحيات الجيش الذي دعي إلى احتواء العنف في أجواء العاصمة.
واستند هذا التغيير المفاجئ إلى الفصل 57 من الدستور وذلك بناء على طلب من رئيس الوزراء المنتهية ولايته محمد الغنوشي الذي أعلن الجمعة توليه الرئاسة بالوكالة بعد فرار زين العابدين بن علي نزولا عند ضغط الشارع.
ويأتي هذا التطور المفاجئ في حين حصلت مظاهرات وبدأ التحضير لمسيرات في عدة مدن تونسية للمطالبة بتنحي محمد الغنوشي من رئاسة الدولة التي لم يتولاها سوى اقل من 24 ساعة.
وخرج آلاف الأشخاص إلى الشوارع قبل أن يتفرقوا نزولا عند طلب الجيش دون حادث يذكر عندما تم الإعلان عن تعيين رئيس البرلمان رئيسا للبلاد بالوكالة.
وجرت التظاهرات رغم فرض حالة الطوارئ في مدن مثل سيدي بوزيد والقصرين وقفصة والرقاب في جنوب ووسط وغرب البلاد.
وبدأت الشرطة صباح السبت عزل قلب العاصمة التونسية بإغلاق الشوارع المؤدية إلى شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي الذي شهد الجمعة تظاهرات عارمة أدت إلى فرار الرئيس زين العابدين بن علي. وأقيمت حواجز حديدية في الطرق المؤدية إلى شارع بورقيبة مانعة السيارات القليلة والمارة من المرور.
وانتشرت دبابات وآليات مدرعة لنقل الجند في العاصمة واعتقل الجنود وقوات الأمن قبل الظهر العشرات من الأشخاص الذين كانوا ينهبون المحلات والمنازل واقتادوهم في شاحنات.
وعثر على سيارات مسروقة تركت في الطرقات بينما حرقت محلات تجارية فخمة واستهدفت بشكل خاص ممتلكات عائلة بن علي وزوجته ليلى.
وشهدت عدة أحياء من ضواحي العاصمة ليلة رعب بسبب أعمال تخريب ونهب قامت بها عصابات ملثمين، بحسب شهادات سكان مذعورين نقلتها القنوات المحلية طوال الليل.
وتعرض المركز التجاري الكبير “جيان” geant عند المدخل الشمالي للعاصمة التونسية، لعمليات نهب السبت غداة مهاجمته الجمعة.
وأشار بعض السكان إلى عناصر ميليشيات سابقة على علاقة بمقربين من الرئيس الفار زين العابدين بن علي وقال آخرون إنها من فعل مساجين حق عام فروا من مراكز اعتقالهم، واتهم البعض الآخر عناصر من الشرطة.
وأكد دبلوماسي فرنسي لفرانس برس انه شاهد احد أنصار الرئيس الفار يشارك في التعدي على السكان في تونس.
وفي وسط شرق البلاد أعلن طبيب محلي عن مقتل ما لا يقل عن 42 سجينا في حريق شب السبت بسجن المنستير في اخطر حادث منذ اندلاع الاضطرابات منتصف كانون الاول/ديسمبر. وشب الحريق عندما اضرم احد المساجين النار في فراشه وسط مرقد فيه تسعون سجينا خلال محاولة فرار تحولت الى ذعر بسبب اطلاق النار قرب السجن.
ودعت فرنسا السبت “إلى الهدوء وإنهاء العنف” في تونس والى “انتخابات حرة في اقرب وقت”، كما أعلن الرئيس الفرنسي نكيولا ساركوزي في بيان عقب اجتماع وزاري في قصر الاليزيه.
وأعلن ساركوزي في بيان أن فرنسا اتخذت “إداريا الإجراءات الضرورية لتجميد كل التحويلات المالية المشبوهة التي تخص أرصدة تونسية في فرنسا”.