أجرى الحوار: الصحفية لافا خالد
ربع قرن من الفن الهادف، أغانيه تلامس وجدان كل الناس الذين يرددون أجمل ما قال: “إن عشت فعش حراً، أو مت كالأشجار وقوفاً، وقوفاً كالأشجار”.
أشعاره تنبض حباً للحياة، تنادي بالثورة على الظلم والتمييز وعلى كل ألوان القمع. يعشق المرأة لأنها كل العالم، جمهوره عريض يتساءل: ما الذي يمكن أن تفعل الكلمة أمام بشاعة ما يحدث في عالمنا المتمدن؟ كلماته تستدعيك للوقوف مطولاً. ففيها وجدان الجماعة والحس الإنساني الرفيع، أدواته للوصول إلى محبيه بسيطة وكبيرة.
أغنيته الرائعة والجريئة لأهل درعا وللثورة السورية “يا حيف” كان لها أبلغ الأثر في نفوس الملايين من السوريين الثائرين في وجه الطاغية وعصابته، لا بل تحولت أغنيته نبضات تحرك المنتفضين. ففيها معاني عن الكرامة والوحدة السورية والثورة ضد الخونة الذين يقتلون شعبهم.
سميح شقير إنساناً وفناناً كيف تعرفنا بتجربتك ومستوى تقييمك لتلك التجربة؟
بعد ربع قرن من عمر هذه التجربة الغنائية، أرغب بترك مهمة التعريف بهذه التجربة للآخرين الذين واكبوها، والتقييم للذين لمسوا أصدائها وتأثيرها، لأني أظن بأن ذلك أجدى.
ما الأسباب الحقيقية في رداءة المشهد الغنائي العربي؟
إنها الخلفية التجارية وتكريس صناعة الأغنية وصناعة النجوم على حساب المعنى الثقافي والإبداعي للأغنية. ومن أسباب الرداءة أيضا اضمحلال الملحنين الكبار وامتلاء الساحة بلصوص الأغنية ولا أقول الملطوشة بل المأخوذة علناً من تركيا واليونان وغيرها، بحيث بات الإبداع عملة نادرة.
ثم إن هذا التسويق ذا القدرة الفائقة من خلال عشرات الفضائيات المختصة بهذه المصنوعات الغنائية يشكل ذائقة سطحية لدى جيل كامل. ولا يخفى أيضا الجانب السياسي عبر إبعاد الناس عن تلمس حقيقة الواقع المعاش، وجعل الأجيال تعيش واقعاً افتراضياً عبر التماهي مع أبطال الكليبات
والجغرافيا السينمائية الساحرة.
هل أنت في المكان المناسب من المشهد الغنائي ولك باع طويل في مجال الغناء النهضوي الثوري؟
ان مكاني المناسب هو أن أكون قريباً من الناس، متمكناً من التواصل معهم عبر الحفلات وعبر التسجيلات لكثير من الجديد الذي لدي، وطالما أن هذا قلما يكون ممكناً بسبب التهميش الذي أتعرض له فلك أن تتخيلي ما أحس به.
لمَ اخترت لون المقاومة في غنائك؟
لأني رأيت فيه خياراً لتحقيق الحرية، حرية الأرض والإنسان أيضا. لكن هذا المعنى مثله مثل الكثير من المعاني قد تعرض لالتباس في المفهوم في هذه الأزمنة، وأرى بأن أي مقاومة حقيقية عليها أن تكون توأماً لحرية المجتمعات، ويتمثل فيها مجتمع بأكمله.
من هي ملهمتك في الحياة؟ هل غنيت لامرأة خاصة؟ كيف ترى واقعها وصورتها في الأغنية العربية اليوم؟
غنيت لامرأة بذاتها وغنيت لامرأة أشتهي أن تكون، وألهمتني دائماً.. بانتظارها.. ورفقتها.. واشتياقها.. والحنين إليها، ولا أرى المرأة نصف العالم، بل أرى العالم طفلٌ في سرير تهزه امرأة، أما صورتها في الأغنية العربية فأقرب ما تكون إلى جسد دون رأس!!
ألم يشوه الغناء صورة المرأة؟ لمَ لم تنصفها الأغنية الملتزمة ونحن نعلم إن الفن رسالة؟
بلى أنصفتها، و أهم ما قامت به الأغنية الملتزمة على هذا الصعيد إنها لم تعزل المرأة عن الحياة، وعبر عشرات النصوص المغناة والمأخوذة من أجمل الأشعار تجد المرأة مكوناً حاضراً في تلا فيف الصور والمعاني، بل وتأخذ أحياناً كثبره رمزية الكلي والجمالي والأرض والحرية وكل مطلق أو مشتهى.
متى بكى سميح شقير في حياته؟ وهل تبكيك أغاني اليوم أو حتى أغاني أمس؟
بكيت على أصدقاء رحلوا باكراً، وشوقاً لأصدقاء غيبتهم السجون، وفي وداع أخير لحبيبة. وأنا القائل “ودمع الرجال غالي لكن لو نزل تدرون شو معناه”، وبكيت وأنا أغني على المسرح ” يا زهر الرمان”.
من تتابع من فناني اليوم؟
معظمهم يفرضون أنفسهم علي دون أن أتابعهم، لأني مضطر أن أمشي في الشارع وأن أفتح التلفزيون.
كونك مغنيا وموسيقيا وشاعراً، هل تغنيك هذه المواهب التعاون مع آخرين لإنجاز ألبوماتك؟ أم ثمة مشاركات من آخرين سواء في الكلمات أو التلحين؟
نعم تغنيني، غير أني أتعمد تلحين قصائد لشعراء آخرين أحياناً لإعجابي بهذه الأشعار ورغبة مني بنشرها على الألسن والشفاه.
كلمنا عن سميح شقير الشاعر، متى كتبت أول قصيدة وهل طبعت نتاجك في دواوين؟
منذ يفاعتي وأنا أكتب القصائد وأحضر نفسي كشاعر، إلى أن دخلت الموسيقى حياتي فترافق الشعر والموسيقى لتولد الأغنيات من عناقهما معاً. ومؤخراً طبعت ديواني الأول “نجمة واحدة”.
بعد ربع قرن من العطاء في الفن الملتزم؟ ماذا يخطط سميح شقير لمستقبله الفني؟
كنت أدرك منذ البداية أن هذا الطريق شائك ووعر، لكني سأتابع ما بدأت موسعاً مدى تجربتي بالنداء الإنساني العميق وبتأكيد انحيازي بمواجهة القهر والاستلاب. مع أغنيتي أمضي باتجاه النشيد في كل معارك الحرية.
إن عشت فعش حرا أو مت كالأشجار وقوفا؟ هل يعيش سميح شقير حرا في التعبير عن آرائه السياسية وتوجهاته الاجتماعية وعلى مختلف الصعد؟ إن كنت حرا لمَ لا تباع كل إصداراتك في الأسواق؟
أن تكون حراً يعني بداية أن لا تكون منصاعاً ولا منساقاً في قطيع، هو أن تمتلك فكرتك وتدافع عنها، أما سقوف التعبير عن الرأي فتحكمها مجموعة من الاعتبارات تنطلق من قراءة الواقع وتوسيع مساحة الممكن في التعبير، وهي لا تعني بالضرورة أن تقول كل شيء في كل الظروف، أما أنا فقد مارست الحرية دائماً بقدر ما استطيع.
ماذا عن أغنيتك لي صديق من كردستان؟ متى غنيتها؟ ما الدوافع وراء تلك الأغنية التي أكسبتك صديقا للشعب الكردي؟
كنت قد وصلت الحسكة مع صديقي الشاعر حسان عزت لنقيم أمسية شعرية هناك. وتصادف أن اليوم التالي لوصولنا كان عيد النيروز، وتلقينا دعوة من أحد الأصدقاء الأكراد لحضور الاحتفال فرحبنا بالفكرة. وفي تلك الليلة في الفندق لم ننم أنا وحسان، حيث شرعنا بكتابة مشتركة لنص الأغنية وانهمكت طوال الليل في تلحينها. وكان فرحنا كبيراً مع مطلع الفجر إذ تم انجاز الأغنية وقد حملت شعورنا التضامني مع القضية الكردية. وللطرافة، أذكر الحادثة التالية: فبعد وصولنا الى مكان الاحتفال حاولنا مع منظمي الاحتفال الأكراد طبعاً أن يسمحوا لنا بالمشاركة على المسرح بإن أغني أغنية لي صديق من كردستان، وبعد سؤالهم لي إن كنت أمثل تنظيماً معيناً وإجابتي بالنفي، فقد قرروا عدم السماح لي بالمشاركة وسط دهشتنا والشعور بالإحباط.
لكن هذا الموقف لم يغير شيئاً من قناعاتي وتضامني. لذا، أصدرت الأغنية في ذلك العام في شريط في العام 1985، وكان صدى انتشارها كبيراً.
الم تخاطر بتلك الأغنية بمستقبلك الفني عموما؟
بلى، ولكن كان لا بد من ذلك. فقد كنت على ثقة بأن الكثيرين يشاطرونني مشاعري التضامنية.
ماذا يعني لك “شفان”؟ هل ثمة تواصل بينكم؟
“شفان: فنان كبير، وقد أخذته رمزاً للكردي في أغنيتي “لي صديق”، لكن للأسف نحن لم نلتق حتى الآن. ولم تصلني منه أي رسالة.
ما رأيك بشباب اليوم؟ هل هم سطحيون كما يتهمون؟ أم ثمة ظروفا أوصلتهم لذلك وما هي؟ أم على العكس هم تفاعليون مع كل الأحداث؟ أليس معظم جمهورك من الشباب أنفسهم؟
كنت دائماً ضد اتهام الشباب بالسطحية، وعلى العكس أعتبرهم دينامو كل المجتمعات. لكني سأسأل من يتهمهم: هل ترك لهم الجيل الذي سبقهم أمثولة نقية يتعلقون بها. وهل علينا أن نقيس الحاضر بمسطرة الماضي؟ هذا ملف كبير ويمكن الحديث عنه بتوسع في مرة قادمة.
تنويه صغير:
الحوار أعيد نشره تكريما للفنان الكبير سميح شقير الذي كان ويبقى وفيا للثائرين في كل بقاع الدنيا في وجه الظلم والإستبداد.