ثورة مصر صنعها شباب في عمر طلاب الجامعات. ولكن مشكلة التعليم الجامعي في مصر لم تُطرّح حتى الآن، رغم انقضاء سنتين من عمر الثورة المصرية. لم يطرحها “الإخوان المسلمون” و”السلفيون” لأن شعبيّتهم تقوم، إلى حد ما، على انتشار “الأمية” (حتى “أمية المتعلّمين”). ولم تطرحها معارضة “جبهة الإنقاذ”، ربما لأن قسماً كبيراً من المعارضة الإنقاذية هو، نفسه، من نتاج سقوط التعليم الجامعي المصري.
ما أهمية نظام التعليم في مصر؟ أهميته حاسمة. سواءً في داخل مصر، أو لدور مصر كـ”مُصَدِّر” لليد العاملة “شبه الكفؤة” إلى بلدان الخليج، وليبيا، ثم لاحقاً إلى أوروبا وأميركا. مستقبل مصر يمكن أن يتوقّف على تحوّلها من نظام يخرّج “باش مهندس” فاشل إلى ما يشبه النظام الهندي أو الباكستاني الذي يخرّج “مهندسين” حقيقيين!
ملاحظة: صورة الموضوع، أعلاه، لـ”كلية فيكتوريا” بالإسكندرية (تأسّست في ١٩٠٢، أي حينما لم تكن مصر ملاذ الفاشلين في الحصول على “البكالوريا”) وكان بين خريجيها: الحسين بن طلال ملك الأردن
الملك سيمون الثاني ملك دولة بلغاريا ورئيس وزرائها،
الممثل المصري أحمد رمزي،
الكاتب الفلسطيني إدوارد سعيد،
جورج أنطونيوس، مؤلف “يقظة العرب”،
زيد الرفاعي،
زيد بن شاكر،
ولي عهد العراق، عبد الاله .
عدنان خاشقجي،
الممثل العالمي عمر الشريف،
المخرج المصري يوسف شاهين.
الشفاف
*
كتاب “مصر من ثورة إلى أخرى: سياسات التعليم والتحوّلات الإجتماعية” كان في الأصل أطروحة جامعية تتناول في تحليل طويل، ولكن واضح، التحوّلات المصرية إبتداءً من البدايات الأولى للتعليم في مصر في عهد محمد علي- مؤسّس مصر الحديثة- وحتى سقوط حسني مبارك. وقد تمّ إغناؤها في ضو الأحداث الثورية التي شهدتها سنة ٢٠١١.
والخلاصة التي يصل إليها الكتاب المؤلّف من ٣٠٠ صفحة هي أن النظام الجامعي المصري، الذي يعاني من بيروقراطية حمقاء تفترسها الظلامية الإسلامية بصورة متزايدة، هو نظام مريض، ومريض جداً.
مع ذلك، يكتشف القارئ مصر أخرى، كانت تخضع للإحتلال البريطاني في لحظة تأسيس “جامعة القاهرة الحرة” في سنة ١٩٠٨، وكانت تشعر بانجذاب شديد إلى التأثيرات الثقافية والعلمية الفرنسية والإنكليزية. مصر أخرى كانت أدمغتها تُصدَّر كأدمغة خلاقة إلى جامعة السوربون أو جامعة أوكسفورد.
لاحقاً، شغل الأميركيون جزئياً (عبر “الجامعة الأميركية في القاهرة”) المواقع التي تركها الفرنسيون والبريطانيون. وحتى الحقبة الناصرية، كانت موديلات التعليم منسوخة عن الموديلات الغربية.
ولكن ثورة ١٩٥٢، التي جاءت بجمال عبد الناصر إلى السلطة، انطبعت بالتأثير السوفياتي وبإرادة “التعليم بالجملة”، وفقاً لتعبير المؤلفة “إيفا ساينز-دييز”. وتتميّز الحقبة الناصرية، كذلك، بانحدار مستوى التعليم العالي وبالدرجة الأولى في “الإنسانيات”، خصوصاً مع طرد أو إبعاد الأدمغة المرموقة التي كانت تسبح في ثقافات متعددة (يهود، وأرمن، ويونانيون، وفرنسيون).
ولم تتأمن خلافة تلك الأدمغة على الإطلاق. ففي عهد السادات “في سنوات السبعينات، كان أكثر من ٧٠ بالمئة ممن هاجروا من مصر من المدرّسين والمهندسين الأكفّاء”. وتسلّط الكاتبة الضوء على هجرة الأدمغة في عهد السادات بالتوازي مع تعاظم النفوذ الإسلاموي في الجامعات. كما تركّز على أن حقبة مبارك تميّزت بالإنتشار الواسع للجامعات الخاصة ولمدارس تعليم اللغات التي تأسّست لتعويض تفاهة المؤسسات الحكومية التي غرقت تحت ثقل أعداد طلابها الهائلة.
مثل جرّاح بارع، استخدمت المؤلفة التي تتقن العربية مبضع الجرّاح لتشريح نظام تعليم لم يعد ينتج “نخبة” بل ويحبط معنويات أية نخبة يصادف أن ينتجها!
وتختتم “إيفا ساينز-دييز” كتابها بتناول مشكلة دور اللغة العربية في نقل المعارف. وتقول عنها أنها لغة رائعة ولكن تمّ تغليفها بغطاء من حرير منذ ١٣ قرناً حتى لا ينخدش عاجُها: “العاهة الكبرى في مصر، وهذا ينطبق على سواها من بلدان العالم العربي، تتعلق بمكانة اللغة. فالعلاقة باللغة علاقة ثيولوجية (دينية) وبالتالي فلها حِرمتها.. وتطرح دراسة القرآن، الذي كُتِِبَ بلغة القرن السابع الميلادي، مشكلة تصوّر تعبّر عن نفسها على مستوى الطلاب”.
نقلاً عن مقال كتبه “جان لوي لو توزي” في جريدة “ليبراسيون” الفرنسية.
النص بالفرنسية: