ربما كان رجب طيب إردوغان آخر “وهم” من أوهام “الإسلام (السياسي) هو الحل”! فالرجل الذي أبهر العرب خلال سنوات ينتهي، بخطوات متسارعة، إلى مصاف الطغاة الذين ابتُليت بهم المنطقة العربية. الرجل الذي أراد “تصفير” مشاكل تركيا مع جيرانها لم يبقَ له من صديق في المنطقة سوى دولة الجزيرة وعاصمتها قطر (ستستضيف دولة “الجزيرة” قاعدة عسكرية تركية)! ويكفي للقارئ مراجعة الصور الواردة من المناطق الكردية في جنوب شرق تركيا الآن، حيث يفرّ عشرات الألوف من المدنيين (١٠٠ألف مدني حسب وزير داخلية تركيا، أو ٢٠٠ ألفاً حسب مصادر صحفية ألمانية) من منازلهم وأعمالهم، ليرى كيف نجح إردوغان في استيراد الحرب الأهلية الدائرة في سوريا والعراق إلى بلاده.
الشفاف
*
وكالة الصحافة الفرنسية- اودع جان دوندار السجن قبل شهر بتهمة فضح اسرار الدولة لكن هذا الصحافي التركي الشهير يواصل الكتابة والتواصل
مع العالم الخارجي عبر مقالاته اليومية والكتابة عن حياته خلف القضبان.
تشكل قضية دوندار رئيس تحرير جمهورييت كبرى صحف المعارضة التركية واردم غول مدير مكتبها في انقرة مثالا لوضع حرية الصحافة في تركيا حيث وجهت الى الصحافيين تهم “التجسس وكشف اسرار الدولة”.
وضع الصحافيان في السجن في 26 تشرين الثاني/نوفمبر لنشرهما في ايار/مايو شريط فيديو التقط على الحدود السورية في كانون الثاني/يناير 2014 ويصور اعتراض شاحنات عائدة لجهاز الاستخبارات التركي وتنقل اسلحة لمقاتلين اسلاميين في سوريا.
اعتبر الرئيس رجب طيب اردوغان نشر الفيديو “خيانة” وتوعد في حديث الى التلفزيون بانه سيجعل دوندار “يدفع الثمن غاليا”.
يقبع دوندار وغول في سجن سيليفري القريب من اسطنبول بانتظار محاكمتهما التي لم يحدد موعدها بعد ولكن هذا لم يمنع الصحافي الشهير ومؤلف العديد من الكتب من كتابة مقالاته اليومية التي لا يبدي فيها اي ندم ويروي فيها ظروف حياته في السجن.
في مقاله الاول بعنوان “جاسوس مبتدىء” يروي دوندار لحظات وصوله الى السجن التي تشبه مقاطع من روايات جون لو كاريه الشهير برواياته عن الجاسوسية ابان الحرب الباردة.
ويقول دوندار “في المساء الأول عندما اقتادونا الى السجن سألونا بعد وصولنا عن سبب سجننا: هل هو ارهاب ام جريمة حق عام؟ أجبتهم بكل جدية: انا جاسوس”. ويضيف ساخرا “لكن لو انهم سألوني لحساب اي بلد اعمل، لما عرفت بم اجيب” .
تواصل “جمهورييت” نشر مقالات تنتقد الحكومة الاسلامية المحافظة على الرغم من سجن رئيس تحريرها ومن تعرضها لضغوط متنامية ليس اقلها اخضاعها للتفتيش المالي.
خرجت الصحيفة الاثنين بعنوان “علاقات قذرة مع تنظيم الدولة الاسلامية على الحدود” ونشرت ما قالت انه “النص الحرفي لمحادثة بين مسؤولين عسكريين وجهاديين ينسقون عبورهم الى سوريا”.
نضال يومي
ويقول طاهر اوزيورتسيفين الذي يتولى ادارة الصحيفة في غياب دوندار لفرانس برس “نحن لا نفعل شيأ سوى القيام بعملنا وهو نقل معلومات الى الجمهور عما يجري في بلادنا”.
ويزور اوزيورتسيفين دوندار في السجن كل ثلاثاء ويتيح له ذلك الاطلاع على رأيه بالتطورات. وعقد الصحافيون قبل فترة قليلة اجتماعا لهيئة التحرير امام ابواب السجن.
ويقول اوزيورتسيفين “الاستمرار في قول الحقيقة هو معركة يومية يخوضها كل واحد منا”.
ويواجه دوندار عقوبة السجن لعدة سنوات في حال ادانته “بالتشهير” بحق الرئيس اردوغان بعد ان نشر مقابلة مع وكيل نيابة تولى التحقيق حول الفساد الذي استهدف اردوغان والمقربين منه في 2013.
وتوجه العواصم الاجنبية ومنظمات حقوق الانسان والدفاع عن حرية التعبير انتقادات باستمرار للحكومة التركية بشأن ممارسة ضغوط متزايدة على وسائل الاعلام.
ومنذ فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية في تشرين الثاني/نوفمبر ضاعفت السلطات قمع خصوم اردوغان ووسائل اعلام المعارضة. وتشغل تركيا المرتبة 149 من 180 في الترتيب العالمي لحرية الصحافة وفق اخر تقرير نشرته منظمة “مراسلون بلا حدود”. وللمقارنة تأتي روسيا بعدها بقليل في المرتبة 152.
وفي لقاء نادر مع الصحافة الاجنبية بداية كانون الاول/ديسمبر، اكد رئيس الوزراء احمد داود اوغلو انه كان يفضل ان يبقى دوندار وغول احرارا بانتظار محاكمتهما، لكن الامر بيد القضاء، وفق تعبيره.
ويجتمع مؤيدو ومناصرو دوندار وغول من الصحافيين والنواب والفنانين امام السجن لاحياء سهرات تضامنا معهم.
والاسبوع الماضي قال فضل ساي عازف البيانو العالمي والمعارض الشرس للحكومة الاسلامية المحافظة ان سجنهما هو “عار على تركيا”.
واضاف ان جان دوندار “مثقف حقيقي وصحافي محترم وانساني اصيل. للأسف، هذه الصفات لا تلقى تقديرا في بلادي” اليوم.