من المرجح أن تسفر رحلة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى بيروت هذا الأسبوع عن سلسلة من التحديات الخطابية ضد إسرائيل بل وربما عن زيارة إلى الحدود الإسرائيلية اللبنانية. لكن قد يكون أحد أهداف الرحلة التأثير على ما تسفر عنه نتائج «المحكمة الخاصة للبنان» المكلفة بالتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في عام 2005. وفي الوقت الذي تقترب فيه «المحكمة» من توجيه لوائح الاتهام التي قيل إنها تشمل نشطاء من «حزب الله»، صعّد كل من «حزب الله» وسوريا – بدعم من طهران على ما يظهر – من الحملة المنسقة على ما يبدو التي تهدف إلى الضغط على رئيس الوزراء سعد الحريري وحلفائه الغربيين لإنهاء دعمهم للعملية القضائية.
الخلفية
في منتصف تموز/يوليو المنصرم، أطلق زعيم «حزب الله» حسن نصرالله حملة علاقات عامة عنيفة لنزع الشرعية عن «المحكمة الخاصة للبنان» بعد تقارير أكدت أن المدعي العام دانيال بلمار ينوي توجيه لوائح اتهام ضد أعضاء من «حزب الله». وبالإضافة إلى وصم «المحكمة» بأنها “مشروع إسرائيلي” يحاول استهداف المقاومة وإثارة فتنة طائفية في لبنان، أشار أيضاً إلى وجود”أدلة دامغة لا يمكن دحضها” بوقوف عملاء استخبارات إسرائيليين وراء اغتيال الحريري. وبعد أن أثار تساؤلات حول مصداقية «المحكمة الخاصة للبنان»، طالب بإجراء تحقيق جديد “ذي طابع غير سياسي” يتحكم به لبنان ويأخذ في الاعتبار الأدلة التي طرحها «حزب الله».
وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، زار العاهل السعودي الملك عبد الله والرئيس السوري بشار الأسد بيروت، الأمر الذي توج الجهود التي بذلتها الرياض لمدة عام ونصف لجر الأسد بعيداً عن إيران واستعادته إلى “حظيرة العرب”. وبعد خروج إشاعات عن اتفاق بين الزعيمين يربط تشكيل الحكومة في العراق بدور سوري متجدد في لبنان، أصدر سعد الحريري نفياً علنياً مدهشاً للإدعاءات السابقة بأن سوريا وقفت وراء اغتيال والده. ومع ذلك، استضاف الأسد أحمدي نجاد في أيلول/سبتمبر في دمشق ثم سافر إلى طهران، حيث أكد الزعيمان من جديد استمرار “محور المقاومة” السوري الإيراني وأعلنا عن دعمهما المشترك لـ «حزب الله».
جهود لتضليل مسار «المحكمة»
كجزء من حملته المتصاعدة لتقويض «المحكمة الخاصة للبنان»، سعى «حزب الله» — بدعم من دمشق وطهران — إلى إنهاء جميع أشكال الدعم اللبناني الرسمي لعمليات «المحكمة». وقد أوضحت المنظمة أنها ستمنع مجلس الوزراء اللبناني من الموافقة على حصة لبنان من تمويل «المحكمة الخاصة للبنان» الذي حدده قرار مجلس الأمن رقم 1757 بنسبة 49% من ميزانية العمل السنوية للمحكمة البالغة 56 مليون دولار. كما طالبت الحكومة أيضاً بسحب القضاة اللبنانيين المعينين في «المحكمة الخاصة للبنان».
وفي الوقت نفسه، كثف «حزب الله» الضغوط السياسية على سعد الحريري لشجب «المحكمة الخاصة للبنان» والانضمام إلى المعارضة في الدعوة علناً لحلها. وااتخذت تلك الحملة نبرة تهديدية بصورة متزايدة. فعلى سبيل المثال، حذر حليف «حزب الله» ورئيس مجلس النواب نبيه بري من وقوع “حرب أهلية” إذا طالت القضية بلا حسم، كما أن موقع قناة “المنار” التابعة لـ «حزب الله» أضاف أن لبنان ستواجه “أياماً صعبة قادمة” إذا ما رفض الحريري معارضة «المحكمة الخاصة للبنان» بحلول نهاية أيلول/سبتمبر، وهو البيان الذي تم تفسيره على أنه تهديد لمنصبه كرئيس للوزراء. وفي الأسبوع الماضي انضمت سوريا رسمياً إلى هذا الجهد عندما أصدرت مذكرات اعتقال ضد ثلاثة وثلاثين “من الشهود الزور” في هذه القضية، بمن فيهم بعض أقرب مساعدي الحريري وأول رئيس تحقيقات من قبل الأمم المتحدة الذي كان مدعيا عاما ألمانياً.
لقد كان «حزب الله» ودمشق على حد سواء صريحين أيضاً بإسماع صوتهما بصورة متزايدة في التحذير من أن أي لوائح اتهام تستهدف الجماعة يمكن أن تشعل جولة جديدة من العنف في لبنان. وقد قيل إن نصر الله قد أبلغ الحريري أنه لو حاول تبني مثل هذه الاتهامات، سوف يتخذ «حزب الله» إجراءات تكون “أسوأ مئة مرة من تلك التي تم اتخاذها في عام 2008”. وقد أضافت قناة “المنار” أن الجماعة سوف تتعامل مع أي لوائح اتهام على أنها “غزو جديد” للبنان. وبالمثل، حذر وزير الخارجية السوري وليد المعلم في حوار له مؤخراً مع صحيفة “وول ستريت جورنال” من أن الاتهامات ستخاطر بـ “إغراق لبنان في جولة جديدة من الصراع الطائفي”.
ما هي الخطوة القادمة؟
في وجه الضغط المتزايد، رفض الحريري حتى الآن التخلي عن رأيه، حيث تعهد في 29 أيلول/سبتمبر بأن لا “يسمح لدم رئيس الوزراء رفيق الحريري أن يذهب سدى”. لكن مع انقضاء إنذار «حزب الله» في 30 أيلول/سبتمبر، يبدو أن المسرح قد تم إعداده لمواجهة سياسية عنيفة محتملة. وهناك العديد من السيناريوهات الممكنة:
“رضوخ الحريري” : لتجنب حدوث أزمة، يمكن أن يقرر الحريري قبول مطالب «حزب الله»، والتنصل من دعمه لـ «المحكمة الخاصة للبنان»، وإنهاء تمويل لبنان لها، والدعوة لانسحاب القضاة اللبنانيين. غير أن «الحزب» قد لا يكون راضياً بمثل هذه الإجراءات، نظراً لتأثيرها المحتمل المحدود على التحقيق الجاري من قبل «المحكمة». فعلى سبيل المثال، بموجب قرار رقم 1757، يمكن للدول الأخرى الأعضاء في الأمم المتحدة أن تعوض عن أي نقص في تمويل «المحكمة الخاصة للبنان» عن طريق المساهمات التطوعية. وفي الواقع، أعادت إدارة أوباما التأكيد بصورة واضحة عن دعم الولايات المتحدة لـ «المحكمة»، وتبدو أنها على استعداد للسعي للحصول على مصادر تمويل بديلة إذا لزم الأمر. وعلاوة على ذلك، بما أنه قد تم تعيين القضاة اللبنانيين من قبل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، يبدو أنهم في حصانة من محاولات أي مجلس وزراء أو برلمان لبناني إزاحتهم.
“انسحاب “حزب الله” : إذا فشلت حملة الضغوط على الحريري، يمكن أن يسعى «حزب الله» إلى إسقاط حكومته عن طريق مطالبة حلفاء «الحزب» بالانسحاب من مجلس الوزراء. وتسيطر الجماعة على عشرة من بين الأعضاء الأحد عشرة في مجلس الوزراء الضروريين لإسقاط الحكومة، ولذا فإنها ستحتاج إلى دعم الزعيم الدرزي وليد جنبلاط أو أحد المعينين من قبل الرئيس ميشيل سليمان (مثل عدنان السيد حسين، وهو شيعي معين في مجلس الوزراء بموافقة «حزب الله»). وإذا نجحت هذه الخطوة فمن شأنها أن تشل المؤسسات السياسية اللبنانية، وتغرق الدولة في أزمة أخرى، وتضع «حزب الله» في وضع يمكنه عرقلة تشكيل أي حكومة جديدة حتى يتم تقرير مصير «المحكمة الخاصة للبنان».
“استقالة الحريري”: في محاولة للحفاظ على كرامته ودعم تراث والده وسط الضغوط التي يمارسها «حزب الله»، قد يقرر الحريري التنحي عن منصبه كرئيس للوزراء – وهو خيار طُرح علناً الأسبوع الماضي بواسطة عضو من كتلته البرلمانية. وعلى الرغم من أن البعض قد أشار إلى أن مثل هذه الخطوة قد تقوي الموقف التفاوضي للحريري حيث ستجعل من غير الممكن من الناحية السياسية موافقة أي سياسي سني آخر على تسوية بخصوص «المحكمة الخاصة للبنان»، إلا أن ذلك يمكن أيضاً أن يعطي «حزب الله» النفوذ اللازم لمنع تشكيل حكومة جديدة كما في السيناريو السابق.
“خروج «حزب الله» إلى الشوارع “: إذا استمر الحريري في تحدي مطالب «حزب الله»، يمكن أن يقوم الحزب بمظاهرات احتجاج في الشوارع تهدف إلى زعزعة الاستقرار وزيادة الضغط على الحكومة. وكما في الماضي، قد يؤدي ذلك إلى وقوع صدامات مع أنصار «تحالف 14 آذار» من السنَّة والمسيحيين. وقد يذهب «حزب الله» أبعد من ذلك ويحاول الاستيلاء عسكرياً على بيروت كما فعل في أيار/مايو 2008 – وهي الخطوة التي جعلت القوى الإقليمية تتدخل وتتوسط لوضع إطار حكم جديد للبنان مما يعكس القوة السياسية المعززة لـ «حزب الله». ومن خلال تكرار هذا السيناريو، يمكن أن يستخدم الحزب مخاوف نشوب حرب أهلية كقوة ونفوذ لها، حيث سيطالب بأن أي اتفاق جديد حول المستقبل السياسي للبنان -“الدوحة الثاني” – يستدعي قيام «تحالف 14 آذار» وحلفاؤه الغربيون بغلق «المحكمة الخاصة للبنان»، أو، ربما على الأرجح، وضعها تحت سيطرة لبنانية أكبر.
تحدي للمجتمع الدولي
قد تشير زيارة أحمدي نجاد — التي تهدف جزئياً إلى تعزيز تحوّل لبنان بصورة أكثر باتجاه سوريا وإيران — إلى بداية مرحلة جديدة أكثر خطورة في حملة التخويف التي يطلقها «حزب الله». فعلى سبيل المثال، كرر نصر الله في نهاية الأسبوع الماضي عزمه على “وقف هذه المحاولة الأمريكية والإسرائيلية لتدمير المقاومة”. ومع وجود خيارات أخرى قليلة، يبدو أن الحريري والسعوديين يضعون ثقتهم في سوريا لكبح «حزب الله» والحفاظ على الهدوء – وهو دور يستطيبه الأسد فيما يواصل لعبته المزدوجة بتشجيع الحزب على المضي قدماً وفي الوقت نفسه يعيد طمأنة الحريري على دعمه إياه.
ورغم أن «حزب الله» وحلفاءه قد وجهوا حملة الضغط ضد الحريري، يبدو أن هدفهم النهائي يتمحور حول تحدي الدعم الشامل لـ «المحكمة الخاصة للبنان» عن طريق إجبار المجتمع الدولي على الاختيار بين العدالة والاستقرار. وينبغي على إدارة أوباما استخدام حوارها الوليد مع دمشق لكي توضح أن الجهود السورية لتقويض «المحكمة» ستكون لها عواقب عكسية. إن الاختيار الحقيقي الذي يواجه واشنطن وحلفائها هو ما إذا كان عليها أن تذعن لتسليم لبنان إلى قوى التخويف المسلح أو أن تقوم بتعزيز أولئك الذين يقاتلون لإعلاء شأن العدالة والديمقراطية وسيادة القانون. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لها نفوذ قليل على أفعال «حزب الله» على أرض الواقع، ينبغي على واشنطن أن تستمر في التأكيد على دعم «المحكمة»، وتوضح بأنها لن تقر أي اتفاق سياسي حول مستقبلها.
آش جين هو عضو سابق في فريق التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأمريكية، وزميل زائر في معهد واشنطن. أندرو جيه. تابلر هو زميل الجيل الثاني في برنامج السياسة العربية في المعهد.
زيارة أحمدي نجاد إلى لبنان ومصير محكمة الحريري
– من الواضح النبرة “الاحتقارية” للعرب في هذا المقال السخيف : “حظيرة العرب” , “أصدر سعد الحريري نفياً علنياً مدهشاً للإدعاءات السابقة بأن سوريا وقفت وراء اغتيال والده.” .. ثم يعود ليقول (“استقالة الحريري”: في محاولة للحفاظ على كرامته ودعم تراث والده) .. هذه ((الزبالة)) لا تسحق اضاعة بضعة دقائق في قراءتها.