الشفاف – مروان طاهر خاص
في سياق سياسة الادارة الاميركية الجديدة تم تعيين السفير روبرت فورد ليشغل منصب السفير الاميركي في دمشق خلفا للسفيرة سكوبي التي استدعتها الادارة السابقة في شباط من العام 2005 على إثر إغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الاسبق الشهيد رفيق الحريري.
من هوالسفير الاميركي الجديد لدى دمشق؟
السفير روبرت احد افضل المستعربين الحاليين في وزارة الخارجية الاميركية. الا ان صلاته وعلاقاته، وبالتالي وجهات نظره، لا تنحصر بدوائرها. فهو موضع ثقة ورأيه مسموع من دوائر عدة لصنع القرار في العاصمة الاميركية.
يعرف عن السفير فورد ممارسة ديبلوماسية الرقابة الصارمة، حيث نشط في النصف الثاني من التسعينات من ضمن مجموعات الضغط الاميركية التي عملت على استصدار مشروع “قانون تحرير العراق” والذي رافقه “قانون محاسبة سوريا”. وكان من كبار المتحمسين لإجراء تعديلات جوهرية في خارطة توزيع القوى في الشرق الاوسط والخليج العربي.
لم يكن روبرت فورد بعيدا عن دعوات اميركية في اشنطن اعتبرت ان على الولايات المتحدة ان تتخلص من الجغرافيا السياسية التي حكمت المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية واستمرت من دون مبرر بعد انتهاء الحرب الباردة، لكن من ضمن نظام المصالح الاميركية المنفردة ومن دون شركاء هذه المرة. وهذا ما حمله للانضمام الى مجموعة انتهجت اسلوب دبلوماسية الضغط والتعامل بصرامة، والتي كان من ابرز رموزها اوالمؤسسين لها وجوه قادة الخارجية الاميركية من امثال ريتشارد ارمتاج وديفيد ستارفلد وريان كروكر الى جانب نغروبونتي، مع حرص السفير فورد على البقاء ضمن قواعد اللعبة الدبلوماسية بعيدا عن المغامرين في وزارة الدفاع ومجلس الامن القومي.
تعامل فورد مباشرة مع احد اعقد ملفات المنطقة حساسية بعد انتقاله الى البحرين سنة 2001 ليصبح الشخص الثاني في السفارة والمسؤول السياسي الاول فيها وليبدأ اول مقارباته في التعقيدات التي تحكم سياسية المنطقة من الاقليات الشيعية العربية الى النفوذ الايراني وتدخلاته في ارساء اجواء عدم الاستقرار في المنطقة. وهذا، اضافة الى كيفية تعامل دول الخليج العربي مع الجماعات الدينية الشيعية، ودور السلفيين في مجتمعات هذه الدول خصوصا بعد هجمات 11 ايلول، وتأثيرهم على توجهات الراي العام واستفادة قيادة هذه الدول من هذا النمط من العلاقات مع المتشددين.
هذه التجربة قرّبت روبرت فورد كثيرا من حساسيات وحسابات المنطقة، فكوّن وجهة نظر كاملة حول التعامل مع مشاكلها، ما رشّحه ليعود سنة 2007 الى السفارة الامريكية في بغداد، بعد ان امضى ثلاث سنوات سفيرا في الجزائر التي انتقل اليها من البحرين سنة 2004.
بغداد شكلت المفصل الذي حول روبرت فورد الى أحد افضل العارفين في المنطقة، خصوصا انه وصلها في اصعب مراحل تحولاتها السياسية وفي فترة اثبتت سياسات الامريكية تجاه ايران في العراق فشلها.
فتابع فورد الملف وركز على الجهات العراقية المعنية بالعلاقة بطهران ولم يكن موقفه منها ايجابيا مما دفعها الى مقاطعته وعدم التعامل معها. الا انه التف عليها واكتشف حجم حساسياتها الداخلية، وركز على الاطرف الاقل علاقة مع طهران فحملها الى واشنطن وحمل معها صيغة جديدة من التعامل استطاعت ان تساعد السفير كروكر في احراج الطرف الايراني كثيرا اثناء جلسات المناقشات السرية التي غالبا ما كانت تجري في منزل مستشار الامن القومي العراقي موفق الربيعي.
اكتشف فورد، مدى عمق الازمة الشيعية العراقية والشعبية والنخبوية في التعامل مع ايران. فكان وراء الكثير من التصريحات التي انتقدت العديد من القيادات العراقية الشيعية على اعتبار ان هذه القيادات لا تمثل رأي منتخبيها في كيفية التصرف مع السياسات الايرانية.
شكل الثلاثي الجنرال بيترويس، كروكر، فورد بالتعاون مع “سترفيلد” مرحلة التفاهمات مع جوار العراق اضافة الى سياسة العصى والجزرة. فوقف مع الجنرال بيترويس بطلبه من الدول العربية المجاورة للعراق تطوير علاقاتها مع بغداد وعدم تركه ساحة للايرانيين. ثم توصل مع كروكر من خلال جلسات التفاوض السري مع الايرانيين الى عرقلة الكثير من حركتهم واغراقهم في التفاصيل القاتلة التي أخرست الايرانيين وحدت الكثير من امتيازاتهم في بغداد.
كان موضوع التسلل عبر الحدود السورية مصدر قلق للثلاثي المقيم في بغداد. فتابع فورد ملف التدخل السوري في العراق ليضع اليد على اهم تناقضات ايران وسوريا من خلال متابعته للدور السوري الخاص في التدخل في الشأن العراقي والمتمثل في علاقة دمشق بالبعثيين والسنّة المعارضين للعراق الجديد. وهذا ما يتعارض اصلا مع واشنطن التي لم تعد راغبة ابدا في عودة اي دور للسنة في العراق، وهذا ما لم يقبله.
دمشق ليست محسودة من عودة كروكر وسترفلد وايرمتاج اضافة الى بيتريوس بشخص واحد يعرف كل ما يدور في اروقة بغداد عن حجم التدخلات السورية في العراق ومدى التاقض بين طهران ودمشق في هذا الموضوع. إضافة الى أنه سيكون الرقيب على اشارة حسن النية التي ترسلها دمشق الى واشنطن. وسيكون في مقدمة اولوياته العراق واستقراره. وهوالذي نجح مع مجموعة دبلوماسية باقناع السعودية أن تطلب من السوريين الضغط على حلفائهم من اجل تشكيل الحكومة اللبنانية وافشال الرغبات الايرانية بربط مصير الحكومة اللبنانية بمجموعة شروط عراقية تستفيد منها طهران.
سوريا ستكون امام رقيب متخصص في الكثير من اوراق قوتها في العراق ولبنان، وفي مواضيع الامن والشيعة. ما يعني انه سيكون سفيرا مطلعا على العراق ولبنان وسيقود مواجهات وتحديات تزعج دمشق كثيرا وخصوصا حلفاءها من الأحزاب “الشيعية” في لبنان وكيفية تعاطيها المستقبلي مع ايران والعراق.