مراسل “الشفّاف” في لاهور “أمير مير”:
تشير موجة الهجمات الإنتحارية التي تجتاح باكستان المتواصلة، وآخرها الهجوم الإرهابي الذي طاول فندق “ماريوت” في إسلام آباد أمس السبت، إلى نهوض شبكات “القاعدة” و”طالبان” التي كانت، في الفترة التي أعقبت بدء الحرب على الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة، قد اضطرّت للفرار من القواعد التي كانت تملكها في أفغانستان وباكستان للجوء إلى مناطق الحدود الباكستانية- الأفغانية.
وقد سقط ما لا يقل عن 60 قتيلاً وأصيب 150 شخصاً بجروح في العاصمة الفيدرالية، إسلام آباد، حينما قاد إرهابي إنتحاري شاحنته المليئة بالمتفجرات ليقتحم البوابة الرئيسية لفندق “ماريوت” الفخم يوم أمس السبت في 20 سبتمبر. ويُعتبر فندق “ماريوت” المكان المفضّل من الأجانب للإقامة وللقاءات، وسبق أن استهدفه إنتحاري في عام 2007، الأمر الذي أسفر، في حينه، عن سقوط 7 قتلى. وقد أسفرت عملية أمس عن تدمير واجهة الفندق بأكملها، ونشبت حرائق في ثلثي الفندق، وتناثرت حطام الإنفجار في كل المنطقة المحيطة التي تتمتّع عادة بحراسة أمنية قوية.
وتقول مصادر إٍستخبارية باكستانية أنه كانت لديها معلومات مفادها أن إنتحاريّين قد وصلا إلى إسلام آباد من أجل استهداف مبنى البرلمان أثناء إلقاء الرئيس المنتخب آصف زرداري خطابه الأول في إجتماع مشترك لمجلسي النوّاب والشيوخ انعقد بعد الظهر، وحضرته كل القيادات المدنية والعسكرية في البلاد. ولكن تنفيذ المخطّط الإرهابي كان متعذّراً بفضل الإجراءات الأمنية غير المسبوقة التي اتخذتها أجهزة الأمن وشملت إقفال مداخل العاصمة الفيدرالية منذ ساعات الصباح.
وتضيف المصادر الإستخبارية أن حاجزين أمنيّين أقيما صباح السبت في “جادة الدستور” بعد ورود المعلومات الإستخبارية حول الشخصين الإنتحاريين، أنقذا أعلى قيادات مدنية وعسكرية في باكستان كانت جميعها تتواحد في مبنى البرلمان للإستماع إلى خطاب الرئيس زرداري.
إن الإنتحاريين الذين يضربون في كل أنحاء باكستان، من مناطق القبائل الوعرة الخارجة على القانون.في الغرب إلى ضواحي إسلام آباد الأنيقة، قد جعلوا من باكستان كلها مختبرهم الإرهابي، مدمّرين حياة البشر، ومتسبّبين بدمار عائلاتهم، وأضافوا بُعداً إجرامياً لحياتهم المملة. إن هدف هذه القنابل البشرية المتجهّمة هو كل الناس تقريباً، واينما كان. لقد تعرّض الوضع الأمني في باكستان لحالة إضطراب شامل خلال السنتين الماضيتين، ثم تطوّر من السيّء إلى الأسوأ بعد حادثة “لال مسجد”. ومنذ ذلك الحين، يبدو أن القوى المتطرّفة لم تكتسب مزيداً من القوة في المناطق القَبَلية فحسب، بل وأحرزت موطئ قدم في مدن البلاد. وأفضل دليل على ذلك هو أن إسلام آباد نفسها ليست بمنأى عن عمليات القنابل البشرية القاتلة.
وتفيد تحقيقات أجهزة الإستخبارات الباكستانية أن عدداً من الجماعات المتطرّفة يشارك في موجة الهجمات الإنتحارية الحالية.
تتألّف أولى هذه الجماعات من الأفراد الذين كانوا على صلة مع رجال الدين المتعصّبين في “لال مسجد” (المسجد الأحمر) في قلب إسلام آباد ومن الذين كانوا يتعاطفون معهم بحكم توجّههم الإيديولوجي. وتفيد التحقيقات أن بعضاً من الإنتحاريين كانوا بين طلاب الشقيقين غازي، وأن بعضهم الآخر من أقارب الذين قتلوا في “عملية الصمت” التي شنّتها قوات الأمن. وسبق أن توصّلت أجهزة الأمن التي تتولّى التحقيق في العمليات الإنتحارية التي وقعت منذ حادثة “لال مسج” أن الذين قاموا بمعظم الهجمات الإرهابية كانوا شبّاناً في العشرينات من العمر جاءوا من منطقة “وزيرستان” القَبَلية (الخاضعة للإدارة الفيدرالية). وفور انتهاء “عملية الصمت” (Operation Silence) في آخر يوليو 2007، رفعت أجهزة الأمن إلى الحكومة تحذيرات مفادها أن مدينتي “روالبندي” و”إسلام آباد” التوأمين ستتعرّضان لهجمات إنتحارية بدليل أن أكثر من 100 إنتحاري محتمل كانوا يدرسون في “لال مسجد” الذي كانت تديره “جمعية حفصة” و”جمعية فريدية” لم يعودوا إلى منازلهم بعد انتهاء العملية. وحذّرت الأجهزة بأن الإنتحاريين المحتملين كانوا يختبئون في عدد من “المدارس” الدينية وفي مساجد في المدينتين التوأمين أو بجوارهما، وأنهم مصمّمون على تفجير أنفسهم في أي وقت وفي أي مكان من أجل الإنتقام لمقتل أقاربهم وأصدقائهم. وبالفعل، ثبتت صحة هذه التحذيرات بعد سلسلة من الهجمات الإنتحارية الدامية التي ضربت “روالبندي” و”إسلام آباد” واستهدف معظمها العسكريين بصورة خاصة.
وقد أسفرت عملية قام بها إنتحاري عمره 18 سنة عن مقتل 22 من كوماندوس “مجموعة القوات الخاصة” (Special Forces Group – SSG) في الجيش الباكستاني، حينما فجّر نفسه في قاعة الطعام الخاصة بهم في “تاربيلا غازي” )(Tarbela Ghazi على بعد 100 كلم جنوب إسلام آباد في 13 سبتمبر 2007. وأظهرت التحقيقات أنه شقيق فتاة كانت قتلت أثناء “عملية الصمت” التي كانت قامت بها “كتيبة قرار” التابعة للواء “مجموعة القوات الخاصة”. جدير بالذكر أن “مجموعة القوات الخاصة” هي نفس وحدة النُخبة التي كانت ينتمي إليها الجنرال مشرّف نفسه، وكانت قد تدرّبت خصيصاً مع القوات الخاصة في الجيش الأميركي للقيام بعمليات سرّية وعمليات مكافحة إرهاب ومكافحة تمرّد في أنحاء باكستان، وخصوصاً في منطقة “الحزام القَبَلي”. وقبل شهرين من سقوط 22 قتيلاً في صفوفها في “تاربيلا غازي”، كانت وحدة النخبة هذه قد خسرت 10 أفراد كوماندوس، بينهم ضابط برتبة “عقيد”، سقطوا في معركة استمرت طوال نهاية الأٍسبوع مع رجال الدين والطلاب المتعصّبين في مدرسة “جمعية حفصة” في “لال مسجد”.
تتألّف المجموعة الثانية من الأشخاص المتوّرطين في هجمات إنتحارية من العناصر المرتبطين بشبكات “القاعدة” و”طالبان” في منطقة “وزيرستان” الواقعة في الحزام القَبَلي على حدود باكستان- أفغانستان. وتفيد تقارير الإستخبارات الباكستانية أن المتمرّدين الإسلاميين المتحالفين مع “الطالبان الأفغان” ومع “القاعدة” قد سيطروا عملياً على كامل منطقة شمال وزيرستان القَبَلية الواقعة على الحدود مع أفغانستان، الأمر الذي وفّر لهم قاعدة رئيسية تسمح لهم بالقيام بعمليات مقاومة ضد الإئتلاف العسكري الذي تقوده الولايت المتحدة في أفغانستان، وضد قوات الأمن الباكستانية نفسها، وخصوصاً بواسطة “الإنتحاريين” المعبّأين إيديولوجياً. وتفيد التقارير أن أجهزة الأمن مستهدفة بصورة خاصة من جانب إنتحاريين يتولّى تدريبهم وتحريكهم “بيت الله محسود”، وهو “أمير” حركة “تحريك طالبان باكستان”. إن “بيت الله محسود” هو زعيم قبيلة “محسود”، وهو يحكم معظم سكان جنوب وزيرستان، وقد ورد إسمه كمتّهم رئيسي في عملية إغتيال رئيسة الحكومة السابقة السيدة بنازير بوتو.
وتفيد تقارير إستخبارية باكستانية أن “أبو علي التونسي“، وهو أحد قادة “القاعدة”، نجح في توحيد المتمرّدين من أربع مجموعات باكستانية تحت راية “القاعدة”. وهذه الجماعات هي: “حركة الجهاد الإسلامي”، و”حركة المجاهدين”، و”جيش محمد”، و”لشكر جانغفي”. والهدف الرئيسي لهذه المجموعات هو القيام بنشاطات إرهابية تستهدف أفراد القوات المسلّحة وكل الشخصيات التي تُعتَبَر مؤيدة للولايات المتحدة.
تضيف أوساط الإستخبارات أنه، علاوةً على شبكة “أبو علي التونسي” المتواجدة في وزيرستان، هنالك مجموعة أخرى يقودها عربي يدعى “أبو عادل” تطلق على نفسها تسمية “الجهاد“، وكانت قد تورّطت في هجوم إنتحاري وقع في نوفمبر 2006 وأسفر عن مقتل 42 جندياً في “دارغاي” (Dargai)، في منطقة الحدود الشمالية الغربية. كما تُلقى على مجموعة “الجهاد” مسؤولية ضربات إنتحارية أخرى وقعت في إٍسلام آباد، و”ديرا إسماعيل خان”، و”تانك” و”مير علي”- جميعها وقعت في العام 2007.
إن النوع الأخير من الجماعات المتورّطة في العمليات الإرهابية هي جماعات طائفية، وخصوصاً جماعة “لشكر جانغفي” السنّية. تأسّست “لشكر جانغفي” في العام 1996 كجماعة منشقّة عن “سيباه صحابة باكستان”، وهي جماعة سنّية “ديوباندية” تفرّعت عن “جمعية علماء الإٍسلام”، التي تُعرَف عنها سرّيتها، واستخدامها أساليب القتل، وإصرارها بلا هوادة على استهداف المصالح الغربية في باكستان، والشيعة، ولاحقاً تحويل البلاد إلى دولة إٍسلامية تحتذي النموذج الطالباني. وتُعتبر “لشكر جانغفي” هي “الجدّة” المشتركة لجميع العمليات الإرهابية الكبرى التي وقعت في باكستان منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة.
وتفيد مصادر الإستخبارات الباكستانية أن كل واحدة من هذه الجماعات، التي تم تحديدها وتصنيفها ضمن 3 فئات من الجماعات الإرهابية، تتّبع تقنيات خاصة بها لتحقيق أهدافها وأنها تستخدم آليات مختلفة لمهاجمة أهدافها.
الفئة الأولى التي تضم الأفراد الأكثر أهلية من حيث قوة حوافزهم تستهدف ضرب المنشآت العسكرية بمساعدة “الإنتحاريين”. وهي تشتمل على إرهابيين مدرّبين تدريباً جيداً، يملكون أهليات خاصة وحوافز قوية. أما الفئة الثانية، فإنها تهاجم بالقنابل أفراد أجهزة الأمن والشخصيات الحكومية. وتتولّى الفئة الثالثة قتل “العدو” بواسطة السيارات المفخّخة أو بواسطة التفجيرات التي يتم إطلاقها بأجهزة تحكّم عن بُعد.
إن الرسالة التي أوصلها الإنتحاريون من خلال عملية فندق “ماريوت” واضحة ولا إلتباس فيها: “نحن قادرون على توجيه الضربات لكم في أي مكان”.
amir.mir1969@gmail.com
* لاهور
رسالة الإرهابيين للسلطة الجديدة: “قادرون على ضربكم في أي مكان”!
على الدولة محاكمة كل من يفتي بالقتل مهما تكن مرتبته لان هذه الافتاءات تدخل الدولة في متاهات وفي حروب مع الاخرين وتساعد على وجود الارهاب والمليشيات الطائفية والعرقية والقبلية. ولو تابعنا ونظرنا الى من يفتي بالقتل لنجده من الذين لا يحترم الراي الاخر او يكفره ولا يعلم مكانته في العالم السريع في التغير ولا يفهم و لا يدرس ولا يطبق لا اكراه في الدين ومع الاسف كثرت الافتاءات بالقتل هذه الايام وهذا دليل على الثقافة والتربية العنيفة التي تضر بالمسلمين والاسلام والانسانية.