حين كان زعيم المختارة وليد جنبلاط ظهر ذاك الخميس (20 كانون الثاني2011) يُبلّغ سعد الحريري قراره دعم مرشح سوريا و<حزب الله> الى رئاسة الحكومة (اللبنانية)، كانت جدتي تمضي يومها الأخير في دنيا الحق والباطل·
وما أن أنهى سعد الحريري كلمته الى اللبنانيين مساءً حتى كانت هي تفارق الحياة عن 86 عاما أمضتها بحلوها ومرّها· كان وقْـعُ ذاك اليوم ثقيلاً جدا· فعبء الخسارة هو دائما هكذا· عبء ثقيل سواء على المستوى الشخصي أو العام· حزني أنا وألمي، في ما هو خاص، مرده إلى التيّقن التام بخسارة الإنسانة الأحب إلى قلبي والإحساس بفقدان الحضن الدافئ الذي تربيت فيه في ضيعتي (ديرقوبل التي تُقلق البيك هذه الأيام)· اما حزنُ الآخرين وألمهم، في ما هو عام، فمرده إلى خسارة مزدوجة بين من نَكَسَ بوعده ومن خرج مُنكّساً·
أكثر ما أكرهه في المآتم تحوّلها الى مناسبات لتلاقي الأصدقاء الغارقين في زحمة الحياة· تأخذهم الأحاديث فتغيب حرمة الموت· هذه المرة كانت مختلفة··· رهبة الموت كانت تلامس كل شيء هناك· صحيح ان جدتي محبوبة، لكن الصمت الذي كان يخيّم على الوجوه كان أبعد وأعمق من حبهم لها· ثمة شيء كان يطبق على الصدور· فبدت المناسبة وكأنها فسحة تأمّل لما يجول في المكنونات المحرورة·
التعازي كانت أشبه <بالديوانية>· الكل يتحدث بالسياسة· هو أمر طبيعي في مجلس الرجال، لكنه كان هذه المرة حال النسوة ايضا، اللواتي أتين من قرى الشوف وعاليه والمتن وبيروت بفعل توزّع الانسباء والاقرباء· كان وليد جنبلاط هو محور الحديث· فالكل من أهل البيت (الطائفة)· والكل يريد أن يحكي عمّا وصلت اليه حال الجماعة· غريب كيف أن صورة تلك السيدة من آل أبو إسماعيل لا تغيب عن بالي· كانت تتحدث من حرقة قلبها: <نحنا كل عمرنا مع المختارة· بس هلقد كتير· نحن مش عارفينو هيك· حط راسنا بالأرض!!!>·
وللحق، فان أمي التي لا تعير السياسة كبير اهتمام وتعتبرها <قلة عقل>، سعت من حين الى آخر الى ان تكون الصوت الغائب، فكانت كلما ترتفع وتيرة الكلام تسأل محدثيها عما كان يجب أن يفعله وليد جنبلاط؟·
كانت احدى النسوة تسرّ الى سيدة بجانبها عن الجهد الذي يقوم به شباب الحزب (الاشتراكي) في لقاءاتهم في القرى بغية استيعاب الوضع وإيضاح تحوّلات جنبلاط وهاجسه في حماية الجبل· فترد بغصة: <يمكن بدو يحمي الجبل، بس شو بقي من كرامتنا، وليش نحن شو عنا غيرها!> فتعلق سيدة أخرى: <هو خايف يجوا يقّتلونا· بس دخليكِ هيك رح فينا نعيش؟>·
كن يتحدثن في لحظات صدق مع الذات من دون <رتوش>، لحظات تعبّر عن غضب ممزوج بوجع ممن يكنون له الولاء· حين حدّثهم عن اننا نريد أن نكون على الحياد، لم يكونوا مقتنعين لكنهم أرادوا ان يتعايشوا مع الواقع الجديد ولو على مضض، فإذا به يأخذهم الى المقلب الآخر كلياً· انه تحوّل كبير غير قادرين على هضمه·
ذلك المشهد من الصراحة والشفافية المسكونة بالحسرة والغصة يتكرر ثانية· والمكان هذه المرة هو الأمانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار·
هناك كانوا شباناً وشابات من مختلف مناطق الجبل، غصت بهم القاعة الرئيسة· عادة كنت أرى هذه القاعة فسيحة· لا أدري لما كانت بالأمس ضيّقة لم تتسع لهم· كانوا راقين في نقاشاتهم· واعون لمنطلقات مشاركتهم· كل منهم أخذ دوره في الكلام· أحدهم من الشحار الغربي بدأ حديثه بالقول < نحن مع وليد جنبلاط··· ولكن بدنا ننزل على ساحة الحرية>·
آخر قال: <أنا أنتمي الى الحزب التقدمي الاشتراكي بس نحن كمان شعب 14 آذار>·
شاب كان يشدّد على وجوب الا يكون هناك اي ردّات استفزازية من الجمهور احتراماً لمشاعر ابناء الجبل· <فهم مع 14 آذار حتى لو ما نزلو على الساحة>· تردّ شابة : <بس مين في يضبط ردّات فعل 500 الف واحد>· يأخذ الكلام أحد النشطاء ليقول: <نحن في اجتماع بعقلين اتفقنا على انه لا نريد ان يكون هناك كلام قد يستدرج ردوداً استفزازية· وهيدا شيء بيساعد>·
كانوا كخلية النحل، يضعون الخطط اللوجستية ونقاط التجمع والانطلاق وآليات النقل وضباط الارتباط· هذا سيتولى مسؤولية مكبرات الصوت وذاك مسؤولية طباعة القمصان· يتفقون على وجوب اضافة كلمة < شباب الجبل> على الـ<تي شيرت> التي تحمل ألوان العلم اللبناني وشعار 14 آذار· يقررون طباعة صور لكمال جنبلاط· وتفكّر كل منطقة في ما يمكن ان تطرحه من أفكار جديدة· بدا وكأنهم يتنافسون في ما بينهم لتقديم الأفضل· هذا يعد بمفاجأة جميلة· وتلك تتحدث عن فرق فنية·
كانوا يناقشون الشعارات··· <هيدي منيحة··· هيدي لأ>· درسوها جيداً· نقحوها· شعار <لن ينالوا من عشقنا للحياة والحرية> لاقى استحسانا بين الحاضرين· و<السلاح لم يجد نفعاً مع أهل الجبل> رسالة يريدونها أن تصل· و<ثورة الأعماق تبقى> ليكون كمال جنبلاط حاضراً بالفكر· و<الشوف رافع رايتو ··· والشعب كلو معارضة> استحوذت على نقاش مستفيض·
بعضهم أراد ان يكون علم <الخمس حدود> موجودا، ولكن لا اعلام إلا العلم اللبناني، فراحوا يفكّرون في شعار يعكس الوان علم الموحدين الدروز·
كانوا من مشارب متعددة يجمعهم حلم واحد· كانوا عفويين، صادقين، نقيين· يتحدثون بفرح ممزوج بالدمع عن حلم 14 آذار· حلم لا يريدونه ان ينكسر· ولهذا سينزلون···
التجمع المركزي في بيروت أرادوه عند مقر الطائفة الدرزية في فردان، فالمكان له رمزيته· من هناك سينطلقون الى ساحة الحرية مجموعات متراصة، في لوحة تعبّر عن تنوّع النسيج الاجتماعي للجبل·
هؤلاء ليسوا من مناوئي زعامة المختارة، وليسوا ممن سعوا في زمن <ثورة الأرز> الى اختراق الجبل بالمال والسلاح ولا هم ممن سعوا الى تحريك وتأليب الناس ولا هم ممن هدّدوا بقدرتهم على الوصول إلى زعيم المختارة في قلب غرفة نومه·
الفارق كبير بين مفهومي <تحرك الأرض> و<تحريك الأرض>· فالتحرّك نابع من الداخل فيما التحريك يأتي من الخارج· وتحرّك الداخل هو أشد إيلاماً ويستدعي وقفة مع الذات للوصول الى السكينة· السكينة هي نقيض الكبت والقهر والذل· لا بد من وقفة تعيد بعضاً من الكرامة والعنفوان· وهذا ليس بالضرورة نقيض التعقل والبراغماتية والواقعية السياسية·
غداً سيحمل شباب الجبل يافطة معبّرة <منحبّك يا وليد وعن 14 ما منحيد>·
فهل تُحبهم كما يُحبونك؟·
rmowaffak@gmail.com
رسالة إلى وليد جنبلاط: هل تُحبّهم كما يحبونك؟
مصير الطير يرجع لعشه واصالته ولكن اخاف ان يكون قد هرم ولا يعود بقدرته القفز عليه هيدا رايي وان الخوف لا يصنع رجال مع ان الجبل منبع الرجال ولا اعتقد انه يحبهم كما احبوه ولكنه يحب الزعامة
رسالة إلى وليد جنبلاط: هل تُحبّهم كما يحبونك؟
لماذا الانتقائية بالنشر؟
وما الداعي لعدم نشر تعليقي؟
رسالة إلى وليد جنبلاط: هل تُحبّهم كما يحبونك؟ أعتذر منك سيدتي،فتقبلي إعتذاري.عزائي بجدتك..أنا قادم من زمن أعادت حركة “ابو تيمور”إستعادة ماض عشته زمن المرابطون.وتسألت في نفسي:لِما قدّم له رواية غادة سمرقند؟!( في طاولة الحوار الخديعة التي انزلقت فيها 14 اذاروبمجلس النواب حمل وليد كمال جنبلاط معه رواية غادة سمرقند للمعلوف،وهي رواية موجهة أصلا للجمهور الغربي في الثمانينات يحذرهم المؤلف من تأييد ثورة الخميني، وقد أكفهر وجه صاحب “أسودت الوجوه” نصر الله عندما لمح الرواية).لقد كان حملها إعلان جنبلاط القطيعة مع الاسماعيلية، فكانت ضربة تحت الزنار لنصر الله لا نستطيع نحن “النواصب” أن نقدمها.وقلت في نفسي إنّ حقدهم عليه أكبر من… قراءة المزيد ..
رسالة إلى وليد جنبلاط: هل تُحبّهم كما يحبونك؟ Walid Junblat was the Spearhead of 14 March Force’s Revolt, He had , the reasons to move on the Lebanese Political Board, but he is with no doubt, with Freedom, Democracy and stronger Lebanon, and against the Dictator’s Regimes. His Supporters will not change, whatsoever, and they support 14 March Forces, and there is no change as well. Why the Prime Minister of Lebanon Rafik Al Hariri and his colleagues were assassinated, we will have the reply from the International Investigations Court,STL, why they were killed, and who did it. But that… قراءة المزيد ..