الكاتب العربي الكبير عبد الرحمن الراشد هو الوحيد الذي أضغط على اسمه في موقع صحيفة الشرق الأوسط على الانترنت لقراءة مقالاته فور ظهورها، مهما كانت عناوينها أو موضوعاتها لأنها دوما مهمة وثاقبة. وأكثر ما يعجبني في تحليلات الأستاذ الكبير المتعلقة باليمن على وجه التحديد فهمه العميق لسلطة صنعاء، وعدم تورطه في تأييدها عشوائيا كما يفعل بعض الكتاب السعوديين الذين رأوا أن المصلحة الآنية تقتضي التأييد بسبب ظهور خصم مشترك لصنعاء والرياض هو الحراك الحوثي في شمال اليمن.
آخر مقالات الأستاذ الراشد المتعلقة بالشأن اليمني جاء تحت عنوان “سذاجة حوثية أم مكر صنعائي؟” نشرته الشرق الأوسط في العدد 11360 الصادر يوم الاثنيـن 18 محـرم 1431 هـ 4 يناير 2010. هذا المقال إلى جانب مقال سابق تحت عنوان “اليمن وخطر الوصاية الدولية” أستطيع أن اعتبرهما من أهم وأخطر المقالات حول اليمن في الآونة الأخيرة. ولولا أن كاتبهما هو عبد الرحمن الراشد لما تجرأت أي صحيفة سعودية على نشرهما لما فيهما من تشخيص صادق لواقع حليف ماكر تؤلمه الرسائل الصريحة، وتستفزه النصائح الصادقة.
يتساءل الأستاذ الراشد في مقاله الأخير: لماذا ورط المتمردون (الحوثيون) أنفسهم في حربين في وقت واحد؟ ويحاول الإجابة على هذا السؤال بقوله “ربما لا يكون الأمر سذاجة حوثية بقدر ما هو دهاء من الحكومة اليمنية، خاصة أن على رأسها قائدا تمرس لعبة التوازنات الصعبة في بلد قبلي دائم الصراعات”. ويفهم القارئ من هذا القول أن الأستاذ الراشد يلمح بأسلوب دبلوماسي إلى احتمال أن يكون الرئيس اليمني علي عبدالله صالح هو الذي ورط الحوثيين في حرب مع السعودية، وهذا التفسير يقترب من الحقيقة كثيرا لأنه يتفق مع الرواية الحوثية للأحداث التي تقول: إن نظام صنعاء طلب من السعودية أن تسمح بدخول قوات يمنية حكومية إلى جبل الدخان من أجل الالتفاف على الحوثيين من الحدود السعودية وأنهم أي الحوثيين احتجوا لدى السعودية دون فائدة، فاضطروا لطرد الجيش اليمني من جبل الدخان الاستراتيجي كونه يطل على مناطقهم ويشكل خطورة عسكرية عليهم. وتوالت الأحداث بعد ذلك بالطريقة التي أرادها الرئيس الماكر تماما حيث دخلت السعودية رسميا في الحرب ضد الحوثيين لحماية حدودها، في حين تنفست صنعاء الصعداء وبدأت تتفرج ضاحكة، وقال الرئيس اليمني حينها “إن كل ما سبق من حروب مع الحوثيين كانت مجرد بروفات وأن الحرب الحقيقية قد بدأت الآن”.
وأنا أميل لتصديق رواية الحوثيين لثلاثة أسباب: الأول أنها لا تتناقض جذريا مع الرواية السعودية للأحداث التي تقول إن السعودية أرسلت قواتها إلى الجنوب لحماية حدودها. والثاني أن الحوثيين صنعوا مصداقية كبيرة في بياناتهم طوال الحروب الستة بالمقارنة مع أكاذيب السلطة اليمنية التي قتلت عبدالملك الحوثي سبع مرات وقتلت الناطق باسمه أربع مرات وسحقت التمرد عشرين مرة، ودكت أوكاره مئات المرات، وأتضح في النهاية أن صنعاء غارقة في حرف سفيان ولم تتحرك للأمام قيد أنملة. أما السبب الثالث والأهم فهو معرفتي بالمكر الصنعائي الذي ألمح إليه الأستاذ الراشد في مقاله، والذي نسميه في اليمن “مكر السنحاني”، لكني سأكون أكثر قسوة وأقول إن الرئيس اليمني بالقدر الذي أراد توريط الحوثيين فإنه رغب أيضا بتوريط السعوديين خصوصا بعدما واجه من اتهامات وشبهات حامت حوله مفادها أنه لا يريد من جيشه حسم المعركة ضمانا لاستمرار التمويل السعودي للحرب الذي يقال أنه يفيض عن الحاجة الحقيقية. ويزعم الرئيس اليمني لجلسائه أنه عانى كثيرا من رجال السعودية في اليمن قائلا إنهم يتبرعون بإبلاغ المملكة أن الرئيس لا يريد أن يحسم الحرب في حين أنه عاجز فعلا عن حسمها.. وكأن الرجل يريد أن يقول: دعوا السعوديين يجربوا بأنفسهم حتى يتوقفوا عن اتهامي بالتقصير. وقد لا يصدق السعوديون أن الشروط الستة التي أعلنها الرئيس الماكر لإنهاء الحرب مع الحوثيين لا تتضمن نزع سلاحهم بل تسليم ما نهبوه من أسلحة الجيش اليمني فقط، ومعنى هذا أنه يريدهم دوما مسلحين لاستغلالهم ضد السعودية عند الحاجة لأنه يستخدم كل القوى كروتا ضد بعضها حسبما اعترف في زلة لسان أثناء مقابلة صحفية منشورة. ولهذا فإن مقترح نزع السلاح عن طريق صنعاء أمر مستبعد تماما تنفيذه، مع تفهمي للمخاوف التي تضمنها مقال الأستاذ الراشد. ولكن الحوثيين وأنا لا أتحدث باسمهم لكني أدرك أنهم ليسوا سذجا لدرجة أن يقبلوا تسليم سلاحهم لدكتاتور صنعاء الملطخة يداه بدمائهم ودماء أطفالهم ونسائهم.
ورغم إعجابي الشديد بما يكتبه الأستاذ الراشد دوما في الشأن اليمني وفي غيره فإن هذا لا يعني أني أوافقه في كل تفاصيل ما طرح في المقال الأخير، إذ أنني أرى من جانبي أن السعودية أيضا وقعت في ورطة، بل إن ورطة السعودية مضاعفة لأنها تتعامل مع عصابتين متجاورتين، عصابة متمردة في صعدة، وعصابة حاكمة في صنعاء. ومشكلة السعوديين في اليمن هي مشكلة العالم كله. إذ أنهم يظنون أن المسمى علي عبدالله صالح يرأس دولة اسمها اليمن، والواقع أنه لا يرأس سوى عصابة فاسدة تدير الحكم في صنعاء وتهرب السلاح والمخدرات والخمور في بقية مناطق اليمن، بل وتساهم هذه العصابة في إغراق الأراضي السعودية بكافة المحرمات. وإذا لم يدرك السعوديون أنهم يتعاملون مع رئيس عصابة، فإن أعماله المدمرة قد تمتد إلى أراضيهم إن لم يجد ما يدمره في بلاده.
أما قول الأستاذ الراشد بأن كل من السعودية والولايات المتحدة قد هبّتا لنجدة الرئيس صالح وأن العالم لن يسمح بسقوط نظامه، فأظن أن واشنطن والرياض سوف تكتشفان قريبا جدا أن بقاء الرجل في الحكم هو لب المشكلة وليس الحل خصوصا بعد أن أصحبت أعماله تحت المجهر الدولي، وبعد أن تلطخت يداه بدماء آلاف اليمنيين في الشمال والجنوب ولم يعد أحد في الداخل يريد استمراره سوى القليل القليل من أفراد عصابته. وبعد ذلك إذا أرادت واشنطن والرياض الوقوف ضد إرادة الشعب اليمني فإن المستفيد الوحيد هو تنظيم “القاعدة” الإرهابي الذي قد يحول اليمن أو جزءا من اليمن إلى إمارة إرهابية. أما الرئيس صالح فهو راحل لا محالة والوقوف مع سياساته المدمرة خطأ استراتيجي فادح يضر السعودية أكثر مما يفيدها. لكن الشئ الإيجابي الوحيد الذي فعله الرئيس اليمني في تاريخه السياسي أنه ربط كل شيء في البلاد بشخصه، وأبقى على المؤسسات الدستورية رغم عدم حاجته إليها. ولهذا فإن إزاحته من الحكم لا تعني سقوط النظام أو انهيار البلاد بل إن رحيله سيؤدي إلى إعادة الحياة للنظام والقانون والاستقرار حيث توجد في اليمن مؤسسات دستورية شكلية يمكن تفعيلها وتفعيل القائمين عليها. ويمكن أن يتولى المسؤولية لفترة انتقالية، نائب الرئيس الحالي وهو من الجنوب ويشغل منصب أمين عام الحزب الحاكم ولذا فهو قادر على تسيير شؤون النظام ولحفاظ على وحدة البلاد ومعروف عنه شعوره بالمسؤولية وبعده عن الفوضوية في الإدارة كما أنه يستطيع الحفاظ على المؤسسات القائمة في حال تدخل العالم لإجبار رئيس العصابة وأعوانه من أفراد أسرته على الرحيل كونهم يتحكمون بمؤسسات الدولة من راء الستار ويحرمون المؤسسات الدستورية من القيام بمهامها والقيادات الوطنية من ممارسة صلاحياتها.
وعلى السعوديين أن يدركوا أن الرئيس اليمني يلعب بكروته الأخيرة حاليا، ويحاول شراء الوقت للبقاء فترة أطول في الحكم لكنه يعلم جيدا أن نهايته أصبحت قريبة كون الرفض الشعبي لسياساته لم يعد يطاق، والقوى الداخلية جميعها مجمعة على رحيله. ولهذا فإنه يعمل على إلحاق الأذى بالجميع قبل أن يرحل، ويحاول توريط قادة عسكريين سعوديين بارتكاب جرائم حرب عبر الطيران مشابهة للجرائم التي ارتكبها في حق المدنيين في “صعدة” و”حرف سفيان” ظنا منه أن السعودية بما لها من تأثير دولي قادرة على الدفاع عنه في المحافل الدولية فيما لو قررت الدول العظمى معاملته كبشير السودان. ونصيحتي للأشقاء في السعودية أن يحاولوا الخروج من هذه الورطة التي أدخلهم فيها رئيس اليمن بأقل الخسائر وأن يحموا حدودهم من إرهابيي القاعدة ومهربي البشر والمخدرات والسلاح عن طريق التعامل مع عدو ساذج بدلا من التعامل مع صديق ماكر، وللحديث بقية .
almaweri@hotmail.com
* كاتب ومحلل سياسي يمني أميركي – واشنطن
ردا على الأستاذ عبد الرحمن الراشد: السعودية واليمن، عدو ساذج خير من صديق ماكرتصريحات وزير الداخلية اليمنية النيجيري المتهم بمحاولة تفجير طائرة التقى داعية متشددا باليمن. صنعاء (رويترز) – قال مسؤول كبير بالحكومة اليمنية ان النيجيري المتهم بمحاولة تفجير طائرة كانت متجهة للولايات المتحدة التقى بداعية أمريكي متشدد خلال وجوده في اليمن. وقال رشاد العليمي نائب رئيس الوزراء اليمني لشؤون الدفاع و الامن في مؤتمر صحفي ان التحريات كشفت أن الشاب النيجيري توجه الى محافظة شبوة والتقى بالداعية أنور العولقي. وتم الربط بين اسم العولقي ومسلح أطلق الرصاص في قاعدة عسكرية أمريكية في تكساس. ويعتقد أن العولقي لقي حتفه في… قراءة المزيد ..
ردا على الأستاذ عبد الرحمن الراشد: السعودية واليمن، عدو ساذج خير من صديق ماكر الفوضى في الجاهلية الجديدة . مصطلح الجاهلية في كل اللغات العالمية باختصار شديد يكمن في مفهومه التالي: قبائل كثيرة تعيش منفصلة ,معادية بعضها للبعض , وكل قبيلة لها ألاه وعبادة الخاصة رغم الوحدة الجغرافية- صحراء- المفتوحة يملكوا فن الثرثرة بطريقة الحفظ فقط لا شيء اخر اطلاقا من المنجزات . قبل كل شيء إنا شخصيا لا أؤمن لا بالوحدة العربية و الدينية , والسبب بسيط التالي : تجري الوحدة بين إطراف متكافئة كيفا وكما , وإما الوحدات الغير متكافئة نوعا وعددا يسمى (ingestion-assimilation) ابتلاع وفي أحسن صورة… قراءة المزيد ..