ليس ثمة تقاسيم حياة في المكان. عيون متحجرة تحدق في الفراغ. وجوه اضاعت ملامحها فلم تعد ترى من جدوى للبكاء. كأن خناجر حادة غُرست في الحناجر، وغصّة نبتت بألم اشد من أن يدفع احد منهم للصراخ. كيف ستغفر تلك القلوب المتصدعة لمرتادي المعابد والكنائس والمساجد؟؟ أي غدر هذا الذي حلّ بالمكان؟؟ ما اشده وما ابشعه!! غدرُ لا يُحسن حبكه سوى الآلهة في حق الفقراء.
حزنُ اندسَ في اعماق الصغار بوحشية، وعنف تفاقم لم يتعرفوا عليه من قبل. اطفال الصين واطفال بورما كانوا على مقاعدهم الدراسية حينها. الصباح كان قد وعدهم بيوم دراسي رَحب، وفسحة ولعب في فناء المدرسة. لم يخبرهم احد من قبل عما يجري وراء كواليس الزمان. لم تنبههم امهاتهم مبكرا ان السماء لديها املاءاتها المخيفة على معدمي الأرض ومساكينها. لم تبلغهم اسوار المدرسة بأن الساعة تدق لتعلن وقت الانتهاء المرير وليس الدرس الأخير. لم تسمح لهم الدنيا ان يلموا اشلائهم او ما تبقى منها ويرحلوا..يالها من قسوة ما بعدها قسوة..
اهتزّت الارض من تحت اقدامهم الغظة، وانتهى كل شيء في لحظات معدودات. هل ستروي اقلامهم لنا يوم بتفاصيل الحكاية؟؟ هل ستعلمنا اطلال مدينتهم عما جرى لهم؟؟ هل حين نسمع عنهم سندرك حقيقة هشاشتنا وضعفنا في هذا الكون الموحش المبهم؟؟ لكن يا ترى من سيستهويه ان يستمع الى حكاية اطفال الارض المعدمين؟؟؟ ومن لديه الرغبة ان يسنادهم في موتهم؟؟ ومن لديه الانسانية ان يلتقط اشلائهم ليلمها مع اشلاء أهاليهم المتناثرة في كل مكان؟؟؟
حين لفظت الارض كل ما عندها من غضب، لم يجرؤ على ايقافها احد. لم يرف جفن، ولم تدمع عين، ولم يدمِ جبين. الملائكة انشغلت في طقوسها الازلية غير مكترثة بمآساتهم. اللآلهة كعادتها التزمت سياسة الصمت، ومازال العالم ينتظر رد. كيف ستكون الجنة دار نعيم حين تحدّق فيها عيون بشر مغدورة ماتوا اصحابها بألم شديد وبدون سبب؟؟ من سينزع ذكريات المرارة ممن تبقوا على تلك الارض وهم تائهين بلا دلالة على انهم كانوا يكنون في اعماقهم هموم البشر؟؟ من يتصور بعد كل ذلك الدمار الشنيع انه كان هناك ناس يحلمون ويحملون امنيات واحلاما لصغارهم، وانه كان لديهم بيوت تحتضنهم، وقلوب تحبهم، وزهور في حدائقهم تبث في حاراتهم البهجة والروائح العطرة!! من الذي سيعيد لهم الثقة في ارض جردتهم من حقهم من السكون اليها، والوثوق في جاذبيتها للأجسام؟؟ هل من حق احد اليوم ان يسألهم ان يغفروا للألهة فعلتها ويولوا بوجههم للنسك والتعبد؟؟؟ كيف يا ترى سيكون ذلك والحزن استعمر القلوب، وبسط سلطته عليهم، ودمر ما تبقى لهم في الداخل من مشاعر؟؟
موتكم يا احبابي الفقراء هزّة عنيفة سمع دويها من بقلبه حب للناس بلا شروط ولا املاءات.. مآساتكم يا احبابي الموتى صحوة لمن اختار ان لا ينام..ناموا يا احبابي الفقراء، علكم تجدون سلاما وهدوءا حيث أنتم هناك..بعيدا عن هذه الحياة..بعيدا عن هذا الحياة.
salamhatim2002@yahoo.com
السعودية
رثـاء لضحايا الصين وبورما
بالمقاييس المادية الدنيوية يكون كلامك صحيحا ، ولكن ما أدراك أن الرحمة قد تكون في مفارقة شقاء الدنيا ……..
الإنسان التائه الذي لم يستطع عقله إلى اليوم منذ أفلاطون أن يهديه لا زال يمارس الوصاية على نواميس الكون وخالقها ومدبرها ، عجيييييييييب إن الإنسان ليطغى 🙂