ما من شك، بأن للأخوان المسلمين في سورية، كما لغيرهم من التنظيمات السياسية الأخرى، الحق، كل الحق، في تغيير رؤيتهم السياسية، أو تعديل مواقعهم على الخارطة السياسية السورية، وخاصة ان كان هذا التغيير أوالتعديل، تحصيل حاصل لتطوير فكري أو أيديولوجي، كانت أرهاصات ولادته ظاهرة خلال فترة زمنية منصرمة، كما كان له مبرراته الواضحة لعيان الجميع .
لقد أتى المبرر الذي ساقه الأخوان لتبرير تعليق معارضتهم للنظام، بضرورة توحيد كل إمكانيات المواطنين والدولة لدعم غزة في
وجه الغزو الأسرائيلي، مبرراً باهتاً الى حد كبير . وسبب بهتان هذا المبرر هو ان عدونا بحد ذاته قد غزا غزة بسلطته ومعارضته
مع حفاظ كلٍ منهم على موقعه . فلماذا يتوجب على الأخوان السوريين أن يعلّقوا معارضتهم للنظام، لكي يدعموا غزة ؟ واذا كان لا بد لهم من تعليق معارضتهم لكي يتم هذا الدعم، فهل علّق النظام القانون 49 الذي يقضي باعدامهم، لا لشيء إلالمجرد أنهم، هم، فقط ومن دون ان يقوموا باي فعل لكي يتثنى لهم توحيد جهودهم مع جهود (الدولة) لدعم غزة .
والأسوأ من هذا، أن تبرير الإخوان لتعليق معارضتهم، ينطوي على شعور أو قناعة، بأن معارضتهم للنظام أدت الى أضعاف الدولة السورية، لذا فمن أجل تقوية هذه الدولة وزج كل امكانياتها في دعم غزة فلا بد من وقف المعارضة. وكأنهم يتقمصون دور المعارضة اللبنانية، التي بنت دولة على حساب الدولة اللبنانية، وجيشاً ومؤسسات على حساب جيش ومؤسسات الدولة اللبنانية . في وقت لم تتعد فيه معارضتهم للنظام خلال الربع القرن الماضي الى أكثر من مقال سياسي ناقد، أو فاضح لممارسات النظام الإستبدادية ضد ابناء شعبه، ومن الخارج وليس الداخل السوري .
والسؤال الأكثر جوهرية هو، أين وجد الإخوان السوريون جهود النظام في دعم غزة لكي يضّموا جهودهم الى جهود (الدولة)؟ هل
هي في تشجيع حماس أو غيرها من مجموعات صغيرة غير مسيطر عليها، على رمي الصواريخ الخلبية على رمال صحراء النقب ليكون رد اسرائيل بتهديم بناية فوق روؤس ساكنيها في غزة ؟ أم في التطمينات التي قدمها النظام السوري لإسرائيل خلال المعارك في غزة، مما سمح للأسرائيليين بسحب وحداتهم الخاصة من الجولان، وارسالها الى غزة، وذلك ما عرفته حماس وتحدث احد مسئوليها عنه؟
أم في المسيرات المسّيرة التي خرجت في دمشق لتدعم غزة، فهتفت بالروح والدم لبشار الأسد؟
أم في المسعى الحثيث الذي مابرح النظام السوري يعيشه منذ سبعينات القرن الماضي، للوصول الى مصادرة القرار الفلسطيني, من
أجل توسيع دائرة وكالته في المنطقة المأخوذة من الأمريكان؟ ذلك المسعى الذي اصطدم دائما باستقلالية الراحل ياسر عرفات والذي تقدمه حالياً قيادة حماس المقيمة في دمشق للنظام السوري، بمقابل إبعاد شبح مصير عماد مغنية عن مخيلة خالد مشعل.
ومما يزيد من بهتان المبرر الإخواني لتعليق معارضتهم للنظام، هو أنه سبق لإسرائيل أن أرتكبت في عام 2006 في جنوب
لبنان نفس الجرائم التي ارتكبتها في غزة عام 2008 – 2009 . فلماذ لم يكن وقتها مطلوب ان توضع كل امكانيات الدولة والمواطنين في دعم لبنان؟ فهل الدم الفلسطيني بنظر الإخوان أغلى من الدم اللبناني؟ ولماذا؟
إني أرى بأن الخطوة التي خطاها إخوا نسورية لملاقاة النظام، هي خطوة تنطوي على الكثير من الخطأ والخطورة . فهي خطأ لأن
النظام السوري يعمل بالعقل الأمني الذي يعرفه الأخوان أكثر من غيرهم ولا يعمل في السياسة. العقل الأمني هذا الذي لا يعرف بتعامله مع الآخرين الا لغة الإلغاء. وبناء على هذا الهدف الإستراتيجي، يبني خططه. ولا أدل على ذلك، أكثر من الأوضاع
التي آلت اليها كل الأحزاب السياسية التي قبلت ان تتعاون معه باطار جبهته .
وهي خطوة خطيرة لأن هذا السلوك السياسي، لن تؤدي بالإخوان الا لخسارة ثقة جماهيرهم وخلق الفتنة واليأس داخل صفوفهم،
وابتعاد أطراف المعارضة الأخرى عنهم بعد ان استهتروا بحلفائهم مرتين.
تتحدث بعض الأخبار والله أعلم بصحتها، عن دور قطري في الموقف الأخواني الأخير، والهدف منه هو دعم النظام السوري ومساعدته في إغلاق نوافذه التي يأتيه منها الريح، بهدف تحصين مواقعه في مواجهة ظروف قاسية قد تأتي عليه مع بدء عمل المحكمة الدولية . ولهذا فقطر تسعى الى استدراج الإخوان المقيمين في الخارج، للعيش على أراضيها وتعليق معارضتهم للنظام، على أمل أن تكون الخطوة اللاحقة من قِبل النظام هي إلغاء القانون 49 وعودتهم الى سورية. ولكن من يدري من سيكون الأسبق الى فنادق الدوحة! كوادر الإخوان، أم مفارز التحقيق في المخابرات السورية!
farid_haddad@hotmail.com