بيروت – «الراي»
تحوّل رئيس شعبة الأمن السياسي في سورية اللواء رستم غزالة «نجماً» في وسائل الإعلام أخيراً، بعدما كان محور حدثين تزامنا في وقت واحد… تعرّضه للضرب المبرح على أيدي جماعة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في سورية اللواء رفيق شحاده وسط معلومات عن إصابته بـ «عطب دائم»، وإطلالته بـ «الصوت» من لاهاي في تسجيلات بثتها المحكمة الدولية لإظهار حجم «أزمة الثقة» بين النظام السوري ورئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري الذي اغتيل في 14 فبراير العام 2005، يوم كان غزالة «الحاكم بأمره» في لبنان.
وإذا كانت التقديرات تشير إلى أن صفحة غزالة طويت و«انتهت» بالأسلوب الذي غالباً ما استخدمه هو في لبنان وسورية عبر «التنكيل والتعذيب» بحق معارضي النظام السوري، فإن ملابسات ما تعرض له هذا الضابط الرفيع في استخبارات الرئيس بشار الاسد وأسبابه ما زال يلفه الغموض وسط روايتين، واحدة تستند إلى وقائع تتصل بتصفية حسابات «مافيوية» بين أجهزة الاستخبارات السورية، تتزايد مظاهرها مع فوضى النظام وتفككه، وأخرى توحي بتمدد الصراع العلوي – السني إلى داخل المجموعة «البعثية»، خصوصاً بعد طغيان دور إيران و«حزب الله» في إدارة المواجهة في سورية.
وإذا كان يحلو للبعض في بيروت، وهم يستمعون قبل أيام الى التسجيلات السرية للحوار بين غزالة والحريري قبل نحو شهر من اغتيال الأخير، ويدققون في الوقت عينه عن سر النهاية الدراماتيكية لـ «أبو عبدو»، أي رستم غزالة، القول «ان ما من ظالم إلا وسيبلى باظلمي»، فان التحريات السياسية ما زالت ناشطة لمعرفة «خفايا» الحادثة التي تعرض لها غزالة، الذي كان الحاكم الفعلي للبنان بين عامي 2002 و2005، اضافة الى أدواره السابقة والكثيرة.
في الرواية التي تشبه القصص المافيوية ذكرت المعلومات ان جماعة غزالة في مناطق درعا أمعنت في أعمال التهريب والسرقة والاتجار بالممنوعات، الأمر الذي دفع اللواء شحاده الى توقيف بعضهم بعدما «طفح الكيل»، إلا أن غزالة سارع للاتصال بشحاده وكال له الشتائم والسباب والإهانات التي لم توفر (رئيس جهاز الامن القومي) اللواء علي مملوك، مطالباً بترك الموقوفين من جماعته وفوراً.
ولم يقتصر الأمر على هذا الحد، بحسب الرواية عينها، بل عمد غزالة الى إصدار مذكرات توقيف بحق أولاد اللواء شحاده قبل أن يتوعده بانه آتٍ إليه ومعه حزام ناسف… وقصده بالفعل في موكب من أربع سيارات، غير ان حرس رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية لم يسمحوا لغزالة إلا بدخول سيارة واحدة، ما دفع سائقه الى التمني عليه بالمغادرة لكنه أصر على الدخول.
وتحدثت معلومات هذه «الرواية» عن انه عندما صمم الحراس على تفتيش غزالة قام الأخير بصفع أحدهم على وجهه، فما كان من الحراس الآخرين إلا أن هاجموه وصادروا سلاحه وقاموا بضربه بقسوة و«تكسيره» الى الحد الذي اصابه بـ «عطل دائم» من شدة ما تعرض له من ضرب مبرح قبل ان يدفعوه الى داخل مكتب شحاده.
واشارت المعلومات الى ان الحراس نفذوا تعليمات شحاده الذي امرهم بعدم «مد ايديهم» على غزالة بل استخدام العصي الغليظة في تأديبه الى حين تتكسر تلك العصي، لافتة الى انه عندما ادخل مدمى الى مكتب شحاده قام الأخير بلكمه بقبضة يده على فمه وكسر له بعض أسنانه.
الاكثر إثارة في هذه الرواية هو الكلام عن أن هذه النهاية لرستم غزالة تمت بـ «ضوء أخضر» من كبار في النظام راجعهم شحاده فأوحوا اليه بضرورة تأديبه على النحو الذي أودى به الى المستشفى في سيارة تاكسي وفي حال لا يحسد عليها، من دون ان ينفعه لا استدعاء محاميه لتقديم شكوى ولا اسعافه بثلاثة اطباء جاؤوا من بيروت.
ورغم ان هذه الرواية ركزت على الجانب «المافيوي» من نشاط رستم غزالة، فانها ألمحت في الوقت عينه الى انه غالباً ما كان يصاب بالتوتر كلما جرى الحديث عن المحكمة الدولية في اغتيال الحريري لاعتقاده ان الاسد يمكن ان يضحي به عبر تسليمه الى العدالة الدولية.
واذا كانت تقارير عدة «متطابقة» أكدت ان غزالة تعرض لـ «الضرب المبرح» على ايدي جماعة شحاده وانه في المستشفى يعاني… في خلاصة تجزم بنهاية هذا الضابط الاستخباراتي السوري الرفيع الذي ارتبط اسمه بالفساد وعمليات التعذيب والاخضاع في لبنان وسورية، فان السؤال ما زال يدور حول الاسباب الحقيقية وراء «تخلص» نظام الاسد من أحد رموزه في هذه اللحظة بالتحديد.
فلم يكن مفاجئاً الحديث عن الجانب الاكثر التصاقاً بشخصية غزالة (القمع والفساد)، فالمسألة قديمة، الأمر الذي دفع الى بلورة رواية أخرى عن ملابسات القرار بـ «شطبه» من النظام السوري، تستند الى ظروف تتصل بالصراع داخل «بيت النظام» على الادوار والغنائم في ظل تفسخ ذات طبيعة طائفية علوية – سنية تزداد مظاهرها مع تعاظم النفوذ الايراني في سورية.
ففي هذه الرواية نسب الى غزالة قوله «تسقط القرداحة» (مسقط الاسد) ولا تسقط قرفا (بلدته)، وانه كان يتعقب حركة قائد لواء القدس في الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني في سورية، في اشارة توحي الى امتعاض من ظهور سليماني وكأنه صاحب الامر في سورية.
ورغم ما ينتاب هذا الاستنتاج من «عيوب» فانه كان لافتاً تسرب شريط فيديو لوسائل اعلام لبنانية يظهر «القائد» غزالة مع جماعته في بلدته قرفا مفاخراً بانجازاته، ومطلقاً السهام في اتجاه الآخرين ممن لم ينجحوا في الصمود في مواجهة هجمات المسلحين. وهو قال في الشريط، الذي اصبح على «يوتيوب»: تسقط تلال وجبال ولا تسقط قرفا، مشيرة الى ان 10 آلاف مقاتل هاجموا قرفا مع 100 دبابة و80 مدرعة لكنها صمدت ولم تسقط.
واسترسل غزالة امام المقاتلين قائلاً: «ما سر صمود قرفا؟… تلة الحارة سقطت، الشيخ مسكين (60 الفاً) سقطت، مدينة نوى 120 الف مواطن سقطت ولا تسقط قرفا»، مشيراً الى اننا علمنا انه في اجتماع مع غرفة عمليات المسلحين بحضور ضباط اميركيين واسرائيليين ومن جنسيات عربية كانوا يسألون «هل اخطأنا في تقويم الرجال (في قرفا)؟ هل اخطأنا في تقويم القائد (أي هو)»، متباهياً بـ «صمود اسطوري في الوقت الذي تسقط مناطق اخرى». وتالياً فان تلك الرواية لم تستبعد ان يكون رستم غزالة دفع ثمن «غروره» وخروجه عن «النص».
“الرأي“
رستم غزالة المُصاب بـ «عطل دائم» … لماذا استحقّ التأديب؟
لا يهمنا, ولا نريد ان نعرف من كسَّره وخاصة الفم الذي كان سبب إغتيال الحريري وإختفاء ألاف اللبنانيين وقتلهم. همَّنا ان تُكسر يد كل طبيب أو مسؤول لبناني مدني او عسكري ساهم بإنقاذ حياة هذا المجرم, وغيره من مجرمي النظام الذين أتوا الى مشتشفيلت بييروت. ولا نريد لهذا المجرم الموت أبداً. فقط ان يعيش في هذه الحاله المزريه لسنين عديده ونقول عشرين سنه, يتوجع ويتألم, كي يكون درس لكل المجرمين في النظام السوري وأذنابه اللبنانيين.
خالد
khaled-stormydemocracy