في سابقة من نوعها نشر موقع ((NOW تحقيقا بعنوان: “فضل شاكر يشتم الشيعة: سلفيو صيدا متحمسون للمعركة”، الأحد الماضي، وهو نسخة مترجمة عن النص الأصلي باللغة الإنكليزية بعنوان: “Sidon’s Salafists eager for battle”. النسخة العربية كانت “منقّحة”، إذ غابت الشتائم بحرفيتها عن النص العربي. في مقابلة الكاتب معه كال الفنان فضل شاكر الشتائم ضد الشيعة، بعبارات مقذعة تنمّ عن مستوى اخلاقي وثقافي وفني هابط، بل في غاية السقوط. هذا مستوى القائل. أما الناشر فسقط في اغراء نشر الشتائم في موقعه الإلكتروني. هذه الشتائم التي تطال جماعة دينية واجتماعية بكاملها، بكل من ينتسب اليها من أصناف الناس، وذلك تحت الحاح السبق، لكن بيضة السبق هنا فضل شاكر ليس إلا، فما كان ممكناً الإستعاضة عن الشتائم بفراغات ونقاط يُجنب فيها القارىء هذا التلوث الكلامي والصوتي.
شتائم فضل شاكر بحقّ الشيعة يجب ان تدان ويدان صاحبها. فكلامه هذا لم يقبل ولن يقبل سماعه او قراءته اي لبناني في اي وسيلة اعلامية او اي منبر سياسي او ديني. وصاحبه لا علاقة له بدين الاسلام. فثقافة الاسلام لا تقوم على السباب واللعن بحقّ أي انسان، فكيف لفئة من المسلمين بكاملها؟ والانكى أنّ فضل شاكر، حين سأله كاتب التحقيق إن كان يقصد في شتائمه حزب الله، يصرّ على التشديد انّه يقصد الشيعة كلّهم من دون استثناء. في اصرار غريب على جريمته. بالطبع هو كلام من رجل يأتي إلى التديّن من ثقافة دينية ضحلة، مقطوعة عن تاريخ لبنان وتاريخ المسلمين وتراث الطائفة السنية في لبنان؟ وهو يوهم القارىء، أنّه يناصر الثورة السورية ضد مقاتلين لبنانيين شيعة يناصرون النظام السوري بالسلاح. وانا على يقين أن هذا النموذج براء من نبض الثورة السورية وشهدائها ومناضليها. فمثلما جاء فضل شاكر الى التدين من خارجه، من البذاءة، جاء الى الثورة السورية من خارجها، من البذاءة أيضاً.
بالتأكيد هذه الشتائم لم يسبقه احد من اللبنانيين اليها؟ حتى تنظيم القاعدة بدمويته ونزوعه الإستئصالي لم يصل الى وصف جماعة مذهبية او دينية بهذه اللغة البذيئة الذي تفتّق بها ذهن هذا الذي كان يوماً مغنياً وصار شتاماً. لغة لم يعهدها اللبنانيون من قبل، ولا مدينة صيدا التي أنتمي اليها واعرف اهلها وناسها وحاراتها ومخيماتها ومساجدها وكنائسها، واعلم كم أنّه غريب عن هذه المدينة وتاريخها وتراثها الوطني والقومي والاسلامي الجامع.الأخطر مما قاله هذا الرجل هو الصمت على اساءته، ومحاولة تقديم هذا النموذج كمتصدٍّ لحماية الطائفة السنية ومدافعا عنها. وهنا السؤآل عن الصمت الصيداوي على هذا الكلام، ذاك الصمت هنا قد يفضي الى ان يضع الخبثاء هذا الكلام في فم المدينة، وهي كما أعرفها منه براء.
وخطورته ليست على الشيعة ، بل أولا وأخيرا، وأكثر ما تكون على أهل السنّة، لأنّه يناقض تاريخ هذه الطائفة التي قامت على الاعتدال في لبنان، وشكلت نقطة التوازن في الحياة اللبنانية، وبقيت طائفة مفتوحة على التنوع والنقد. إذا خطورته ليست على الشيعة بل على السنّة. فهذه الطائفة، بثقافتها وتنوعها، قدّمت، وانخرطت، خلال مئة عام، عناوين جامعة وناهضة، من القومية العربية أيام حركة الشريف حسين، وصولا إلى الرئيس جمال عبد الناصر ومنظمة التحرير والثورة الفلسطينية. كلّها عناوين يريد البعض اختصارها بنماذج من قبيل فضل شاكر ومشايخه الذين يقتاتون على الأزمات لا الحلول. أولئك الذين يتضخّمون على الشروخ الدينية والوطنية وليس على وحدة الشعب واحترام التنوع وتكامل الأمة ووحدتها.
الصمت على اساءة فضل شاكر هو مشاركة في جريمته، واستدراج لهذه اللغة البذيئة وثقافتها كي تتقدم على حساب خطاب الامة والاعتدال.ليس مقبولا، تحت اي ذريعة كانت، صمت وجهاء أهل السنّة، وعلمائهم ومثقفيهم، عن هذا السلوك وهذه اللغة. وإذا كان البعض يفترض انه لا يريد الإصطدام بأصحاب هذا السلوك والخطاب، المشينين، لأسباب انتخابية ولغايات سياسية، منها الخبيث والبريء، فهو سيكتشف، قبل غيره، أنّ هذا الصمت هو حتفه السياسي والديني والاخلاقي، بكل ما للكلمة من معنى. والاستسلام للشحن المذهبي لا يعني أنّ الجماعات الكبرى هي التي ستتسيّد، بل العكس تماما. الإستسلام سيؤدي الى المزيد من تسيد لغة البذاءة والعصبية المذهبية ورجالاتها، على ضفتي المواجهة، بين العصبيات ولغة الشتائم والنفي والنفي المضاد. الخسارة للطائفة السنّية أولا، لكنّها عامة في لبنان، الذي بقي نائيا بنفسه عن خطاب بغيض انتشر على فضائيات فتنوية في السنوات الأخيرة. وامتداد هذا الخطاب إلى لبنان يعني أننا صرنا قاب قوسين أو أدنى من نقطة اللاعودة. ويبقى السؤآل الجوهري، كيف يمكن ان يقيم كلام هذا الرجل في ميزان القانون، أليس في كلامه ما يسيء للوفاق والأمن الوطنيين؟
alyalamine@gmail.com
إعلامي لبناني
البلد