ي
يبدو أن العلاقات السعودية-الفرنسية قد دخلت في مرحلة تحسّن بفضل المساعدة التقنية والبشرية (ليس عبر جنود مقاتلين، بل على الأرجح عبر خبراء عسكريين فرنسيين في أنظمة مراقبة الحدود) التي قدّمتها باريس للرياض في مواجهة التسلّل الحوثي! ولكن، أيضاً، في إطار إستراتيجية تطويق إيران التي تشترك فيها فرنسا مع الولايات المتحدة.. والسعودية؟ وكانت علاقات باريس والرياض قد تدهورت في مطلع عهد ساركوزي الذي فضّل محور “الدوحة- طرابلس” (دفعت قطر، بالنيابة عن فرنسا، مبلغ 300 مليون دولار الذي طلبه القذافي لتحرير الرهائن البلغار)،على المحور السعودي. ثم تدهورت أكثر، في العام 2008، بعد قرار ساركوزي بالتقارب مع دمشق، ذلك القرار الذي اعتبره الملك عبدالله “سابقاً لأوانه” قبل أن تتصالح السعودية مع دمشق في العام 2009.
وقد عرضت جريدة “لوموند” الفرنسية تطوّر العلاقات الفرنسية في إطار إستراتيجية تطويق إيران واحتوائها. المقال موقّع من
Nathalie Nougayrède:
بدون الدخول في التفاصيل، يؤكد ديبلوماسيون فرنسون أن فرنسا قدّمت للسعودية مساعدة “عسكرية تقنية” في حربها ضد التمرّد الحوثي، في الفترة الواقعة بين نوفمبر 2009 ويناير 2010.
وكان السعوديون قد تعرّضوا لخسائر فادحة، وسقط لهم 100 قتيل، حينما قاموا بعمليات عسكرية ردّاً على التسلّل الحوثي في المناطق الحدودية ولدعم الجيش اليمني.
ما مدى التدخّل الفرنيس؟ يجيب ديبلوماسي رفيع المستوى في باريس: “قدّمنا للسعودية كل المعدات العسكرية التي طلبتها”. وحسب مصدر آخر طلب عدم كشف إسمه، فقد تبيّن أن العسكريين السعوديين “أخفقوا في استخدام المعدات المذكورة”، مما يعني أن فرنسا ربما وفّرت دعماً بشرياً لاستخدام المعدات العسكرية أو البيانات التي تمّ توفيرها للسعوديين.
ويندرج هذا التطوّر، الذي أحيط بكتمان شديد، في إطار إستراتيجية أوسع. فالغربيون عموماً، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، منخرطون في جهد منسّق يهدف لطمأنة دول الخليج العربية بمواجهة الطموحات الإقليمية الإيرانية. ويحمل الموفدون الرسميون إلى دول المنطقة رسائل ذات فحوى واحد: “لستم وحدكم. نحن مستعدون لمساعدتكم ولحمايتكم”، حسب ما قال لنا ديبلوماسي فرنسي.
ويرمي ذلك كله إلى حث دول المنطقة السنّية على المشاركة في العقوبات الرامية إلى خنق الشبكات المالية التي تستخدمها إيران. والساعة الآن هي لبلورة إجراءات ضاغطة جديدة بعد المأزق الذي وصلت إليه سياسة “اليد الممدودة” التي كان الرئيس أوباما قد أطلقها، وبعد أن زادت إيران درجة تخصيب اليورانيوم في منشآتها.
ويبدو أن الأسلوب المفضّل للتعامل مع إيران، وهو أسلوب العقوبات الدولية، لن يسفر سوى عن تغييرات محدودة جداً بسبب التحفّظ الروسي، وبسبب المعارضة الصينية بصورة خاصة. وهذا ما فرض إستكشاف طرق أخرى للضغط على إيران. ويعني ذلك التعاون “بين دول يجمع بينها تفكير مشتر ك”.
وتتعرّض إمارات الخليج، التي تمثّل المنصّة التي تستخدمها الشبكات المالية والتجارية الحكومية الإيرانية، وشبكات “الحرس الثوري”، من أجل إحكام الطوق الإقتصادي. ولكن إمارات الخليج تخشى من التعرّض لردود ثأرية إيرانية إذا ما لعبت دوراً في الحملة المتعددة الجنسيات لتشديد الضغوط على إيران. وتعمل فرنسا ودول الغرب الأخرى على التغلّب على هذه المخاوف الخليجية، التي تعود جزئياً إلى وجود أقليات شيعية بين سكّانها.
وفي هذا السياق، قامت الولايت المتحدة، في آخر شهر يناير، بنشر بطاريات صواريخ “باتريوت” في الخليج. وتشير المصادر الفرنسية إلى أن القاعدة العسكرية الفرنسية في “أبو ظبي”، التي دشّنها الرئيس ساركوزي في مايو 2009، تسهم بدورها في إستراتيجية تطويق إيران وردعها.
في نفس السياق، تستمرّ واشنطن في توجيه رسالة لإسرائيل مفادها أن أي سيناريو عسكري ضد إيران سيكون بمثابة كارثة. وتراهن الولايات المتحدة كذلك على تأثير الإَضطرابات السياسية داخل إيران. وهذا علماً أن إقتصاد إيران بات “مدمّراً”، حسب ما تقول المصادر الفرنسية التي تأمل في أن يتخذ المرشد علي خامنئي قراراً بـ”العودة إلى طاولة المفاوضات” مع الغرب بدلاً من تعريض مركزه، أو حتى تعريض بقاء النظام، للخطر.
وقد أشار الجنرال “دافيد بيترايوس”، قائد القوات الأميركية في المنطقة، في شهادة أمام لجنة بالكونغرس، أن العقوبات المفروضة على إيران ستصبح مؤثّرة مع الوقت. وقال: “لحسن الحظ، فقد تأخّرت قليلاً” الأعمال في منشآت إيران النووية مما يعني أن إيران لن تتمكن من إجتياز المرحلة الحاسمة باتجاه إمتلاك قدرة نووية “خلال العام الحالي”.
لكن إستراتيجية تطويق إيران لا تلغي إمكانية سيناريو آخر لا يمثّل السياسة الرسمية لواشنطن ولكن نقاشه بدأ في مراكز الأبحاث الأميركية: ونقصد به الإستعدادات لـ”ما بعد” إمتلاك إيران لقنبلة نووية. وقد نشر الباحثان “جايمس لندسي” و”راي تكيّه” مقالاً في العدد الأخير من مجلة “فورين أفّيرز” بعنوان “بعد القنبلة الإيرانية”، جاء فيه أنه “حتى لو أخفقت واشنطن في منع إيران من التحوّل إلى دولة نووية، فسيظل بوسعها إحتواء عواقب” ذلك التطوّر عبر الضمانات الأمنية التي يمكن أن توفّرها الولايات المتحدة لدول الخليج.