تم إقحام دبي في خط الجبهة الدبلوماسية الرامي إلى كبح طموحات إيران النووية ورعايتها للإرهاب، بغض النظر إذا حدث ذلك عن قصد أم لا. وقد كان اغتيال المسؤول عن تهريب الأسلحة من قبل حركة «حماس» محمود المبحوح على أراضي دبي في 20 شباط/يناير 2010، بمثابة تذكير واضح لصلات الإمارة وروابطها التجارية الطويلة الأمد مع إيران — وقد تردد بأن المبحوح كان في دبي لشراء صواريخ إيرانية لوحدات «حماس» في غزة. لقد بدأت السلطات الأمريكية قبل سنوات عديدة تضغط على دبي من أجل أن تضع المزيد من القيود على الحركات التجارية التي تمر عبر موانئها إلى إيران، فضلاً عن زيادة الرقابة على الإيرانيين الذين يسافرون إلى الإمارة أو يعيشون فيها. وأظهر التحقيق الجاري حول اغتيال المبحوح، بأنه إذا توفرت الإرادة السياسية المطلوبة، تتمع دبي بقدرات مراقبة ممتازة وغيرها من السمات المميزة التي يمكن استخدامها ضد إيران.
رابط تجاري حيوي
تشكل إيران الوجهة الرئيسية للسلع المعاد تصديرها من دولة الإمارات العربية المتحدة. ويمر الجزء الأكبر من هذه البضائع عن طريق البحر – حيث لا يبعد الميناء الإيراني الرئيسي بندر عباس عن دبي سوى 100 ميل. وتزهو هذه الإمارة بمينائها المزدحم بالمراكب الشراعية والسفن الصغيرة فضلاً عن وجود محطة حاويات حديثة في ميناء جبل علي. كما أنها توفر رحلات جوية يومية كثيرة من العديد من المدن الإيرانية وإليها. وقد تردد بأن حجم التجارة السنوية بين هذين البلدين قد تضاعف ثلاث مرات على مدى السنوات الخمس الماضية ووصل إلى 12 مليار دولار، وهناك ما يقدر بـ 8000 شركة إيرانية بالإضافة إلى 1200 شركة إتجار إيرانية تتخذ حالياً من دبي مقراً لها.
لقد نمت جهود دولة الإمارات الرامية إلى تضييق الخناق على التجارة الإيرانية غير المشروعة، في ضوء الضغوط الأمريكية، ولكن لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به. وكانت الإمارات العربية المتحدة قد صادقت على أول قانون لمراقبة الصادرات المتعلقة بالأمن القومي في عام 2007، كما قامت السلطات الإماراتية بضبط العديد من الشحنات غير المشروعة الموجهة لإيران. ويقول المسؤولون الإماراتيون بأنهم يجعلون من الصعب على رجال الأعمال الإيرانيين الحصول على تأشيرات دخول ورخص تجارية. كذلك، يقال أن الإيرانيين يجدون صعوبة في العثور على بنوك إماراتية لتسيير معاملاتهم. بالإضافة إلى ذلك، تم الإعلان عن خطط لتنظيم المزيد من المراقبة عن كثب لميناء السفن الشراعية على خور دبي، حيث لا توجد حالياً رقابة جمركية.
ومع ذلك، فإن المبادرات الإماراتية لا تعني بالضرورة قيام تعاون من قبل دبي. فعلى الرغم من أن الإمارة الرائدة، أبو ظبي، تضم ما يقرب من 8 في المائة من احتياطيات النفط العالمية، وغالباً ما تقوم بتمويل مشيخات الإمارات الستة الأخرى، فإن كل إمارة تحافظ بشدة على إستقلاليتها. وهكذا، ففي حين تقلق أبو ظبي بشكل واضح من احتمال أن تصبح إيران دولة مسلحة نووياً، يبدو أن دبي تشعر بقلق أقل تجاه تلك الإمكانية. وقد شرحت وزيرة الاقتصاد والتخطيط في دولة الإمارات الشيخة لبنى القاسمي في عام 2008، لماذا قد تكون سلطة الإمارات وقدرتها على التصرف محدودة: “في نهاية المطاف، لا تزال إيران دولة جارة”.
تاريخ من التغاضي عن التهريب
تتمتع دبي بسجل حافل في تجنب العقبات البيروقراطية أمام التجارة، والتقليل من شأن المخاطر الدولية. فعلى سبيل المثال، كانت الإمارة تُعد بمثابة المركز المالي لتنظيم «القاعدة» حتى أواخر عام 2001. وعندما اكتُشفت جثة المبحوح لأول مرة، قال أحد كبار المحققين في الشرطة المحلية بأنه لم تكن هناك حاجة لسفر مسؤول من حركة «حماس» عن طريق استخدامه اسماً مستعاراً لأن دبي كانت على استعداد لمنحه حماية رسمية خلال فترة إقامته.
كما لعبت دبي دوراً رئيسياً في انتشار الأسلحة النووية لسنوات عديدة. ففي الوقت الذي كانت تتم فيه إعاقة التجارة الباكستانية المباشرة من قبل الجمارك ووكالات الإستخبارات الأمريكية والأوروبية، شكلت الإمارة قاعدة لجهود إسلام آباد لاستيراد تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم ومعدات الطرد المركزي لصنع الأسلحة النووية. فعلى سبيل المثال، حذرت وثيقة أوروبية من الثمانينات من القرن الماضي من الطريقة التي يتم فيها نقل قطع “الجيل الثاني من القنبلة الذرية” بواسطة الترانزيت، عن طريق “عناوين موردين معروفين باستخدامهم من قبل باكستان لبرنامجها النووي” – وكان أحد هذه العناوين “مجموعة بن بليلة” (Bin Belailah Enterprise) في دبي.
إن تاريخ هذا المورد يستحق التدقيق عن كثب. فوفقاً لوثيقة أخرى صدرت مؤخراً من قبل السلطات السويسرية، استُخدم اسم “مجموعة بن بليلة” أيضاً من قبل “مؤسسة خالد جاسم للتجارة العامة” التي مقرها في دبي، وهي شركة أثارت الشكوك عندما عطلت السلطات الكندية طلبا تجارياً وضعته هذه المؤسسة لاستيراد مكونات كهربائية لأجهزة الطرد المركزي. وعندما اعتقل العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان في عام 2004، واتهم بنشر تجهيزات نووية إلى إيران وليبيا وكوريا الشمالية، ألقت سلطات دبي القبض على شريكه الرئيسي الذي أدار “مجموعة إس إم بي للكمبيوتر (SMB Computers)” من دبي. وقد سميت هذه الشركة على اسم مؤسّس “مجموعة بن بليلة”، سعيد مطر بن بليلة. وقد بدأ بن بليلة سيرته المهنية كضابط شرطة في مكتب إدارة الهجرة في دبي، وتقدم على مدى السنوات بشكل مطرد ضمن البيروقراطية الإماراتية وأصبح مديراً لـ “إدارة الجنسية والإقامة” بين الأعوام 1996 و2006 وتقاعد برتبة عميد. ولا يزال يحتفظ بعلاقات [معينة] حالياً، حيث يشغل منصب مؤسس ورئيس “نادي الروتاري في دبي”، الذي يتلقى الرعاية المباشرة من عضو بارز في أسرة آل مكتوم الحاكمة.
سمعة غير حسنة
لقد كانت هناك مناسبات مختلفة أثرت بشدة على طموحات دبي لأن تصبح مدينة-دولة أيقونية في المستقبل حتى قبل اغتيال المبحوح. فقد أثارت الأزمة المالية في أواخر عام 2009 تساؤلات حول قدرة الإمارة على مواصلة التوسّع وحول استعداد الحكومة لتسديد ديونها. وفي كانون الثاني المنصرم، افتُتح “برج دبي” — أطول مبنى في العالم — باستعراض باهظ الكلفة ولكن سرعان ما أعيدت تسميته بـ “برج خليفة” تكريماً لحاكم أبو ظبي، الذي كان قد وافق على منح مليارات الدولارات لإنقاذ دبي. وفي الآونة الأخيرة، ووسط تساؤلات عن انخفاض مستويات الإستئجار، تم إغلاق المناطق العامة في البرج بسبب مشاكل غير محددة مع المصاعد الكهربائية.
كذلك، تملك دبي “خبرة” مع الموت العنيف. ففي عام 2008، دفع سياسي مصري نقودا مالية لـ “قاتل بالإجرة” لكي يغتال المغنية اللبنانية سوزان تميم، التي كانت تعيش في بناية شقق أنيقة في الإمارة. وقد تم تعقب واقتفاء القاتل وألقي القبض عليه لأنه، حسبما ورد، ترك آثار أقدام ملطخة بالدماء أثناء هروبه. وقد فرضت السلطات المصرية أوامر قضائية تحظر نقاش القضية أو الإفصاح عنها من قبل وسائل الإعلام.
وقبل أسابيع من قتل المبحوح، زعمت مجلة “فانيتي فير” بأن “وكالة الإستخبارات المركزية” الأمريكية كانت قد تتبعت عبد القدير خان خلال زياراته المتكررة إلى دبي، وكانت تخطط لإغتياله هناك. وقالت المجلة أن عملية القتل لم تحدث “بسبب انعدام الإرادة السياسية” في واشنطن. ورفض متحدث باسم “وكالة المخابرات المركزية” مناقشة المسألة مع المجلة.
تعزيز الإرادة السياسية
إن حادثة المبحوح، وطموحات إيران النووية، والدور الإقليمي الحاسم الذي تلعبه دبي قد كانت على الأرجح من بين المواضيع الرئيسية في المحادثات التي أجراها وزير خارجية دولة الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان أثناء زيارته إلى واشنطن، هذا الإسبوع. ومن المرجح أن يكون حادث الإغتيال قد أضر العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، التي نمت باطراد على مدى العقد الماضي بتشجيع من الولايات المتحدة ومن خلال التبادلات الدبلوماسية العادية، لكن غير الرسمية. (لقد نما حجم التجارة الثنائية بين البلدين ووصل إلى مليار دولار سنوياً). والشيخ عبد الله هو على علم أيضاً بالملف النووي، بعد أن رُتبت له — من قبل عبد القدير خان نفسه — جولة سياحية لمحطة الطرد المركزي في [مختبرات] “كاهوتا” في باكستان في عام 1999. ولكي يتم المضي قدماً، يتعين على الولايات المتحدة أن تشير إلى دبي بأن تقديم المساعدة لحركة «حماس» من أجل حصولها على السلاح هو أمر غير مقبول. ينبغي على واشنطن أيضاً التأكيد بأن دبي تملك الوسائل التقنية لمنع إيران من استغلال هذه الإمارة للتحايل على العقوبات. ويتعين على أبو ظبي استخدام رغبتها في إحباط محاولات إيران للتحوّل إلى دولة نووية واستخدام نفوذها المالي لضمان توافر قدر أكبر من التعاون من قبل دبي.
سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن