اسمه يختلف من دولة خليجية لأخرى، هو مقيم. وافد. أجنبي.. أثقل أسمائه العمالة المستوردة..
أسماؤه عديدة لكنه، في النهاية، الدخيل الذي سكن الخليج.
مرت أكثر من أربعين سنة منذ تهافت الدخلاء وعائلاتهم على المنطقة لأجل العمل، درست ونشأت أجيال من أبنائهم بيننا.. ووصفهم لم يتغير. دخلاء، تحت مسميات العمالة الوافدة أو المقيمة..
يحكي لي زميل، درس المرحلة الابتدائية حيث كان يعمل والده بإحدى القرى الخليجية، أن طريقة المعلم بمناداته وقتها كانت هكذا: تعال يا الاجنبي..
قد لا نصادف تلك الطريقة المتعالية في الحديث مع طفل في مدارس المدن الكبرى لكنها موجودة في القرى، أو كانت موجودة يوماً…
حدث هذا منذ عشرين عاماً.
وحدث اليوم أن تفوّق عدد (الأجنبي) في إحدى المدن الخليجية على عدد مواطنيها. ويحدث أن أعداداَ وأعداداً من (الدخلاء) ما زالت تتدفق إلى هنا يومياً..
فهل تحقق التعايش بين المواطن والدخيل؟ أم أن هناك بقايا لنظرة فوقية متعالية؟
وقبل الإجابة، هل تحقق التعايش بين المواطنين أنفسهم؟ بين أبناء القبائل المختلفة؟ بين أبناء القبيلة الواحدة؟ بين أبناء الطوائف المتضادة؟ بين أتباع المذاهب الأربعة؟ هل تحقق التعايش بين الرجال والنساء من نفس القبيلة ونفس الوطن والملة؟
ومن المسئول عن حالة الانفصال أو الابتعاد؟ إن كانت الأنظمة هي السبب، ألا تزال مسرورة لحالة التفرقة المتزايدة.. في ظل بوادر طائفية وقبلية غير حميدة.
أكانت صدفة أم عشوائية ألا يتحقق الانصهار على غالبية الأصعدة الداخلية.. ؟ أليس منطقياً ألا يتحقق التعايش مع الغريب تباعاً؟
قد تكون الجنسية المحلية ثمينة وغالية على حكوماتنا ولا تمنح للغريب إلا في حالات نادرة. لكن ماذا عنا نحن؟ وعن علاقتنا بالآخر؟ هل زال شعورنا بغربته، باختلافه.. ؟
مقيم، تعني أن لصاحبها مدة زمنية محدودة وسيغادر بعدها البلاد، إن آجلا أم عاجلا.. وكلمة وافد لها دلالات وانعكاسات قيمية، وصداها النفسي أكثر وقعاً من مقيم، خاصة على أولئك الذين يرفضون اختلاط الأجناس.. توحي الكلمة بأن فردا قد وفد من بعيد وحل على البيئة الداخلية، توحي بأن اندماجه بها يعني تلاشي الثقافة المحلية شيئا فشيئا وذوبانها في دوامة حضارة الغريب وبكل ما أتى محملاً به من فكر ومبادئ وأزياء..
تلك المسميات الرسمية في اعتقادي ساهمت بغرس مبدأ استحالة التعايش الأبدي داخل نفوس المواطنين رغم حالات التقارب المهني المؤقت. ولم يتم الاكتفاء بالمسميات بل وسّنّت القوانين لمنعها بعض الأحيان.. من ذلك حالة الحب التي قد تنشأ بين مواطنة ومقيم وتحتاج لأذن حكومي معقد كي تتحول لشكل قانوني.. حتى في دبي أشد المدن الخليجية انفتاحاً على الغرباء والأجانب.
ورغم التحفظات على الاندماج من خلال التزاوج، إلا أن دبي الحالة الخليجية النادرة عالمياً، نموذج مختلف للعولمة البشرية، نموذج جديد للاحترام لم يعهده العرب كثيراً… بها آلاف الجنسيات، وديانات لا حصر لها. مدينة عصرية بكل ما تحمله العصرية أو يزيد.. حققت ما لا أعتقد أن واحدة من البلدان الغربية أو الشرقية قد تمكنت من تحقيقه، حتى تحولت إلى حلم الإنسان العالمي.. لا تعاني من نعرات أو طائفية أو تطرف يميني ضد الوجود الأجنبي.. الجميع يمارس معتقداته وهواياته وحرياته التي لا تتعدى على الآخرين ضمن حماية مطلقة، دون خوف ودون إحساس بغربة أو شذوذ.
كم نسبة التمتع بمثل هذا الشعور لدى مواطن عربي داخل أرضه الأصلية؟
وكم نسبة شعور النساء بالأمان المتاح بدبي في أوطانهن العربية؟ أمان وحرية من النوع الذي يرفع من حدة الرقابة الذاتية… في دبي تعلمت أن الحرية حجاب منيع..
ثم كيف تحقق الاندماج بين أفراد الشعوب والأديان المتعددة؟ أم أن مرحلة الحكم لم تحن بعد وما يحدث ليس اندماجا إنسانياً بقدر ما هو مصالح اقتصادية مشتركة..
معجزة هي أم حلم، أن يجتمع عنصرا الأمان وآلاف الأعراق والأديان المختلفة في نفس الوقت وبمكان عربي واحد..
أهو القانون؟ أم ثقافة جديدة تشكلت من هذا الوجود وبداية إنسانية مختلفة.. بداية تؤكد أن الاقتصاد سبب من أسباب الوحدة.. السياسة تفرق. المذهبية الدينية أكبر فرقة..
لكن ماذا عن التعايش والاندماج النفسي مع الأجانب؟
بقي اسمهم وافدين، ويشدد عليه البعض الذي يخشى على هويته وسط الزحام..
لكني صادفت الكثيرين ومنهم نساء سعداء بذلك الوجود الأجنبي وبتلك الفرصة للاحتكاك بثقافات العالم المختلفة.. يعتبرون أنفسهم محظوظين مقارنة بالبلدان الخليجية الأخرى التي لا تزال تدرس الانفتاح أو الانغلاق، ويثور الرأي العام لقضية يعتبرها أهالي دبي من بديهيات الحياة اليومية..
تعايش المواطن مع نفسه ومع غير المواطن قد يفترض تعايش الدولة معهما أولاً.. حين يكون هناك قانون واحترام للتعددية.. فإن الحياة الإنسانية ستفرض نفسها فرضاً بين المواطنين وغير المواطنين، بين الأقليات، بين المذاهب والطوائف…
albdairnadine@hotmail.com
• كاتبة سعودية
دبي، حلم التعايش والأمان في الخليج دعيني أقول لك يا بنتي نادين, هناك فرق بين مقيم مهما طال به الأمد وهو يعني انه سيصبح مع مرور الأيام إبنا لهذه الأرض ينتمي إليها بروحه ودمه و أهله وولده و بين مقيم جاء و دخيلته موقنة أنه إنما جاء هنا لهدف وقتي ينتهي ارتباطه و حتى أجياله من بعده متى ما انتهى ذلك الهدف. دعيني أعطي لك مثالا من واقع تجربتي, في الحجاز اسر وصلوا الحجاز واستوطنوه وعاشوا الأيام والسنين بحلوها ومرها فهم لم يكن هدفهم نفعي عند مجيئهم فأصبحوا أهل دار و يزيدون في الإخلاص على من جذورهم من هذا المكان… قراءة المزيد ..