مقابسات عربية-كردية مع الأخ الأستاذ صلاح بدر الدين
لا أعرف ما هو فضل القومي على قوميته أو المسلم على اسلامه أو فضل أي كان على أية هوية كانت، مادام المسلم ويفترض العربي والكردي والكائن الإنساني عموما أنه يولد مع دينه وجنسيته “فالمرء يولد على فطرته، فأبواه هما اللذان يهودانه أو ينصرانه… وفق ما يقارب التعبير النبوي الشريف…
فمن بين 6-7 مليارات البشرية اليوم لا يتعدى الذين اختاروا دينهم او قوميتهم أو جنسيتهم، مئات الأفراد لأسباب نفسية -على الأغلب- كالمسلم الذي يختار المسيحية تحديا لضغوط اجتماعية ونفسية تدفعه للتمرد على بني قومه، والعكس يصح لدى المسيحين- خاصة الغربيين- الذين ينتقلون إلى الإسلام كجزء من الولع الغربي في التجريب والمغامرة وعيش التجارب الجديدة التي تميز سلوك الغربيين، لكنها تبقى مع ذلك تجارب فردية هنا وهناك إلا في زمن الانبثاقات
الأولى للديانات والتجمعات القومية الأولى.
فالمسلم أعجبه اسلامه أم لم يعجبه والعربي أو الكردي أو الهندي أو الفرنسي أعجبته قوميته أم لم تعجبه فهو لا يستطيع المرء أن يتفلت منها من داخلها، أي التنقل ضمن الدوائر ذاتها –نسسقيا وبنيويا- تماما مثلما لا يستطيع المرء أن يتفلت من انتمائه لأبيه وامه ودمه، لكنه يستطيع أن يخرج على حتمية الدين والقومية والابوية بالخروج من نسقها، من دائرتها، أي الخروج من نظام تفكيرها معرفيا كاختيار الفلسفات والنظريات الحديثة، لكن دون أن يستدعي ذلك الخروج من بيئته الثقافية وموروثها الثقافي الواعي واللاواعي.
الخروج من نظام التفكير إلى ما يخارجه –لا ما يجاوره- هو مجال تجلي فعل الحرية الانسانية، أي تخطي الإرث والوراثة والتوريث للخروج من سياجات (اللاهوت (الديني) والعصبي (القومي) والوراثي (الأبوي)، ذلك هو المجال الخلاق لكي يتمكن الفرد من إعادة تجديد ذاته وفق ابتكاراته وإبداعاته الروحية والثقافية والفكرية…
وتلك هي (الأصالة) بمعناها الجديد الذي أنتجته الحداثة، إن صح أن نتحدث عن الأصالة داخل نسق الحداثة، فالأصالة هنا أصالة الذات بذاتها وعن ذاتها وسيرورتها الدائبة على طريق صناعة سؤددها الذاتي ومن ثم ابتكارها لذاتها دون توقف، وليس آصالة الأجداد والسلف الذين لم يتركوا شيئا للخلف، وتلك أصالة عتيقة (سلفوية ماضوية)، لا فضل فيها للفرد على نفسه سوى أنه نتاج مورثاتها العضوية جنسا وثقافة وهوية قومية أم دينية ، فينطبق عليه ما ينطبق على الحاكم الوريث- والأمر كذلك- المثل العربي القائل: (العاضض “لذي يتمسك بالعض” لهنّ أبيه) …
لماذا هذه المقدمة؟
إنها تمهيد للولوج لمنطقة خطرة وحساسة، وهي منطقة المسألة الكردية التي جعل منها الأخوة الأكراد أشبه بالفخ أو “عقدة الأفاعي” كما توصف إشكالية الحداثة، فتدفعك لتجنب معارجها ومسالكها المعقدة، لكي لا تفتح على نفسك أبوابا أنت في غنى عنها، سيما إذا كنت محبا وصديقا للشعب الكردي-كحالتنا- لاسيما الكرد مواطني في سوريا الذين يبلغون في نسبتهم السكانية أنهم القومية الثانية في سوريا بعد العرب…هل قولي الأخير هذا كاف لحل إشكالية الولوج إلى مساحات مشتركة بيننا وبين الأخوة الأكراد؟
إن هذا التساؤل أملاه علينا رد كتبه الأستاذ صلاح بدر الدين في الحوار المتمدن(على حلقتين في 01-04-2009 و02-04-2009 http://www.ahewar.org/m.asp?i=363 ) ردا على مقالنا “سوريا أولا” المنشور في عدد من المواقع :(راجع موقع سوريا الحرة 21-03-2009 رابط الموقع
http://www.free-syria.com/loadarticle.php?articleid=33802
أو موقع شفاف الشرق الأوسط على الرابط
http://www.middleeasttransparent.com/spip.php?page=article&id_article=5849&lang=ar
بدءا لا بد لي من التعبير عن امتناني الشخصي لمبادرة الأستاذ صلاح بدر الدين الكريمة بتضامنه معي عندما دعا عضو (برلمان الدمى) السوري منذر الموصلي (باسم الشعب السوري) لمحاكمتي أمام محكمة أمن الدولة، بسبب مقالي التضامني حينها في جريدة (النهار) مع صديقنا في تأسيس لجان إحياء المجتمع المدني الدكتور عارف دليلة بعد الحكم عليه بعشر سنوات…فكان على عضو البرلمان المذكور أن يبادر إلى تخويني ومحاكمتي… حيث على أثرها صدرت بيانات تضامنية من المثقفين السوريين والعرب، وقد اثلجت صدري حينها المبادرة الشخصية للأستاذ صلاح في اعلان تضامنه باسمه الشخصي، فكان السياسي الوحيد من خارج سرب المثقفين الذي بادر للتضامن مع حق حريتي في التعبير ضد التهديدات الأمنية التي تم تبليغها لي برلمانيا: أي تبليغة أمنية عن طريق المجلس التشريعي السوري…!
لقد بدت مبادرته حينها –مع المثقفين- خارج نسق الحركات السياسية في حينها التي لم تتعود –ويبدو حتى الآن- على التضامن مع مسائل حرية الراي والتعبير، لأن التاريخ السياسي الشمولي لسوريا منذ نصف قرن أنساها مثل هذه المطالب، التي تعتبر كمالية بالقياس إلى عالم الرعب السياسي الكابوسي الذي خيم على سوريا مع (التصحيح- التشييء)
الأسدي الذي توج مسيرة الانهيار السياسي السوري نحو الحضيض.
ينكر علينا الأستاذ صلاح بدر الدين أن نعتبر أن سوريا شهدت فترة ازدهار سياسي ديموقراطي دستوري برلماني قبل الانقلابات الشمولية (الناصرية-البعثية) رغم انه يقر بأن دستور 1928 تضمن عدم التمييز بين السوريين ” بسبب الدين أو المذهب أو الأصل أو اللعنة”.
وتعليل إنكاره هذا، هو أن هذا الدستور “أغفل تعددية المجتمع السوري”… وعلى هذا فإن سوريا لم تشكل بعد لا ماضيا ولا حاضرا “دولة لكل مكوناتها” حيث لم يشر إليه دستور 1920 الذي وضعه المؤتمر السوري ولا دستور 1928.
فرغم صدور الدستور في ظل الاستعمار، إلا أنه حتى بعد الاستقلال فإن جميع التعديلات هذه ظلت مفتقرة إلى قراءة صحيحة لتاريخ سوريا وخارطتها الدينية والمذهبية كما هي على ارض الواقع المعاش والحفاظ عليها على الأقل منذ بداية القرن التاسع عشر، وبالأخص اندلاع الثورة الوطنية ضد الانتداب ومشاركة الكرد فيها، ومن ثم تجاهلهم في كل كتب التاريخ ومناهج التربية المدرسية وبرامج التعليم الجامعي… وعلى هذا فالكاتب لا يتفق معنا سوى بتوصيف ديموقراطية تلك المرحلة بأنها “ديموقراطية عرجاء” لأنها خاصة بالقومية العربية… تماما كالمثال التركي في اقتصار الديموقراطية على الترك والاسرائيلي في اقتصارها على اليهود… ولم يشهد البرلمان تمثيلا كرديا عادلا … رغم أن انتخابات 20 آب 1954 التي أشرفت عليها حكومة سعيد الغزي الحيادية المستقلة، تم الإجماع داخليا وخارجيا على أنها أنزه وأرقى انتخابات جرت في تاريخ سوريا.
على كل حال لن نناقش سياسينا المناضل الكردي المخضرم بهذه التفاصيل ومدى دقتها، بل نتابع عرض وجهة نظره بما يساعدنا على استخلاص تصور نظري يقارب الواقع فيطابقه.
إذ الرئيسي في الأمر أن الأخ بدر الدين يدعو إلى مبدأ التوافق، أي “الديموقراطية التوافقية” الذي بدونه ليس هناك “شرعية دستورية”.
ليخلص إلى أن دولة المواطنين العادلة هي أن يسعى السوريون (إلى تفكيك نظام الدولة من الأساس وإعادة البناء على اسس حديثة والمواطنية الحقة وحسب التعاقد الحر بين المكونات القوية والدينية والمذهبية” التي ستقف على قدميها حينذاك ” والتوافق على الدستور والقوانين وشكل نظام الدولة المنشودة وإزالة جميع أثار الشوفينية والتمييز والاضطهاد….
ثم يدعونا جميعا للاعتراف دون تردد “بأنه لا رواد الاستقلال الأوائل ولا البرجوازية الوطنية ولا حزب البعث…ولا اليسار ولا الاسلام السياسي ولا مجموعات وتيارات ومثقفي المعارضة اجتازوا الامتحان بنجاح أو وضعوا الأصبع على الجرح… وهذا ما يفسر معاناة السوريين بجنوح نظام الاستباد نحو المزيد من القمع…
حيث يأخذ على الشركاء العرب المفترضين المحسوبين على المعارضة السورية سلبيتهم، ويعبر عن خيبة أمله من هذه السلبية تجاه وجودهم وحقوقهم ومستقبلهم تارة بأنهم ينعمون “علينا بحق المواطنة” هذا الحق الذي منح للبشر منذ الخليقة…وتارة بأن هؤلاء المعارضين يتذاكون عليهم بدعوتهم لتأجيل بحث موضوع الأكراد إلى ما بعد التغيير…وهم –الأكراد-لن يكونوا جاهزين حسب الطلب لتقديم التضحيات نيابة عنهم بدون برنامج وطني.
النقطة الثالثة هي خوف الأقليات السورية قومية كانت أم دينية أم مذهبية على حاضرها ومستقبلها في ظل دولة انقادت منذ خضوعها للمنطق الأحادي.
هذه الآراء التي يسوقها سياسي بارز ومخضرم في الحركة السياسية الكردية ربما تفسر لنا ما يشاع عن قلق مساره السياسي، بل وبعض النزق مما تابعناه في خلافاته مع الأخوان المسلمين في البداية ومن ثم مع جبهة الخلاص.
وإذا كنا نتفق معه في الكثير من آرائه سيما ما خلص إليه بحاجة الحركة الوطنية السورية إلى إعادة بناء حديثة، لكن لا بد من إثارة بعض الأسئلة النظرية الضرورية للوصول إلى تصور اجرائي مطابق لاستحقاقات اللحظة القامة:
– يتسم خطاب الأستاذ صلاح بدر الدين بنزعة قومية فيها الكثير من “نفحة المطلق” الذي يتسم فيها الخطاب القومي عموما، هذه النغمة كانت تسكن مفاصل الخطاب القومي العربي، لكن سلسلة الانكسارات والإخفاقات دفعت الخطاب القومي العربي للكثير من التواضع ومن ثم المراجعات جعلته ينحو باتجاه (التاريخي والنسبي)… وباتجاه الانتقال من مفهوم (الدولة/ الأمة إلى الدولة/ الوطن)… أي مفهوم الدولة الوطنية بوصفها الوحدة الأساسية للتداول السياسي (العقلي) وليس المشاعري (الأمة-القومية- الدين)، ويجب أن نلاحظ أن هناك تيارا شبابيا كرديا مفعما بهذه الحساسية التاريخانية النسبية يتسع في الوسط الكردي ليلتقي معنا –في فضاء العقلانية الجديدة هذه-على مفهوم (سوريا أولا) الذي ينقدنا الأستاذ بدر الدين عليه بوصف سوريا وطنا نهائيا للجميع، دون أن يؤدي هذا الانتماء الوطني لسوريا لأن يكون حاجزا دون الأحلام واليوتوبيات: القومية العربية أو الكردية.
-هذه النزعة المشاعرية القومية دفعت بالأخ بدر الدين لأن يختصر المكونات الوطنية السورية في العرب والكرد، رغم أنه في صيغته الأخيرة تحدث عن (مكونات دينية ومذهبية) وقد تجلى منظوره القومي هو في قراءته للتاريخ السياسي السوري من منظور درجة الحضور الكردي في صناعة هذا التاريخ أو عدمه، فأدت إلى نوع من المغالاة، بدا معها وكأن التاريخ السوري هو تاريخ صراع ومناضلة بين العرب والكرد.
-عدم التمييز بين حديثنا عن “العقد الاجتماعي” الذي هو تعاقد طبقي بالضرورة، وبين “التوافق السياسي” الذي هو توافق تسامحي وتعايشي بين الأديان والمذاهب والأطياف… التعاقد يشير إلى المجتمع المدني (مونتسكيو) ومبدأ (المواطنة) الذي هي تساوي الطبقات أمام القانون بغض النظر عن الدين أو المذهب أو الجنس… بينما “التوافق” يشير إلى المجتمع الأهلي ما قبل المجتمع المدني البورجوازي الحديث، وهو يقوم على مبدأ (الأخوة) الذي يساوي بين الديانات والقوميات والمذاهب، وعلى هذا فالمواطنة مفهوم متقدم على مفهوم الأخوة الديني أو القومي، مما يعني أننا لم نحصل عليها –عربا وكردا- منذ الخليقة كما يقول الأستاذ بدر الدين، والعرب لم يملكوها ليتفضلوا فينعموا بها على الأكراد ، بل هي- والأمر كذلك وهو كذلك- تشكل مطلبا للحركة الوطنية الديموقراطية السورية بعربها وكردها، وذلك لأنها ثمرة المجتمع المدني الديموقراطي الحديث، الذي أحل مفهوم المواطنة (الشعب- الأمة) محل مفهوم الرعية (العامة- الملة)، الرابطة السوسيولوجية الطبقية محل الرابطة الدموية: (القبلية- العشائرية) ومن ثم المذهبية والطائفية التي هي مفردات المجتمع الأهلي الذي يعيش اليوم علاقاته ومنظوماته وتشكيلاته وانتماءاته بعد انكسار مشروع المجتمع المدني الدستوري البرلماني التعاقدي على يد الشموليات العسكرية.
– هذا الانكسار والهبوط من التعاقدي (السوسيولوجي) إلى التوافقي (الطائفي) المذهبي الذي يعبر عن هزيمة المرحلة الليبرالية سوريا وعربيا لصالح الشعبويات: (القوموية واليساروية ومن ثم الاسلاموية)، وهو الذي يملي علينا تقديم التنازلات في قبول صيغة (التوافقات: الطائفية النموذج اللبناني- العراقي) محل (التعاقديات السوسيولوجية الطبقية والحزبية والسياسية التي عرفها مجتمعنا قبل: الشمولية الناصرية والبعثية وذروتها في الطائفية الأسدية…
– هذا الانكسار قاد إلى احتلال العراق ومن ثم العودة بالمجتمع العراقي إلى درجة الصفر وفق تعبير رياض الترك بعد أن كان صدام يهبط به إلى مادون الصفر، هذه العودة إلى درجة الصفر هي ما ينجزه النظام السوري بجدارة الشقيق القومي للعراق نظرا لتشابه البنيانين فكرا وممارسة… لكن نأمل أن نتعلم من نتائج درس الشعب العراقي كيفية إعادة بنائهم الدستوري لوطنهم الديموقراطي التعددي اليوم، دون الاضطرار لعيش مقدمات تجربة مأساتهم.
فالعراق بعد تدمير المنظومة الشمولية التي خنقت تطوره المدني، عاد إلى مصفوفة المجتمع الأهلي (الطوائف والقوميات والإثنيات)، بعد أن دمر النظام الشمولي مصفوفة المجتمع المدني (طبقات –أحزاب- جمعيات- نقابات)..
-لم يبق في سوريا أية أحزاب سياسية بعد أن أجهزت الشمولية الأسدية الموازية للصدامية على الحياة السياسية السورية التي ظلت متفتحة إلى ما قبل الناصرية والبعث… إذ لم يبق في سوريا اليوم سوى الانتماءات الأولى الأهلية (دينية- قومية- مذهبية- طائفية)، أي أعادوا سوريا إلى نقطة (مادون الصفر) كما حدث في العراق…والسؤال كيف يمكن للحركة الوطنية الديموقراطية السورية أن تقود مجتمعها لكي تعود به إلى (درجة الصفر) مثل العراق لكن بدون مآسيه…وذلك ليتم إعادة بنائه بمقوماته بمفرداته ذاتها، بمكوناته القائمة وليس النظرية المفترضة عن واقع لم يعد موجودا، وعلى هذا ستكون (الديموقراطية التوافقية) المعتمدة لبنانيا (اتفاق الطائف)، أو عراقيا (الدستور العراقي)، تجعل من نموذج (اتفاق طائف سوري) أمرا أقل إيلاما من الحرب الأهلية أو الاحتلال الأجنبي بعد أن استنفذ النظام ممكنات تأهيله على مستوى إصلاحه داخليا بعد أن ” تمأسس الفساد”، أو تأهيله وطنيا أو قوميا بعد أن حسم خياره الأجنبي مع إيران خارج المنظومة العربية …فلابد من الصيغة التوافقية لإنتاج توازنات داخلية تحقق تكافؤ قوى (الملل والنحل) الذي قاد النظام المجتمع السوري إليه، وذلك لكي لا تستقوي إحدى الملل أو النحل على الأخرى باسم أية قضية إيديولوجية كانت (قومية أو طبقية أو دينية)، وعندما يتحقق هذا التوازن الداخلي بدون شوكة أو تغلب هذه الطائفة أو تلك –وذلك لاستحالة ذلك -كما أثبتت التجربة اللبنانية والعراقية استحالة الحرب الأهلية لأن التوازنات فيها لا تسمح لأحد بكسبها، في حين أن المجتمع السوري هو الأكثر أهبة لانفجار حرب أهلية وفق التوقعات والتقديرات الإسرائيلية، بسبب خلل التوازن والاستحواذ الطائفي الأقلوي على القوة والسلطة والثروة …وحين يتحقق ذلك التوازن يتفتح الوعي الاجتماعي والسياسي عن أفاقه الوطنية التي تضيق ذرعا بثقافة الطوائف كما حدث في الانتخابات العراقية الأخيرة ، حيث بدأ يحل الاستقطاب الوطني محل الاستقطاب الطائفي…
هل يحل ذلك مشكلة “خوف الأقليات السورية، قومية أو دينية أو مذهبية” على حد تعبير الأخ بدر الدين، وفق تصوره عن إعادة البناء على أسس حديثة حسب التوافق الحر بين المكونات “القومية والدينية والمذهبية”، أليست فكرة تطمين خوف الأقليات هي بضاعة أمنية تطالب السجين أن يطمئن السجان …كما أوحت بعض الرسائل الصحفية والشخصية بضرورة أن يطمئن رياض الترك حافظ الأسد…!
– طبعا سيأتيك من يقول لك باسم الوحدة الوطنية والقومية- طبعا وبغض النظر عن فتح أبواب سوريا للغزو الثقافي التشييعي الإيراني- هل تقبل بتشكيل أحزاب دينية : مسيحية مثلا رغم أن عددهم في سوريا هبط –وفق بعض الإحصائيات- في ظل النظام (الوطني-العلماني) إلى ما يعادل نصف عددهم قبل انقلاب آذار …! أو أحزاب مذهبية (درزية- إسماعيلية) …للوصول أخيرا لصياغة السؤال الأساسي …هل تقبل قيام (حزب علوي)… طبعا إن التشديد هنا على اسم الحزب الأخير يفرضه إيحاء افتراض: كأنه لم يوجد حزب كهذا حتى الآن …حزب يحتكر كل مصادر القوة والعنف المشروع باسم الدولة وذلك من خلال اقتصار الجيش والمخابرات على الطائفة المذكورة، ولن نتحدث عن أثر هذين العنصريين على فرص الاستيلاء على الثروة والسلطة والنفوذ في داخل الوطن وخارجه…ومن ثم محاربة وحبس المعارضة الديموقراطية بوصفها هي المثيرة للنعرات الطائفية…!؟
– إن التمركز الشديد للأخوة الكرد حول السؤال القومي –حتى ولو كان مشروعا- يدفع ببعض النخب العربية التي حققت انعطافات نوعية على مستوى تملك الوعي الكوني والارتقاء لمفاهيم المواطنة العالمية ، سيما من اولئك الذين قدموا اسهامات في نقد الفكر والخطاب القومي العربي، يستشعرون وكأن هناك من يدعوهم للعودة إلى الوراء…إذ في الوقت الذي يخلع عباءته القومية التقليدية والضيقة الأفق قوميا عربيا يأتيه القومي الكردي ليعيده بأسئلته وهواجسه إلى لحظات عقلية وفكرية كان قد تجاوزها ونقدها على مستوى هويته القومية ذاتها، فكيف به أن يلتحق بأطروحات هي من ذات الدلالة والمعنى لدى الشريك الآخر في الوطن ، ينبغي على الأخوة الكرد أن ينتبهوا إلى مثل هذه المتغيرات في الساحة الثقافية السورية على مستوى التحولات النوعية في الفكر القومي من الكلي إلى النسبي ومن المطلق إلى المتعيّن ليس عربيا فحسب بل وكرديا…
– فليس صحيحا الأطروحة الكردية القائلة بأن (الشعب العربي الحاكم اجتاز مرحلة التحرر الوطني منذ الاستقلال وينعم في ظل دولته القومية وعلمه القومي)… فالشعب العربي لم يحكم أبدا! لأن الشعب العربي –ببساطة- لم ينتخب-يوما- دولته القومية أوالوطنية…والدولة القومية عندما تكون بالشوكة والغلبة، فلن تكون في يوم من الأيام إلا دولة عصبوية وفق المفهوم الخلدوني، والدولة العصبوية هي أفضل وصفة للفتك بالمعنى القومي للدولة القومية أو الوطنية وذلك لأنها لن تكون سوى عصابة تحكم باسم الأمة… ولا أتمنى للكرد دولة قومية من هذا النوع الذي تجرعناه نحن العرب، ولن ندعو لهم بالرزق كمثلها، ولن ننصحهم بتجريب دوائها لأنه لن يكون إلا دواء ساما وقاكم الله وعافاكم…
mr_glory@hotmail.com
• كاتب سوري- باريس