في أعقاب الهجمات الكيماوية التي شُنت مؤخراً في دمشق، بدأ بعض المحللين يركزون حول ما إذا كان لدى الرئيس الإيراني حسن روحاني الرغبة أو القدرة على تغيير سياسة الجمهورية الإسلامية تجاه سوريا. وربما تمت الإجابة على الجزء الخاص “بالرغبة” من هذا السؤال في الأيام القليلة الماضية: فيبدو أن روحاني وحلفاءه يستخدمون الجدل حول الأسلحة الكيماوية ليخوضوا أول مواجهة كبرى لهم مع المعارضين المحليين. فإذا كان الأمر كذلك، فسوف تؤدي نتائج هذه المواجهة – كما هو واضح من طريقة تفاعل طهران مع أية هجمات عسكرية تشنها الولايات المتحدة وحلفاؤها – إلى تقوية الرئيس أو من ينتقدونه. واستناداً إلى الإيمان بأن السياسة الخارجية الناجحة هي المفتاح الرئيسي لوضع حد للأزمة الاقتصادية الإيرانية، فربما يكون روحاني قد قرر أنه لا يمكنه ترك القضية السورية أو المفاوضات النووية أو الشؤون الدبلوماسية الأخرى للمتشددين.
استياء ناشئ بشأن السياسة السورية
أبدى العديد من كبار المسؤولين الإيرانيين ملاحظاتهم العلنية بشأن سوريا منذ شن الهجمات الكيماوية في 21 آب/أغسطس. فقد انتقد روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف استخدام الأسلحة الكيماوية من على موقعي تويتر وفيسبوك على التوالي – رغم أن كليهما كان مبهماً من حيث مُرتكبي الهجمات. وعلى الرغم من أن ظريف ألقى اللوم على الثوار السوريين خلال مقابلة تلفزيونية، إلا أن الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني – الذي يشغل منصب رئيس “مجلس تشخيص مصلحة النظام” ويُعتبر على نطاق واسع الهضبة الصلبة التي تدعم معسكر روحاني – قد وجَّه الإدانة بشكل واضح إلى بشار الأسد. ففي خطاب ألقاه في 1 أيلول/سبتمبر ونقلته في البداية وسائل الاعلام الرسمية ثم خضع للرقابة بسرعة، قال رفسنجاني “نحن نواجه العزل والعقوبات والمقاطعة… ولكننا شهدنا في الآونة الأخيرة خطراً أكبر. فاليوم تدق أمريكا والعالم الغربي وبعض الدول العربية طبول الحرب تقريباً…لقد عانى الشعب السوري كثيراً في العامين الماضيين. فقد قُتل أكثر من 100,000 شخص وتشرد حوالي 8 ملايين مواطن. وامتلأت السجون بالناس، وجرى تحويل بعض الملاعب إلى سجون. فمن ناحية، يتعرض الناس للهجوم بالأسلحة الكيماوية من قبل حكومتهم، ومن ناحية أخرى يتوقعون القنابل الأمريكية”. وبعد أن أثارت التصريحات عاصفة من الانتقادات، أصدر رفسنجاني بياناً حول أهمية الوقوف إلى جانب النظام السوري.
ويتجاوز الاستياء بشأن سوريا فريق عمل روحاني. ففي افتتاحية في صحيفة بهار في 31 آب/أغسطس، قارن سفير إيران السابق لدى لبنان محمد علي سبحاني بشكل صريح بين الأسد وصدام حسين. كما ألقى اللوم على “الاستبداد” باعتباره السبب لما يحدث في سوريا، متحدثاً عن “الحكومات الاستبدادية التي لا تحترم شعوبها على الإطلاق” وعن “الحكام المستبدين الذين ينتهكون حقوق الناس باسم الدفاع عن المقاومة”. وبالإضافة إلى ذلك، أوصى الحكومة بأن تتصرف بحذر لكي تتجنب تورط إيران في مواجهة: “يلتزم على كل حكومة الوفاء بواجباتها الوطنية في غضون إطار عمل يحمي المصالح الوطنية…إن منع حدوث حرب في سوريا أمر جيد، ولكن ينبغي علينا ألا نربط المصالح الوطنية الإيرانية بما يحدث الآن في سوريا…التصريحات المنطوية على التهديد والتأجيج غير ضرورية في الوقت الحاضر”.
ومن المثير للاهتمام أنه عندما زار وفد برلماني إيراني دمشق في 31 آب/أغسطس، كان الجانب السوري (وتحديداً نائب وزير الخارجية فيصل المقداد) هو من صرح أن “الهجوم على سوريا مثله مثل الهجوم على إيران”. ولم يُنقل عن الجانب الإيراني أي شيء من هذا القبيل.
المتشددون يساندون الأسد ويحذرون واشنطن
منذ وقوع الهجمات الكيميائية ضاعف معسكر المتشددين من دعمه للأسد. فعلى سبيل المثال، خلال زيارة البرلماني المتشدد عوض حيدر بور شاهرزاي لدمشق في نهاية الأسبوع الأخير من آب/أغسطس، صرح بأن الغرض من رحلة الوفد هي التعويض عن فشل الحكومة في الوفاء بواجبها المتمثل في دعم الأسد. وأثناء خطاب مسرب لقاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” – قوة النخبة – ألقاه أمام «مجلس الخبراء» صرح بـ “أننا سوف ندعم سوريا حتى النهاية”. وحقيقة أن سليماني كان مدعواً هي غير معتادة كما أنها احتوت على دلالات. بل إن روحاني، الذي هو عضو في «المجلس»، لم يتحدث إلا بعد سليماني. وقد أفادت التقارير بأن الرئيس الإيراني لم يذكر سوريا سوى بشكل مختصر قائلاً “نحن نواصل مساعدتنا الإنسانية للشعب السوري”، مؤكداً على أن إيران سوف تدين أي تدخل عسكري أجنبي.
وفي غضون ذلك، انتقد رئيس «المجلس» محمد رضا مهداوي كاني ضمناً الرئيس روحاني في ملاحظاته الافتتاحية: “ربما لم نصوت له، ولكنه رئيسنا جميعاً. ومع ذلك وكما يقول الإمام [في اشارة إلى مؤسس الجمهورية الإسلامية الراحل آية الله روح الله الخميني] والمرشد الأعلى [في اشارة إلى علي خامنئي] في «مراسم المصادقة»، ‘ نحن لا نصادق بلا قيد أو شرط ‘. فتهانينا ومطالبنا هي أيضاً مشروطة”.
أما بالنسبة لـ”فيلق الحرس الثوري الإسلامي”، فقد أعلن كبار المسؤولين مراراً وبحزم عن دعم إيران غير المشروط لنظام الأسد وحذروا واشنطن من التدخل العسكري. ففي 31 آب/أغسطس، صرح القائد العام لقوات “الحرس الثوري الإيراني” محمد الجعفري أنه إذا هاجمت الولايات المتحدة سوريا فإنه ينبغي عليها أن تتوقع “ردود فعل حتى من خارج الحدود السورية” معتبراً بأن الأمريكيين كانوا “حالمين” لاعتقادهم بأنه “يمكنهم تحجيم التدخل العسكري في سوريا”. كما حذر بأن أي دولة تتعاون مع الإجراء العسكري الأمريكي “سوف تواجه أزمة في أمنها القومي قبل الأوان”. وبالإضافة إلى ذلك، ذكر بأن تصعيد الأزمة السورية من شأنه أن يجلب الخطر على إسرائيل.
وفي 25 آب/أغسطس، وجه نائب رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية مسعود جزائري تحذيرات مماثلة حيث قال، “إن الولايات المتحدة تعرف حدود الخط الأحمر لجبهة سوريا، وأن أي تحرك لعبور الخط الأحمر ستكون له تداعيات شديدة على البيت الأبيض.”
ويحرك المتشددون أيضاً من شبكتهم الدولية دعماً للأسد. ففي 3 أيلول/سبتمبر، عُقد لقاء في طهران تحت عنوان “سوريا: تحصين المقاومة”. وقد حضره العشرات من الطلاب السوريين واللبنانيين والعراقيين، إلى جانب الجنرال الجعفري ونائبه حسين سلامي وأعضاء في جماعات ميليشيا “الباسيج” الإيرانية. وبينما كان يلقى سلامي خطابه أمام الحشد، أعلن “أن الولايات المتحدة منحت نفسها مهلة أسبوعين. ولكن ينبغي عليها أن تعلم بأن الحرب تعيد تنشيط الطاقات وتجدد روح الجهاد لدى المسلمين”.
الخاتمة
باتت السياسة السورية موضوع نقاش عام في إيران، وليس هناك إجماع حول هذا الموضوع بين نخبة البلاد. فلم المرشد الأعلى يدلي بأية تصريحات هامة بشأن الأزمة السورية في الأيام الأخيرة وخاصة منذ أن أعلنت واشنطن عن احتمال تدخلها. وبذلك قد تصبح المسألة موضوع نزاع إرادات بين روحاني ومنتقديه المتشددين في “فيلق الحرس الثوري” والبرلمان و”مجلس الخبراء” وربما فصيل داخل مكتب خامنئي. وعلى النقيض من الرئيس السابق محمد خاتمي الذي تخلى عن السياسة الخارجية بعدما أصبح ضغط المتشددين لا يُحتمل، يبدو روحاني مصمماً على الحفاظ على تأثيره على الدبلوماسية. وتتركز فلسفته الأساسية على إمكانية حل مشاكل إيران الأساسية فقط من خلال معالجة المشاكل الرئيسية في السياسة الخارجية.
وإذا صمد الرئيس الإيراني، فسوف يقل احتمال اتخاذ إيران خطوات استباقية رداً على الإجراء العسكري الأمريكي. وعلى الرغم من أنه من غير الواضح إلى أي مدى يتمكن روحاني من إعادة ترتيب سياسة طهران بشأن سوريا، إلا أن التدخل الأمريكي ضد الأسد ربما يقوي موقفه في وجه منتقديه. لكن، سوف يفسر المتشددون التراخي الأمريكي بأنه علامة على الضعف، وكإشارة على نجاح سلوكهم المتحدي وسياسة “المقاومة” التي يتبعونها. وبعبارة أخرى، فإن التدخل الأمريكي سوف يجعل روحاني يمثل أهمية من الناحية السياسية، ومن المحتمل أن تزيد فرصته في أن يصبح لاعباً محورياً في الدبلوماسية الإيرانية. وقد يعزز ذلك أيضاً من جدية الضغط الغربي على إيران ويعمل كوسيلة ضغط فعالة في المفاوضات النووية.
مهدي خلجي هو زميل أقدم في معهد واشنطن.
وجهة نظر اخرى لهاشمي رفسنجانيوجهة نظر أخرى لهاشمي رفسنجاني* الكاتب الإيراني كاظم علمداري تعريب عادل حبه كاظم علمداري نشر في الأيام الأخيرة على شبكات الانترنت نص خطاب هاشمي رفسنجاني الأخير، الذي تم تكذيبه من قبل مرضية أفخمي الناطقة باسم وزارة الخارجية. فقد أشارت الناطقة إلى أن “تصريحات رئيس “تشخيص مصلحة النظام” قد تم تشويهها وتم تكذيبها من قبل مكتبه”. وقد شكك آخرون بصحة هذه التصريحات. ولكن بعد الاعلان عن هذه التصريحات جرى نشر تسجيل صوتي لخطابه يؤكد صحة تصريحات هاشمي رفسنجاني على الرغم من الشكوك التي أثيرت حوله. إن تصريحات هاشمي رفسنجاني ما هي إلا امتداداً لسياسته في السنتين الأخيرتين،… قراءة المزيد ..