بمناسبة مرور ثلاثین عاما على إنتصار الثورة الإسلامية في إيران أجرت صحيفة “ماينجي” اليابانية حواراً مع سماحة آية الله العظمى المنتظري، وهو من أبرز قادة الثورة و مؤسسي الجمهورية الإسلامية الذي شغل منصب نائب القيادة في العقد الأول من عمر الثورة، و فيما يلي نص الحوار:
السؤال 1: ذكرتم في كتاب مذكراتكم: “إنني كنت أحذر دائما السجّانين و مدراء السجون من المعاملة غير الإسلامية مع السجناء، و كنت دائما أرسل ممثلين إلى السجون ليراقبوا أمر مراعاة الاخلاق الإسلامية و عدم ظلم السجناء و عدم تضييع حقوقهم، فحينما يكون شخص سجيننا لايجوز أن نظلمه حتى و إن كان – حسب قول السادة- من المنافقين. و كان السيد أنصاري نجف آبادي و محمدي يزدي ممثلين عني في السجون و كانوا يلاحظون شكوى السجناء؛ وباختصار فإني كنت معارضاً للتشدد و العنف الحاصل الذي كان يجري بالنسبة لأي شخص؛ و حتى برأيي لا يصح التعبير بـ “المنافق”. (المذكرات، ص 620) .لكن البعض يعتقد أن التشدد و حذف الفئات المعادية للثورة من أمثال مجاهدي خلق أدت إلى إستحكام أسس الثورة الإسلامية إلى الآن. و طبعا هذه النظرية بمعنى قبول إستخدام “القهر الديني حسب الضرورة”. فما رأيكم؟
آیةالله المنتظري : بسمه تعالى. مع السلام و التحية و الإعتذار عن التأخير في الجواب. كما ورد فيما ذكرتموه عن مذكراتي فإن ما كان محل إلتفاتي و حساسيتي في السابق و الحال هو أن لجميع الأفراد سواءاً المعارض أم الموافق حقوقاً إنسانية و يجب أن تراعى تلك الحقوق. و حساسيتي هذه قد زادت أكثر حينما رأيت أن من يُعتقل -و سبب الإعتقال هو معارضته للنظام- يُواجه بأسوأ المواجهات في السجون. و أحيانا الأحكام الصادرة بحقهم لا تناسب جرمهم. و لا تراعى الحقوق الإنسانية بالنسبة لمن يقضي فترة محكوميته في السجن. و الأسوأ من كل ذلك بعد معركة “المرصاد” اعدام بعض من حكم عليه سابقاً بالسجن لفترة أعوام بسبب أنهم كانوا لا يزالون على مواقفهم. إنني لم أكن و لن أكون معارضاً لتنفيذ حكم من يرتكب جرماً و هذا الحكم قد صُدر عن محكمة صالحة مع مراعاة جميع مراحل الدعوى سواءاً من مرحلة صدور قرار الإتهام، و حق إمتلاك المحامي، و حق الإستئناف و ..؛ ولكنني كنت أعتقد أنه أولا لا يمكن مواجهة الفكر بالقوة القهرية، و ثانيا إن صدر حكماً فلماذا لا يمتلك المحكوم عليه حق الدفاع أو حق إمتلاك المحامي أو حق الإستئناف؟!، و لماذا لا يعامل كـ كونه إنساناً؟!، و بكلمة واحدة فإني كنت أنتقد التشدد و العنف و تضييع الحقوق.
طبعا لابد من الإشارة إلى هذا الأمر أن المعارضين أيضا كانوا في فترة من الزمن يمارسون العنف، و كانوا يستخدمون السلاح و بأعمالهم فرضوا العنف و التشدد على النظام و الثورة، و البعض من خلال ممارسة أعمال الإرهاب و الإغتيالات أعطوا ذريعة للنظام ليشدد على المعارضين منذ ذلك الحين و إلى الآن. و من هنا فإن العنف الصادر من قبل الطرفين في الساحة أدى إلى سنّ سنة و نهج سئ لدى المؤسسات الأمنية و القضائية في البلد و ذلك من أجل إستحكام اُسس النظام، و لا زلنا مبتلين به.
السؤال 2: بالرغم من أن سماحتكم قد فقدتم نجلكم الكريم في حادثة إرهابية قام بها مجاهدوا الخلق، إلا أنكم كنت تأكدون على المواجهة المصحوبة بالرأفة الإسلامية، و اقترحتم ذلك على السيد الخميني. بإعتباركم والد من فقد إبنه في حادثة إرهابية، هل كنتم تُكنّون البغض لهذه الفئة؟
آیة الله المنتظري: لايخفى على أحد معارضاتي الفكرية مع منظمة مجاهدي خلق التي غيّرت إيدؤولوجيتها منذ سنوات قبل الثورة. في تلك الفترة كنت مع أشخاص كـ آية الله الطالقاني في السجن و كنا نلتقى معهم و بما أنهم قد غيّروا أفكارهم و كانوا ينتمون إلى الماركسية قمنا بمعارضتهم من الناحية الفكرية و العملية. و منذ تلك الفترة تعرّفت على قادتهم و أفكارهم و رأيت غرورهم الكاذب و بناءاً على هذا رأيناهم بعد الثورة قد فصلوا طريقهم عن الشعب. و بعد ذلك أيضاً لم أتفق مع هذه الفئة أبداً، في حين أنهم كانوا يلتقون بإسمهم و رسمهم و شعارهم مع آية الله الخميني و كانوا يتحدثون معه. طبعا ربما هو أيضا كان يريد أن يتم الحجة عليهم. فالسادة من منظمة مجاهدي خلق كانوا يريدون حصة أكبر و ذلك من خلال طبائعهم الطالبة للإنحصار في السلطة و هذا كان لا يتلائم مع سائر الثوار. فقاموا بأعمال عنف، و لم يقتلوا إبني فحسب بل قتلوا الكثير من الكبار و النخب الحوزوية و الجامعية و كذلك الناس العاديين، و بذلك فرضوا خسائر كثيرة على البلد. في ذلك اليوم الذي استشهد فيه إبني محمد – في 7 تير 1360 [ 28 حزيران 1981]- أصدرت بياناً و إضافة إلى إبداء حزني على فقدان ولد – كان لسنوات قد ناضل و تحمّل التعذيب و التشريد و السجن – كان حزني الأشد هو من أن فتيان ذو نقاء و طهر و حديثي العهد قد انخدعوا بشعارات واهية طرحها زعماء هذه المنظمة، و كان ذلك أصعب من إستشهاد إبني.
السؤال 3: لقد كتبتم رسالتين إلى الإمام الخميني قبل رحيله بتاريخ 9/5/1367 و 13/5/1367، [1988] و ابديتم سخطكم الشديد على إنتهاكات حقوق الإنسان في السجون. هل آية الله الخميني كان غير مطلع عن هذه الإنتهاكات أو المحاكم غير العادلة؟ أم أنه كان مطلعاً و لم يفعل شیئاً؟
السؤال 4: لقد أشرتم في مذكراتكم إلى “حواشي” السيد الخميني إلى هذا الأمر “أن في الأعوام الأخيرة من عمره كان في الكثير من الأحيان يستغل إسمه” (المذكرات، ص 663). و يستنتج أن الإشارة هذه إلى السيد أحمد الخميني أو الشيخ هاشمي رفسنجاني. في تلك الفترة من كانت له القدرة السياسية؟
آیة الله المنتظري: في الجواب على سؤالي 3 و 4 : أستبعد أنه كان مطلع على الوضع السئ في السجون. و بعض الذين كان هو يلتفت إليهم إما لم يستطيعوا و إما لم يرغبوا في أن يقدموا له التقارير، و إما كان حواشيه يلاحظون مراعاة حاله فسعوا على أن لا ينقلوا الأخبار و التقارير إليه. في يوم من الأيام قلت له: سيدنا! إذا كان شخص لا يوافق الثورة و لا يوافقك لكنه منشغل بأمر نفسه و لم يمارس أي نشاط فهل يحق لنا حبسه في السجن؟ فقال: لا !، هل أنا من اصول الدين لكي يوضع من السجن من لا يقبلني؟، كان رأيه مثل هذا. ولكن البعض كان يفعل أشياء بإسمه و رسمه و كانت تحصل أعمال بإسمه و بالنتيجة أدت إلى أضرار و خسائر للإسلام و الثورة و شخص آية الله الخميني.
السؤال 5: سماحتكم في مقابلة سابقة مع الصحيفة في فبراير 2007 قلتم: “أن الثورة كانت من أجل حرية جميع أبناء الشعب، لا حرية الحكومة لتغلق أفواه المعارضين”. الآن و بعد مضي ثلاثين عاماً من حدوث الثورة الإسلامية في إيران، كيف ترونها؟
آیة الله المنتظري: كان آية الله الخميني قد رفع شعاراً و نحن تبعاً له و الناس أيضا بواسطة تلك الشعارات جاءوا إلى الساحة و انتصرت الثورة، و كان الشعار هو “الإستقلال و الحرية و الجمهورية الإسلامية”. الإستقلال قد حصل إلى حد ما، لكن عن الحرية و الجمهورية الإسلامية لا يزال طريق طويل أمامنا. و عن الحرية يجب القول أنه بالرغم من الشعارات الحالية التي يرفعها المسؤولون و نموذج على ذلك ما قالوه في أمريكا بأن إيران أكثر البلاد حرية في العالم، فإن هذا القول غير صحيح و تسحق الحريات المشروعة و المصرّحة في الدستور بسهولة و ذلك من خلال الحصانة التي وضعها السادة لأنفسهم أمام الدستور و الشرع!. و لا تزال الكثير من الأحزاب لا تمتلك الحرية، و بعض الفئات السياسية بسبب معارضتها مع أسلوب الحاكمين اعتبرت غير قانونية. و وسائل الإعلام المادحة للحاكمين هي الحرة فقط و لها أن تقول ما تشاء أو أن تكتب بما تُؤمر به، ولكن الإعلام المستقل عن الحكومة يتحمّل مشاكل من ناحية السلطات و المؤسسات الأمنية و القضائية. و بعض الأشخاص محظورون عن البث و التصوير.
المسؤولين يتحدثون عن وجود الظلم و عدم العدالة في العالم؛ ألا يوجد في بلدنا ظلم و لا عدالة و تعدي على حقوق الآخرين؟!، لقد قلت في خطبة صلاة عيدالفطر: لماذا أغلقتم منذ عشرة أعوام الحسينية التي بنيت بأموال شخصية و كانت محل تدريس الفقه و الاخلاق الإسلامية و إقامة المجالس الدينية؟، بعد قولي هذا رأيتم ما حصل، لقد إعتقلوا حجة الإسلام الشيخ مجتبى لطفي أحد أعضاء المكتب و تعرّض بيته و بيت صهري للتفتيش و صادروا أشياء كثيرة. لماذا إحتلّوا مكاتبنا في مشهد و قم؟
و حول الجمهورية أيضا لابد من القول: مع التدخل الظالم للمؤسسات الإنتصابية كمجلس صيانة الدستور أو بعض المؤسسات العسكرية، تحولت الإنتخابات إلى إنتصابات بشكل عملي. و وصموا أناساً لائقون و ثوريون و مجرّبون في الخدمة إلى المجتمع و الناس وصموهم بتهمة معاداة الدين و النظام و تحت ذرائع واهية، و السبب الوحيد هو أنهم كانوا ينتقدون. و عمليا رفضت صلاحياتهم. و كل من هو في مذاقهم يخرج إسمه من صناديق الإقتراع و يعتبرونهم –خطأ- ممثلين عن الناس!، و من الواضح أنهم وكلاء الدولة لا وكلاء الملة!
إن السادة يلاحظون فقط الولاية المطلقة، ولكنهم يضعون سائر بنود الدستور تحت أقدامهم. إن الولاية المطلقة التي يعتبرها السادة أنها فوق القانون تؤدي إلى حكومة فردية و ديكتاتورية، هذا في حين أنه يجب ان يكون الفقيه -بسبب كونه فقيهاً- مشرفاً على السلطات الثلاثة على أن لا تمارس عملاً مخالفا لموازين الإسلام، لا أن يتدخل في كل جزئيات البلاد، و أن لا تكون أي قدرة للناس و لمن ينتخب بواسطة الآراء الحقيقية للناس.
ومن الأمور الأخرى هي وضعية المعيشة و الإقتصاد. فعلى الرغم من الشعارات المرفوعة نرى ان الناس مبتلون و يبتلون يومياً أكثر من ذي قبل.
السؤال 6: من مضمون رسالتين منسوبتين إلى الإمام الخميني إلى سماحتكم نرى أنه قد حذّركم من ممارسة أي عمل سياسي، و يُستنتج أنكم كنتم مرتبطین بمجاهدي خلق. و دفاعكم عن السجناء بعد الثورة ايضا تزيد تأييد هذا الإستنتاج. و حسب رأيكم إن الثورة يجب أن تكون في خدمة الإسلام و الشعب، و أن تضع الرأفة الإسلامية نصب عينها. ولكن يُستشعر أن معارضيكم يستغلون آرائكم ضدكم و هذا أمر مؤسف.
آیة الله المنتظري: إنني أرى أن المسؤوليات الدنيوية أمر إعتباري و لم أكن أرغب فیها؛ و بناءا على هذا حينما وافق و أيّد خبراء الشعب على آراء الشعب و ذلك بطرح مصوبة عرّفوني من خلالها قائداً مقبلاً، كتبت رسالة إلى رئيس الخبراء و أعلنت معارضتي. و خلال الفترة التي كنت مسؤولاً حاولت ان لا أكون مدّاحاً. و أن لا اغفل عن فريضة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على صرف أنني أصبحت قائم مقام القائد. و أن لا أصمت أمام الأخطاء. فإذا كان رأي آية الله الخميني على أن أكون منعزلاً فكان من الأجدر له أن يقول لي ذلك بشكل ودّي بأنه ليست من المصلحة أن تكون لديك مسؤولية سياسية. و كان هذا هو النهج الصحيح، و لا أن يوجّه لي إتهامات كـ دعم مجاهدي خلق و ذلك من دون أن يطلب مني إيضاحاً لكي يمكنني الدفاع عن نفسي، و أن يقول لي عليك أن لا تتدخل في الأمور السياسية و السياسة. فهل حينما دخلت في ساحة النضال منذ عام 42 [1963] كان ذلك بإذن و رأي أحد لكي أترك السياسة الآن؟!، أفلا نقول أن سياستنا عين ديانتنا؟!، أليس آية الله الخميني بنفسه يقول – في كتاب تحريرالوسيلة، باب صلاة الجمعة- : “إن الذي يقول إن الدين منفصل عن السياسة لم يفهم لا الدين و لا السياسة”؟!، فلماذا يصدر أمر على أنه من عليه أن يتدخل في السياسة و من عليه أن لا يتدخل؟
السؤال 7 : السيد الخاتمي الرئيس السابق كان يبدي سياسة منعطفة تجاه مجاهدي خلق و قبل توبة الكثير من أعضائه و أعطى إذن عودتهم إلى الوطن. البعض يعتقد أن سياسة السيد الخاتمي كان في زمن قد اثمرت فيه المواجهات المشددة التي كانت تمارسها الجمهورية الإسلامية في إيران لتضعيف منظمة مجاهدي خلق. ما رأيكم؟
آیة الله المنتظري : لست مطلعاً عن سياسات السادة، ولكن يوجد من بين أعضاء مجاهدي خلق من غُرر بهم و بسبب بعض المواجهات العنيفة و المشددة قد غادروا الوطن، أو بأي سبب من الأسباب قد ندموا و تعبوا من تعاونهم مع المنظمة، فأتمنى أن يعودوا إلى أحضان الشعب من خلال عفو عام.
السؤال 8: هنالك تحسن مشهود في وضع حقوق الإنسان نسبة إلى الأعوام الماضية في إيران. لكن منظمات حقوق الإنسان الدولية كمنظمة العفو الدولية لا تزال تنتقد وضع حقوق الإنسان في إيران و تطالب بتحسينه. كيف تقيّمون أمر حقوق الإنسان في إيران في الوقت الحاضر؟ و إن كانت هنالك مشاكل فما السبيل لرفعها؟
آیة الله المنتظري: أن يقال أن وضع حقوق الإنسان في الحال الحاضر أفضل من السابق فهو أمر واضح. لكن أولئك الذين يمارسون الإنتهاكات لا يزالون يعتقدون بممارستها لكنهم يسعون أن يدخلوا من دائرة القانون و يظهروا أن أعمالهم قانونية. و الأهم من ذلك إن معظم أعمالهم ليست خافية عن أعين الناس و وسائل الإعلام، و هذا يؤدي بهم إلى أن يضطروا بالجواب. و هذه أرضية مناسبة. لكن للأسف هنالك أشخاص لا يزالون في السجون بجرم إبداء آرائهم الإنتقادية كـ الشيخ هادي قابل و بعض الطلبة. و بعض من كان مسجون في السنوات السابقة قد اُطلق سراحه بكفالات باهظة ولكن لا يُعرف تكليفهم بعد. و بعض الأموال و الأمكان قد احتلت و صودرت و لم تسترجع. و البعض قد حُرم من حق الدراسة أو العمل لأسباب واهية.
في الختام أسأل الله تعالى الرفعة و العزة للشعب، و أتمنى أن تراعوا الأمانة في القيام برسالتكم الإعلامية، و أن تظهروا الحقائق.
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته.