هذه قصة حقيقية وليست من بنات أفكارى، عندما كنت فى مقتبل الشباب وباشمهندس “أد الدنيا” كنت أتقاضى مرتب فى مصر لا يكفى لإيواء طفل فى ملجأ أيتام، ولذلك قررت مثل كثير من أبناء جيلى للسفر إلى بلدان الخليج للإستفادة من حاجتها للمهندسين لأغراض التعمير والبناء وكانت تدفع أضعاف مضاعفة ما كنا نتقاضيه فى مصر، ووقع إختيارى للسفر إلى الرياض، وكانت نقلة كبيرة بالنسبة لى، فالرياض معروفة أنها مدينة شديدة المحافظة وأنا جئت من القاهرة عندما كانت شديدة الإنفتاح! وسمعت كثيرا عن رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والذين كانوا ينتشرون بالأسواق وكنت ألاحظهم وهم يمسكون ب “خرزانة رفيعة” يطرقون بها على أبواب المحلات التجارية وهم يصيحون “صلاة ياولد .. صلاة” وذلك للتنبيه عليهم لغلق محالهم أثناء أوقات الصلاة، وأحيانا أخرى كانوا “يلسوعون” بتلك الخرزانة مؤخرات بعض الأولاد المراهقين الذين يعاكسون البنات فى الأسواق، وكان أهل الرياض يطلقون على رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لفظ “الهيئة” إختصارا، وكأنه لايوجد هيئة غيرهم فى الرياض، وأنا لم أعش فى أى مدينة سوى الرياض لذلك لا أدرى إن كان رجال تلك الهيئة يختلفون عن غيرهم فى المدن الأخرى. وكنت أعتقد أن رجال الهيئة :”ناس بتوع ربنا” ويحاولون حفز الناس على تطبيق بعض شئون الشريعة، ولكنى كنت دائما أتساءل إن كان هناك أى تضارب بين وظيفتهم وبين وظيفة رجال الشرطة.
ويوما كنت أتسوق فى شارع الوزير (عندما كان المركز الرئيسى للتسوق) فى وسط الرياض، وكان الوقت بعد صلاة العشاء، مما يعنى أن المحلات سوف تظل مفتوحة حتى ساعة متأخرة من الليل لأن الوقت كان فى أواخر شهر رمضان الكريم، وكنت أتسوق لشراء بعض الهدايا لأفراد أسرتى وللأصدقاء، وخاصة أنها كانت أول مرة أسافر فى أجازة بعد سفرى من القاهرة ، وبينما أنا مستغرق فى فحص أحدى فاترينات محلات الهدايا، وإذا بى أفاجأ بيد تمسكنى من “قفايا”، وبلهجة أهل نجد (والتى وجدت صعوبة فى فهمها فى البداية) وجدته يصرخ ويقول:”إنت ليش شعرك طويل مثل الحريم؟”
وأخذتنى المفاجأة تماما ونظرت خلفى فوجدت شابا له لحية خفيفة تحاول الإستطالة بالعافية، ممسكا فى يده الخرزانة المعتادة، وبجواره شاب فى سن صغير جدا ويرتدى الزى الرسمى لرجال شرطة الرياض، ويتحلق حولهما أعدادا غفيرة من صبية صغار، و بدا المنظر وكأنهم قبضوا على حرامى سرق حنفية من الجامع!! وأسقط فى يدى؟؟ ماذا أفعل وكيف أتصرف، وبينما أنا أفكر للحظات وجدت رجل الهيئة، يجرجرنى (بمعنى الكلمة) من قفايا متجها إلى جهة غير معلومة؟!! والعيال الصبية الصغار يصيحون ويهللون من خلفى، وإن كانوا فى أحد حوارى القاهرة، لم يكن ينقصهم إلا أن يهتفوا :”هيه .. هيه ..العبيط أهه”، والحمد لله أننى لم أفهم صيحاتهم وهتافهم خلفى، وفجأة برزت لى فكرة جهنمية وهو أننى لا بد أن أستعبط وأسوق “الهبالة على الشيطنة”، فوجدتنى أتحدث للرجل الممسك من قفايا باللغة الإنجليزية، إعتمادا على أنه لا يتحدثها، والسبب أننى تحدثت إليه بالإنجليزية هو أنه فيما يبدو فإن الخواجات يتلقون معاملة مختلفة وخاصة فيما يتعلق بإطالة الشعر، ولم لا؟ فهم كفار (كده .. كده .. رايحيين النار)، ولا ينفع معهم لا أمر بمعروف ولا نهى عن منكر، لذلك تخيلت أن رجل الهيئة سوف يبلع الطعم ويعتقد أننى خواجة ومن ثم يطلق سراحى، ولكنه فيما يبدو طلع أنصح منى، وفوجئت به يقول لى ردا على حديثى بالإنجليزية:
– والله .. تبرطن.. ما تبرطن إنت شكلك عربى إبن عربى!!
ولم أستسلم وإستمريت فى التحدث إليه باللغة الإنجليزية وبلهجة إعتراضية على طريقة القبض علىّ، ولم أستطع أن أقول له مثلا أن سفير بلدى سوف يقوم الدنيا ويقعدها، لأن سفير بلدى لوعلم بالواقعة وقتها لكان حضر بنفسه وحلق لى شعرى بالموسى!!
المهم أخذونى إلى مقر الهيئة فى منطقة لا تبعد كثيرا عن شارع الوزير تسمى البطحاء، ورغم كل شئ رفضت التحدث إليه باللغة العربية، وكلما نظرت ورائى وجدت أن أعداد الصبية ورائى تزداد وكأننا فى مظاهرة سياسية، وكنت ألاحظ فى عيون تلك الصبية كل الأمل أن يشاهدوا إعدامى علنا، أو حلق شعرى وهذا أضعف الإيمان!!
وعند وصولى إلى مقر الهيئة بدأ الصبية الصغار فى الإنصراف وخيبة الأمل تعلوهم لأنهم لم يشاهدوا فىّ يوم!!
ووجدت رجل الهيئة يقول بلهجة آمرة لرجل الشرطة الواقف على الباب :خذوه!! ونظرت إلى البيت فوجدت البيت بناء قديما متهالكا، وعلى رأينا فى مصر: “لو حزموا البيت ده .. كان يرقص”. وعند صعودى للسلالم الحجرية المكسرة، وجدت شابا سعوديا تعدى سن المراهقة بقليل وهو يشتكى بصوت أقرب للبكاء: “أخذونى من السيارة وتركت أخواتى البنات وحدهن”، ونظرت إلى رأسه فوجدتهم قد شقوا له طريقا فى وسط شعر راسه بماكينة الحلاقة، وكان منظرا مضحكا من جهه ومحزنا للغاية من جهة أخرى على أساس أن هناك إحتمال كبير أن أنزل أنا شخصيا على هذا السلم المكسر بنفس هذا المنظر المضحك؟
وصعدت للدور الثانى فوجدت العديد من الشبان أغلبهم سعوديين، وكلهم مقبوض عليهم بنفس التهمة، وهى تهمة إطالة شعرالرأس والتشبه بالنساء، وتعجبت كثيرا وخاصة أننى سبق لى أن قرأت عن سيرة النبى محمد عليه الصلاة والسلام أنه كان له شعر طويل بجدائل ولم يعتبر هذا فى عصره تشبها بالنساء.
وطبعا لم يكن هناك مجال أن تجادل أى أحد فى الدور الثانى فى مبنى “الهيئة” بهذا المنطق،على أساس أنه:”لا جدال فى الدين”.
وعندما وجدت أن خطتى بأن أمثل دور خواجة “يرطن” بالإنجليزية قد فشلت فشلت ذريعا، أستسلمت ووجدتنى واقفا فى طابور الحلاقة لكى أسجل أسمى، وبعد أن سجلت أسمى، وأنا فى الإنتظار لمحت شيخا وقورا فى سن والدى ذو ذقن ناصعة البياض أضفت عليه سماحة وطيبة، وجدتنى أحاول المحاولة الأخيرة للدفاع عن نفسى، وتلك المرة كانت باللغة العربية، فوجهت كلامى للشيخ الوقور، والذى بدا وكأنه كبير “القعدة” كلها:
– تسمح لى بكلمة ياوالدى ؟
(ويبدو أنه سر بكلمة “والدى”)
– تفضل.
– أنا مسافر بكرة مصر علشان أقضى أجازة العيد مع أبويا وأمى، ومايصحش يشوفونى بالشكل ده.
– وإنت ليش ياأخى تطول شعرك؟
– أنا كنت رايح للحلاق لما مسكونى فى شارع الوزير؟
– صحيح إنت كنت رايح للحلاق؟
– والله العظيم أنا كنت رايح أحلق!! (وكانت كذبة .. والحقيقة أنا كنت ناوى أحلق فى القاهرة)
– طيب لو تركتك الحين لتروح للحلاق، وبعدين كذبت، يكون إيش جزاءك؟
– يبقى ربنا لا يتقبل لا صيامى ولا صلاتى.
(ويبدو أن كلامى قد ترك أثرا فى نفسه)، ولم أصدق أذنى عندما قال لبعض مساعديه:
– أتركوه!
فنزلت جريا على السلالم المكسرة بمهارة لاعبى السيرك، وحاول الشرطى على الباب أن يوقفنى على أساس أنه لم ير طريقا فى وسط شعر رأسى، ولكن مساعدى الشيخ أمروه بتركى، وبعد أن خرجت من هذا البيت القديم، أطلقت ساقاى للريح وأعتقد أننى سجلت رقما قياسيا عالميا فى عدو المائة متر فى تلك الليلة، ووصلت سيارتى وأغلقتها ابوابا وشبابيكا، وإبتعدت بأسرع ما يمكن عن منطقة الخطر حتى وصلت لبيتى.
وما زلت أذكر بالخير هذا الشيخ الطيب.
وأذكر تلك القصة بمناسبة ماقرأت عن سيدة الأعمال السعودية والتى قبض عليها بواسطة رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أثناء جلوسها في مقهى عام في الرياض مع الموظف الذي لم يتمكن من إستقبالها في مكتبه بسبب إنقطاع التيار الكهربائي، وقيل أنها عوملت معاملة سيئة فى مقر الهيئة ورفضوا أن تتصل بأهلها وأخذوا تليفونها الموبايل، وأنا أصدق هذا عن تجربة، ورجال الهيئة يتمتعون بصلاحيات واسعة ولاتستطيع الدفاع عن نفسك فى معظم الأحيان، وفى قصتى التى ذكرتها أعتقد أن هذا الشيخ الوقور الطيب كان إستثناء وليس القاعدة. وقد قرأت مقالا رائعا لأحد الأمراء السعوديين من الجيل الثالث ينتقد تصرف رجال الهيئة تجاه تلك السيدة بقلم لاذع وساخر، وكنت أعتقد أن دور تلك الهيئة هو دور إرشادى وليس دور تنفيذى، فهم وكيل النيابة والقاضى والشرطة بإختصار هم “الحكومة” على حد قول أحدهم عندما رد على تساؤل سيدة الأعمال :”أين الحكومة”، فقال لها :”نحن الحكومة”!!
ولا أدرى ألم يقرأ رجال تلك الهيئة قوله تعالى:
“وأدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة”
“وإن كنت فظا غليظ القلب لإنفضوا من حولك”
samybehiri@aol.com
* كاتب مصري- الولايات المتحدة
المصدر ايلاف
حكايتى مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!
في تقديرى أنه لايوجد ما يدهش في هذه الحكاية ومثيلاتها كثرُ .. المدهش حقا ً
هوصياح بعض المثقفين استنكارا لتلك الظاهرة والظواهر الإجتماعية المشابهة ..
مع أنها جميعا ليست أكثر من تعبيرثقافي عن الواقع الإنتاجي لبلدانها(البنية التحتية )
وليس من سبيل لتجاوزها إلا بتغيير أنماط الإنتاج القائمة حاليا على قيم الريع النفطى والعقارى .. حين يتم رسملة هذه الموارد سوف تنشأ بالتأكيد علاقات إنتاج مختلفة
بأطر قفافية جديدة .
حكايتى مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!سالى من شعريها الذهب . هده كلمات من الأغنية السودانية في بداية الثمانينات أو نهاية السبعينات كانت مشهورة لأنها تتحدث عن جمال شعر المرأة الطويل الذهبي اللون, في نفس الوقت اجتاحت العالم الحركة الشبابية التي انطلقت من أوروبا في نهاية الستينات من القرن الماضي وصداها قد وصل إلى مدينة عدن عاصمة ( الجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) حيث ظهرت حركة” ألهيبي” فيها بشكل ملحوظ وكأنة بلد أوروبي , والسبب في دلك هو احتجاج شعبي وبشكل خاص الشباب, على التوجه- السياسي للبلد- المعاكس للمنطق , وهي حد الحريات , وجعل الجميع بلون واحد وشكل واحد ,… قراءة المزيد ..
حكايتى مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!
واسعه قوى يا سمم حكايه شعرك دى ! لان السعوديين كلهم بيربوا شعرهم ! ألف حاجه تانيه ولعلمك لولا الهيئه لكان الاجانب ( فليبينيه وهنود وخلافه ) كانوا يمارسون الرزائل فى الشوارع واسألنى لانى عملت فى مناطق متعدده بالمملكه ياسمسم بتوع الهيئه اغلقوا سوبر ماركت كبير لانهم اكتشفوا انه فيه حجره للمارسه مع الخادمات….. الاخلاق حلوه ياسمسم ولا انت عايز ايه ؟
حكايتى مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!
حكايتى مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!هذا مقال ممتاز عن واحدة من أخطر الظواهر الظلامية فى منطقتنا ؛ وأعني أن تترك الدولة السعودية لهؤلاء البدو غير التعلمين أن تكون لهم سلطة لا تعطيها الدول المتحضرة إلاّ للهيئات القانونية ولأجهزة مثل النيابة العامة فى الدولة الحديثة . إن هذه الهيئة التى لا علاقة لها بمفاهيم عصرية مثل الشرعية وسيادة القانون هى أحد مولدات المناخ الثقافي العام فى المملكة والسائد فى مؤسسات الإعلام والتعليم وغيرها ؛ وهو المناخ الثقافي الذى أنتج 15 إرهابيا من ال 19 إرهابي الذين نفذوا جريمة احادي عشر من سبتمبر 2001 … هؤلاء غير المتعلمين الذين ينتمون لثقافة… قراءة المزيد ..
حكايتى مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!
اخي الكريم
ولم تذكر من السعوديه حسن استقبال ولا رغد معيشه ولا موقف جميل
ولم تذكر سوى االهيئه؟؟؟؟؟؟؟؟
لماذا لم تذكر الدعاره في مصر والسلب والنهب الذي يتعرض له الخليجيين هناك
ومن قال لك ان البلدان خاليه من المعيب
والهيئه زيها زي اي دائره حكوميه يحصل الخطاء من افرادها زيهم زي البشر
حكايتى مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!
صار الحديث عن السعودية موضة 🙂
بالتوفيق للمؤثرين