تصطدم التسوية في لبنان، والتي لا يرقى الشكّ الى حسن نيّات المطالبين بها وحسن مقاصدهم، بطبيعة «حزب الله». ولنقل، ابتداءً، إن المشاريع الطائفيّة، كلّها من دون استثناء، طاردة لسواها، منكمشة عنه أو متعالية عليه. هذه هي الطوائف تعريفاً، وهذه مسالكها التي يتوحّد في الإذعان لها نبيه برّي وسعد الحريري ووليد جنبلاط وميشال عون وسمير جعجع والآخرون.
لكنّ هذه السمة اللبنانيّة جدّاً، مثل معبد جانوس، ذات وجهين. والوجه الثاني، الذي تتراجع أهميّته، اليوم، مفاده «التعايش» تبعاً لنظام «الحصص». فإذا قلّت «حصّة» عمّا ظنّ أصحابها أنّهم يستحقّونه، عبّأوا «جماهير الطائفة» ووظّفوا الشأن الإقليميّ مصحوباً بعدّته الإيديولوجيّة والقاموسيّة، لتوسيع الحصّة.
يصحّ ذلك في أكثر المعارك ضراوةً مما عرفه لبنان الحديث. فهو ينطبق على موسى الصدر في مطالبته برفع «الحرمان»، وعلى رؤساء الحكومات ممن رفعوا لواء «المشاركة». حتّى كمال جنبلاط الذي استدعى المقاومة الفلسطينيّة الى داخل الحياة السياسيّة، صارع لتوسيع «الحصّة» داخل كلٍّ لبنانيّ جامع. ولهذا بقيت هناك صلات وصل لا يصير وهَنها انقطاعاً. وربّما أمكن، من هذا القبيل، فهم بعض المواقف التي ترتجّ أو تتحوّل لدى رموز ظُنّت مواقفهم متحجّرة راسخة: يندرج، في هذه الخانة، انتقال الصدر من «السلاح زينة الرجال» قبل حرب 1975 الى الاعتصام ضدّ الحرب لدى انفجارها، وتحوّل صائب سلام مقترعاً لرئاسة بشير الجميّل، ثمّ متحمّساً لرئاسة أمين الجميّل. أما أن يصير كمال جنبلاط، الذي بدأ شبابه «انعزاليّاً» في أجواء الإدّيّين، قائد الراديكاليّين في مناهضة «المارونيّة السياسيّة»، وأن يمرّ نجله وليد في الطورين، َفمَثَلٌ متطرّف على ما نقصد.
ذاك أن «السياسة»، مقابل القطع، ظلّت تصل، فيما المواقع، مهما بدت متجوهرةً متجمّدة، ظلّت تفرز سوائل تشمّها أنوف في طوائف أخرى. وهذا ليس شأن «حزب الله» الذي تتسبّب برانيّته المطلقة في رسم صورة خاطئة وظالمة عن الطائفة الشيعيّة.
فإلى مطلبه الذي لا يسع أيّ مجتمع طبيعيّ وأيّ دولة سيّدة أن يلبّياه، وهو المقاومة لتحرير أرض سبق أن حُرّرت، هناك الطرد الإيديولوجي الكامل التنظير، الجاهز التماسك. ولنراجع، هنا، كتاب الشيخ نعيم قاسم: «حزب الله، المنهج، التجربة، المستقبل»، الصادر عن «دار الهادي» ببيروت في 2002، أي بعد عقد على «اللبننة» التي نُسبت الى الحزب من جرّاء مشاركته في الانتخابات النيابيّة.
فنائب الأمين العام يرى ان المسلم المكلّف يحتاج «الى مرجع تقليد لمعرفة الأحكام الشرعيّة»، لكنّه يحتاج أيضاً الى «قائد هو الوليّ الفقيه لتحديد السياسات العامّة في حياة الأمّة». وعنده أن المرجعيّة والولاية قد تجتمعان في شخص واحد «كما حصل بالنسبة الى الإمام الخميني (…) وللإمام الخامنئي بعد اختياره للولاية». بيد أن الحزب إذ يلتزم بمبادئ ثلاثة هي أن «الإسلام هو المنهج الكامل الشامل» و «مقاومة الاحتلال الإسرائيليّ»، فإن ثالثها ينصّ على «القيادة الشرعيّة للوليّ الفقيه… وهو الذي يرسم الخطوط العريضة للعمل في الأمّة، وأمره ونهيه نافذان». أما الأخذ بولاية الفقيه فـ «تكليف والتزام يشمل جميع المكلّفين (…) لأن الإمرة في المسيرة الإسلاميّة العامّة للوليّ الفقيه».
فالمسلم اللبنانيّ المكلّف ينبغي، إذاً، أن يمنح ولاءه للوليّ الفقيه، والذي قد يكون أيضاً مرجع التقليد في شؤونه الشخصيّة. والوليّ – المرجع هذا «قد يكون عراقيّاً أو إيرانيّاً أو لبنانيّاً أو كويتيّاً أو غير ذلك (…) فالإمام الخمينيّ، كوليّ على المسلمين، كان (…) يحدّد التكليف الإسلاميّ لعامّة المسلمين في البلدان المختلفة». وإنّما للسبب هذا، فـ «حزب الله»، حين كان يناقش أمر مشاركته في انتخابات 1992، «جرى استفتاء سماحة الوليّ الفقيه الإمام الخامنئي (حفظه الله) حول المشروعيّة في الانتخابات النيابيّة (…) فأجاز وأيّد. عندها حُسمت المشاركة في الانتخابات النيابيّة»، على ما يرى قاسم.
سدّد الله خطى الجنرال ميشال عون وحكّم فيه هذا الوليّ الفقيه.
(الحياة)