مشهد الهجوم على السراي الحكومي، خلال تشييع اللواء وسام الحسن، كان ترجمة لغضب الشارع وليس قرارا صادرا عن قوى 14 آذار او من القيادة السياسية لتيار المستقبل اللذيْن يكابران رغم انعدام الانسجام بين أطرافهما. فحتّى الآن لا خطة سياسية ترفع شعار “التغيير الديمقراطي السلمي”.
تداعيات عملية اغتيال وسام الحسن اظهرت ايضا كم أن قوى 14 آذار هي اسيرة رد الفعل. فالخصم، او الذي خطط للجريمة ونفذها، لم يُفاجأ برد الفعل ولا بغضب الشارع والسنُي منه على وجه الخصوص. فمعروف ان ارتكاب هذه الجريمة سيفاقم الشعور بالغبن السياسي ويزيد من منسوب الاحتقان المتنامي منذ اسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري.
كان المزاج الشعبي السني هو المحرك، هذا ما قاله سلوك قوى 14 آذار. ارتفع شعار اسقاط الحكومة، فيما بقيت الاسئلة حول الخطة بلا اجوبة منهجية. كان الحراك ابن لحظته. لكن: ما هو الهدف الاستراتيجي؟ كيف ستتعامل مع الانتخابات النيابية، قانونا وتحالفات؟ وهل قوى 14 آذار وتيار المستقبل جادة في عملية اسقاط الحكومة؟ وما هي الخطوات المطلوبة لاسقاطها والاتيان ببديل محدد وواضح وممكن؟
رغم اتهام الحريري للنائب وليد جنبلاط بالكذب لجهة مذهبة اغتيال اللواء الحسن، لم يتهيب الحريري القول لجنبلاط نفسه: إنّهم يستهدفون السنّة، فما هو موقفك من الاستمرار في الحكومة؟
الارباك سيد الموقف والحريري يريد ان يواجه الحكومة ويسعى لاسقاطها، من دون ان يستطيع إقناع محازبيه، ولا إقناع قوى 14 آذار، بامكانية ذلك بالاسلوب والمنهج المعتمد.
يقول الحريري، كما قوى 14 آذار، إنّ الحكومة هي في خدمة المشروع الايراني – السوري، كما يعلمون ان جنبلاط ليس في وارد الاستقالة كرمى لعيونهم، بينما يرى كيف أنّ المجتمع الدولي ليس متحمسا لاسقاطها ان لم يكن داعما لوجودها. وما التعديلات التي اظهرتها بعض دول مجلس الامن في موقفها الا تعديلات شكلية تكشف ان اولوياتها في مكان آخر بعيدا من تمنيات الحريري وحلفائه. الموقف العربي كذلك ليس مع 14 آذار، بل ليست هناك رغبة في اعطاء الدعم لمطلب استبدال الحكومة بأخرى محايدة او وطنية.
هذا الإرتباك والتذبذب، بين العصبية المذهبية وقيادة وبلورة مشروع وطني، يفسران انجرار الرئيس الحريري السريع الى حماية رصيده الجماهيري السني الذي يتسرب منذ سنوات نحو أوعية سياسية مذهبية متشددة. لكنه انجرار لن يخفف من هذا التسرب، ولن يحد من تنامي نفوذ التيارات المتشددة، بل سيظهر عجز تيار المستقبل، الاعتدالي بطبيعته، عن منافسة هذه التيارات الأقدر على استثمار الكبرياء السني المجروح، واستيعاب الحنق والغضب السنيين اللذين يساهم في تأجيجهما حزب الله، عبر سلوكه حيال الرئاسة الثالثة. فالطائفة السنية، باعتبارها احد طرفي “الميثاق”، يعتبر سياسيوها ان للمرة الاولى في التاريخ اللبناني الحديث يتم استضعافها باختيار ممثليها في الحكومة، رئاسة ووزراء.
وجاءت مقتلة الحسن لتفجر هذا الشعور وترسخه. وبدا السلوك الاعلامي والسياسي لدى حزب الله، وقوى 8 آذار عموما، غير آبه بتراجع تيار المستقبل سنيا، وهو تراجع ليس لصالح حليفه الرئيس ميقاتي بطبيعة الحال، ولا لحلفائه في 8 اذار، بل في اتجاه التيارات المتشددة.
ترغب قوى 8 آذار وحزب الله تحديدا، ان تحتفي بتراجع تيار المستقبل في الشارع السني وقد يكون ذلك هدفا من اهدافها. ولأننا نُجلّه عن الغباء في السياسة، لا بدّ من السؤال عما إذا كان الحزب يحتاج في هذه المرحلة إلى ترسيخ الشرخ المذهبي، وخلق مناخ ملائم لنمو تيارات مذهبية متشددة وتوسّعها، باعتبارها توفر مشروعية ومبرراً وقوة اضافية لدوام السيطرة والتحكم في الطائفة الشيعية في لبنان خصوصا ان حزب الله ينمو ويتألق في حالات التوتر والانقسام والقتال، سواء كان قتالا ضد العدو او الشريك. هذا ما تكشفه الوقائع قبل الطائف، واظهرته الاحداث بعد العام 2005 وصولا إلى 7 أيّار 2008.
“حزب الله” يبحث عن خصم عسكري، لأنّه يخسر في السياسة، ولا يربح إلا في الأمن والعسكر. في هذا السياق تتموضع المقابلة التي أجرتها جريدة “الأخبار”، مع من قال إنّه “المسؤول العسكري في تيار المستقبل”. فرغم أنّ التيار الأزرق بحّت حناجر مسؤوليه وهم ينفون وجود جناح عسكريّ لتيّارهم، علنا يستدعي “حزب الله” عسكرة “التيار” من خلال تعويم منتحلي صفة. حاجة الحزب إلى خصم عسكري تدفعه إلى أكثر من ذلك، حتى إنّ همسا بدأ يدور حول دور للحزب في تسليح وتدريب وتمويل – بشكل سرّي طبعًا – مجموعات فلسطينية على هامش الطريق الجديدة من أجل رفع الحماسة السلاحية في المنطقة.
في هذا المعنى يمكن القول اليوم إنّ الشيخ أحمد الأسير هو الحليف الموضوعي لحزب الله، تماما كما أنّ حزب الله هو قوّة الدفع الأساسية في نموّ ظاهرة الأسير. والحزب لا يبدو آسفا على “قتل” الإعتدال السنّي في لبنان، الأصحّ أنّه ما عاد يرغب في هذا الإعتدال، في اللحظة العربية الراهنة.