بصراحة.. لم نكن نتصوّر أن يصل عبدالله أوجلان، بماضيه الستاليني والعسكري، إلى مستوى النضوج السياسي الذي عبّّر عنه في “مبادرته السلمية” التي قد تشكّل نموذجاً تحتذيه شعوب أخرى في منطقة الشرق الأوسط، عدا أنها تحفظ “ماء وجه” الدولة التركية وتشجّع قوى السلام فيها على القبول بما اطلق عليه ياسر عرفات قبل عشرين سنة تسمية “سلام الشجعان”.
لا نعرف إلى أي درجة تعبّر مبادرة “حزب العمال الكورستاني”، التي نهلّل لها، عن تقاليد “الطاعة” التي غرسها أوجلان في حزبه (هذه التقاليد التي ندينها..) أو عن إدراك الشعب الكوردي (الذي كنا دائماً ندعم قضيته) عن ضرورة الخروج من دوّّّامة العنف المتبادل وفتح بوّابة السلام والتأخي، أي بوابة الحل الديمقراطي، مع تركيا. ولكن، لا يسعنا سوى مقارنة النضج السياسي الذي تعبّّر عنه هذه المبادرة الكودرية الرائعة، وغير المسبوقة، مع موقف حزب “الطاشناق” الذي يقود “الشتات الأرمني” من إتفاق المصالحة مع تركيا الذي عرضه رئيس دولة أرمينيا على أرمن الشتات قبل توقيعه.
ملايين الأرمن في العالم رفضوا الإتفاقية الأرمنية التركية مع أن الأرمن يملكون دولة معترفاً بها من كل دول العالم! الأكراد (أو الكورد)، الذين لا يملكون دولة، أرسلوا مقاتليهم لتقديم عرض سلام للدولة التي تضطهدهم!
هذا نموذج يستحق التقدير من شعبٍ شجاع، ومضطهد، ومقسّم بين 3 دول!
الشعب الكوردي يتطلّّع نحو المستقبل. بعض أرمن الشتات يصرّون على العيش في ماضي الأحقاد!
أخيراً، متى تعبر “طوائف” الشرق الأوسط المتقاتلة “حدود” بعضها البعض (مثلما فعل الكورد الشجعان، وقبلهم الشعب الفلسطيني) لتنتقل معاً من مفهوم التكتلات الطائفية إلى مفهوم.. “المواطنة”؟
“الشفّاف”
*
عبرت عصر اليوم الأثنين 19 أكتوبر من بوابة الخابور ( إبراهيم الخليل ) الحدودية بين العراق وتركيا، مجموعة من حزب العمال الكوردستاني، مؤلفة من 34 شخصاً ( ثمانية مقاتلين، والآخرون لاجئون كورد في مخيم مخمور للاجئين وهم مواطنون للجمهورية التركية ويقيمون منذ أكثر من عقد ونيف في المخيم المذكور بينهم 4 أطفال )، متوجهين إلى تركيا كمبعوثي سلام من حزب العمال الكوردستاني إلى الدولة التركية، محملين برسائل سلام إلى رئيس الجمهورية عبد الله غول ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ورئيس البرلمان التركي محمد علي شاهين ورئيس أركان الجيش الجنرال إلكر باشبوغ. وكان في استقبالهم على الطرف التركي من الحدود ما يربو على الـ 100 ألف كوردي، في الطليعة منهم أحمد تورك وأمينه آينا رئيسا “حزب المجتمع الديمقراطي” الممثل الوحيد للكورد في البرلمان التركي، إضافة إلى برلمانيي الحزب ورؤساء البلديات في مدن وبلدات كوردستان تركيا الذين ينتمون إلى “حزب المجتمع الديمقراطي”. وقد لجأت السلطات التركية منذ صبيحة اليوم الأثنين إلى احتياطات أمنية وعسكرية فائقة على المعبر الحدودي الذي أغلق بالكامل أمام حركة الذهاب والإياب والتبادل التجاري بين تركيا وإقليم كوردستان العراق في ساعات الظهيرة، لأسباب أمنية.
يجنحون للسلم تلبية لنداء قائدهم أوجلان …
ويأتي توجه المجموعة إلى تركيا، تلبية للنداء الذي وجهه زعيم العمال الكوردستاني عبد الله أوجلان من سجنه في جزيرة “إيمرالي” التركية خلال لقائه بمحاميه في 9 أكتوبر الجاري، لإتاحة المجال أمام العملية السلمية التي أطلقتها الحكومة التركية، وتشهد في الآونة الأخيرة انسداداً وقهقرى، سيما بعد الاجتماع الأخير لمجلس الأمن القومي التركي في الأسبوع الأخير من شهر أغسطس المنصرم، والتصريحات المحبطة التي صدرت من رئيس أركان الجيش الجنرال إلكر باشبوغ ووزير الداخلية بشير آتالاي.
وقد أوضح محمد شريف غنج داغ الناطق باسم المجموعة للصحافيين في الطرف التركي من الحدود، أن مجيئهم إلى تركيا لا يندرج في إطار الاستفادة من قانون الندم الذي يشملهم بالعفو لو نزلوا من الجبال واستسلموا للجيش التركي، وإنما مجيئهم هو بهدف ضخ بعض الهواء في رئة السلام الذابلة، امتثالاً لنداء زعيمهم المعتقل في سجن “إمرالي” التركي منذ أحد عشر عاماً، رافضاً ما يشاع في الإعلام التركي عن ندمهم واستسلامهم والأقاويل التي تعد خطوتهم مقدمة لإلقاء حزب العمال الكوردستاني أسلحته دون مقابل.
النقاط التسع لحل القضية الكوردية في تركيا …
مبعوثو حزب العمال الكوردستاني من أجل السلام في تركيا، دخلوا إلى الطرف التركي من الحدود محملين برسائل عدة، موجهة إلى المؤسسات الأربع الرئيسة للدولة التركية، وهي : رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء، ورئاسة أركان الجيش، ورئاسة البرلمان، وقد تلا محمد شريف غنج داغ الناطق باسم مبعوثي السلام نص الرسالة الموجهة إلى الدولة التركية التي تضمنت محفزات خطوة العمال الكوردستاني في إرسال مجموعة من مقاتلي وأنصار الحزب إلى تركيا، إضافة إلى أن الرسالة تضمنت تسعة نقاط يقترحها حزب العمال الكوردستاني لحل القضية الكوردية في تركيا، وهذه النقاط هي :
1- تسلّم الدولة التركية خارطة الطريق التي أعدها قائدهم عبد الله أوجلان من أجل حل القضية الكوردية بالطرق السياسية والسلمية الديمقراطية إلى المخاطبين والمفاوضين، وإعلانها على الرأي العام.
2- إيقاف العمليات العسكرية التي يشنها الجيش التركي، وفتح الطريق أمام حل القضية الكوردية بالطرق السلمية والديمقراطية، واحترام الإرادة الحرة للشعب الكوردي، واتخاذها أساساً في الحوار مع الكورد.
3- أن يعيش الشعب الكوردي كجزء من أمة تركيا الديمقراطية حراً ومتساوياً مع الآخرين على أساس هويته القومية وبضمانة دستورية.
4- التكلم باللغة الأم الكوردية بحرية في كل مكان من تركيا، وتعلمها، وتطويرها، وأن يحيا الكورد مع قيمهم التاريخية وثقافتهم وجغرافياهم في لغتهم.
5- أن يسمي الكورد مواليدهم بأسماء كوردية، وتعليمهم الكوردية، وتنشئتهم باللغة الكوردية.
6_ إحياء الشعب الكوردي تاريخه وثقافته وفنه وأدبه بحرية وتطويرها وحمايتها.
7_ تطوير الكورد لتنظيمهم المجتمعي الديمقراطي على أساس من هويتهم القومية، وممارسة السياسة الديمقراطية، وتعبير الكورد عن أنفسهم بحرية.
8_ وضع حد للمظالم والميليشيات وحماة القرى العملاء في القرى والمدن الكوردية والعيش بأمان كاف.
9_ دمقرطة تركيا وإعداد دستور مدني ديمقراطي لأجل ذلك.
كل حزب بما لديهم فرحون …
تقاطر الكورد من المدن والبلدات الكوردية القريبة من المعبر الحدودي والبعيدة بمئات الكيلومترات إلى مدينة “سلوبي” التابعة لولاية “شرناخ”، وقد قدرت الصحف التركية تعدادهم بنحو خمسين ألف شخص، فيما قدرت فضائية “روج” الكوردية ووكالة أنباء فرات تعدادهم بأكثر من 100 ألف شخص. وقد نصبت على مقربة من الحدود الخيام منذ يوم أمس الأحد، استعداداً لاستقبال مبعوثي حزب العمال الكوردستاني من أجل السلام. كما وأقيم في الموقع مسرح كبير لإلقاء الكلمات وإقامة الحفل الفني. جدير بالذكر، أن “حزب المجتمع الديمقراطي” هو الذي تكفل بكل التحضيرات على الضفة الكوردية، ويكاد يكون الحزب هو الجهة الوحيدة الشرعية والقانونية في تركيا التي توجّهت بكل زخمها إلى منطقة سلوبي لاستقبال مبعوثي العمال الكوردستاني. فقد كان على رأس وفد الحزب رئيساه أحمد تورك وأمينه آينا، إضافة إلى خمسة عشر نائباً من كتلة الحزب البرلمانية.
ليس بعيداً عن مواقع أنصار حزب المجتمع الديمقراطي، أحكمت قوى الأمن والجيش التركية الطوق حول معبر الخابور الحدودي، وأغلقته اعتباراً من الساعة الحادية عشرة صباحاً. وقد نقلت فضائيات تركية إخبارية صور لمئات السيارات ومئات عناصر الأمن والشرطة والجيش التركي على مقربة من المعبر، وقد تابع التطورات في منطقة الحدود عن كثب مستشار وزير الداخلية أوصمان غونيش، ومعاون المدير العام للأمن مصطفى غوجلو، وقائد قوات الجندرمة في شرناخ، وذلك لإطلاع مسؤوليهم على ما يجري هناك.
محكمة طارئة على معبر الخابور …
استعداداً لدخول مبعوثي حزب العمال الكوردستاني، وبغية إجراء تحقيق أولي معهم في نقطة الحدود، أرسل المدعي العام للجمهورية في مدينة ديار بكر أربعة مدعين للتحقيق مع الوافدين الـ34، وفي حال قرر المدعون الأربعة بعد الانتهاء من الاستجواب الذي سيحدد التوصيف القانوني لوضع كل عضو في المجموعة إصدار مذكرات توقيف بحقهم، فإن ذلك سيتم بالتنسيق مع عدلية مدينة سلوبي، فيما سيحدد المدعي العام في ديار بكر السجن الذي سيحال إليه الموقوفون.
وقد وصل إلى معبر الخابور الحدودي أيضاً 45 محامياً، لأجل حضور التحقيق الأولي الذي يجري مع أعضاء مجموعة السلام، يتقدمهم رئيس فرع “آمد” (ديار بكر) لنقابة المحامين محمد أمين آكتار. وقد منع جهاز أمن المعبر 5 محامين من دخول نقطة التفتيش حيث يجري التحقيق مع أعضاء المجموعة الوافدة, في حين سمح لكل من البرلمانيات: غولتان كشاناك، بروين بولدان، فاطمة كورتولان، والبرلماني أفق أوراس بدخول نقطة التفتيش، حيث تتم الاستجوابات.
أنقرة خلية نحل …
كانت العاصمة أنقرة أمس الأثنين أشبه بخلية نحل. فرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ألتقى بمستشار جهاز المخابرات (“ميت”)، وحضر بعدها اجتماعاً لوزراءه الأعضاء في مجلس الأمن القومي، للتنسيق حيال اجتماع مجلس الأمن القومي التركي الذي سيعقد غداً الثلاثاء بناء على دعوة من رئيس الجمهورية عبد الله غول. ويحتل الانفتاح على الكورد وحل قضيتهم الصدارة على أجندة الاجتماع، الذي سينجلي عن موقف مؤسسات الدولة التركية من المسعى السلمي لحزب العمال الكوردستاني، هذا المسعى المؤسس على مبادرة قائده السجين عبد الله أوجلان، التي لاقت تجاوباً سريعاً ومنقطع النظير من الحزب الكوردي وأنصاره.
مجموعة سلمية أخرى من أوروبا…
لن يكتفي حزب العمال الكوردستاني فقط بإرسال مجموعتي اليوم القادمتين من مخيم مخمور للاجئين وجبال قنديل. فالمقرر بحسب تصريحات قياديين في الحزب ومنابر إعلامية مقربة منه، أن الحزب سيرسل مجموعة سلمية أخرى في الأيام القادمة إلى تركيا، وهذه المرة من نشطاء الحزب في الشتات الأوروبي، ومن المقرر أن تصل مجموعة أوروبا إلى تركيا في غضون أسبوع.
ملاحظة : لا تزال التحقيقات على المعبر الحدودي تجري مع أعضاء المجموعة الـ 34 إلى ساعة كتابة هذا التقرير الإخباري.
mbismail2@hotmail.com
“حزب العمال الكوردستاني” غزا تركيا.. سلماً!
عزيزيي مصطفى إسماعيل كاتب هذا المقال
هدفك من المقال كما فهمت هو أن تقول بأن الاكراد موزعين بين 3 دول وليست اربع دول
لعلمك بأن الاكراد في سورية باقون وسيبقون كالجدار في وجه التعريب .
الى مقال آخر