الصورة: بنجامين نتنياهو وإلى يساره رئيس الأركان “غادي إيزنكوت” في احتفال إداء القسم في شهر فبراير
في العام 1967، خطّط قادة الجيش لاحتجاز رئيس الحكومة”ليفي إشكول” في القبو إذا لم يُذعن لمطالبهم بتوجيه ضربة عسكرية لمصر وسوريا!
بقلم “”رونين بيرغمان” في “نيويورك تايمز”
تل أبيب- في معظم البلدان، تراقبُ الطبقة السياسية المؤسسةّ العسكرية وتمنع قادتها من خرقِ حقوق الإنسان أو من اتّباع سياساتٍ خطرة أو عدوانية. ما يحدث الآن في إسرائيل هو العَكس. فالسياسيون هم الذين يدوسون، بصفاقة، قِيَمَ الدولة وقوانينها ويبحثون عن حلولٍ حربية، في حين يسعى قادة “قوات الدفاع الإسرائيلية” وقادة أجهزة الإستخبارات لتهدئتهم وردعهم!
ويمثّل العرض الذي قدّمه بنجامين نتنياهو للسياسي المشاكس والقومي المتطرّف “أفيغدور ليبرمان” لتولّي منصب وزير الدفاع الفصل الأخير في الحرب التي تدور بين السيد نتنياهو وقادة الجيش والإستخبارات- تلك الحرب التي لا يبدو أنها ستنتهي عاجلاً، والتي يمكن أن تسيء إلى حكم القانون وحقوق الإنسان في البلاد، أو أن تسفر عن حملة عسكرية خطرة، ولا لزوم لها.
ينظر رئيس حكومة إسرائيل إلى المؤسسة الدفاعية كمنافس لسلطته، وكخصمٍ لأهدافه. إن تعيين السيد ليبرمان، وهو متطرّف متسرّع ومتهوّر، على رأس القوات المسلحة هو بمثابة إشارة واضحة بأن التسامحَ إزاء معارضة الجنرالات ورؤساء أجهزة الإستخبارات قد انتهى. فالسيد ليبرمان معروف بأنه يسحق بلا هوادة كل من يعارض وجهات نظره.
وقد بدأت الجولة الجديدة من الحرب في 24 مارس: حينما آطلق الرقيب في الجيش “إيلور عازاريا” النار وقتل مهاجماً فلسطينياً كان قد طعن أحد رفاق الرقيب عازاريا وذلك بعد إصابة الفلسطيني بجروح وسقوطه أرضاً. وقد أدانت قيادات الجيش الإسرائيلي عملية القتل. وصرّح ناطق بلسان رئيس أركان الجيش، الجنرال “غادي إيزنكوت”، أن “ذلك لا يمثّل قوات الدفاع الإسرائيلية، وتلك ليست قِيَم جيش الدفاع الإسرائيلي”.
ولكن السياسيين اليمينيين أبدوا تأييدهم لسلوك الرقيب عازاريا. وأعلن رئيس الحكومة أن “جنود جيش الدفاع الإسرائيلي، وهم أبناؤنا، يواجهون إرهابيين جاؤوا لقتلهم. وعليهم أن يتخذوا قراراتهم في لحظة الحدث”. أما السيد ليبرمان، وكان آنذاك مجرّد رئيس لحزب يميني متطرف معارض لنتنياهو، فقد حضر جلسة المحكمة العسكرية تأييداً للرقيب القاتل. وعلاوة على ذلك، فقد اتصل السيد نتنياهو بوالد الرقيب بالهاتف ليعرب عن دعمه لإبنه!
لقد اخبرني أحد جنرالات جيش الدفاع الإسرائيلي أن القيادة العسكرية تعتبر تلك المكالمة الهاتفية بمثابة تحدّي كبير لسلطتها. وقد اختار نائب رئيس الأركان، الجنرال يائير غولان، أحد أكثر التواريخ حساسية في الروزنامة الإسرائيلية، عشيّة الإحتفال بذكرى “المحرقة اليهودية”، لإعلان ردّ فعله: وألمح إلى أن إسرائيل اليوم، في نواحٍ معينة، تشبه ألمانيا في ثلاثينات القرن العشرين!
وردّ السيد نتنياهو بأن كلمات الجنرال غولان تسيء إلى إسرائيل و”تسترخص المحرقة اليهودية”. ولكن وزير الدفاع موشيه يعالون، وهو رئيس سابق للأركان وعضو في حزب السيد نتنياهو، آعلن تأييده لموقف الجيش. وطالب كبار الضباط في اجتماع عام بأن يعربوا عن آرائهم بحرّية، حتى لو تعارضت أراؤهم مع آراء القادة السياسيين.
ردّا على ذلك، استدعى رئيسُ الحكومة وزيرّ الدفاع، السيد يعالون، لـ”نقاشٍ عاجل لتوضيح الأمور”. وبعد ذلك مباشرةً، عرض السيد نتنياهو على السيد ليبرمان أن ينضمّ إلى الإئتلاف الحكومي مع أعضاء البرلمان التابعين له، وأن يتولّى وزارة الدفاع.
في تاريخ إسرائيل القصير، كان قادة الجيش وقادة المخابرات، في الغالب، هم الذين يدعون إلى استخدام القوة العسكرية، وقد أعربوا في مرات عديدة عن احتقارهم للقانون ولحقوق الإنسان. وفي الغالب، كان السياسيون الإسرائيليون أكثر رزانة.
ففي العام 1954، أمر رئيس جهاز “الإستخبارات العسكرية”، من خلف ظَهر رئيس الحكومة “موشي شاريت”، بتنفيذ مجموعة من العمليات الإرهابية في مصر بهدف تأجيج النزاع بين مصر من جهة، وأميركا وبريطانيا من جهة أخرى. وفي العام 1967، طالب قادة الجيش رئيسَ الحكومة “ليفي إشكول” بأن يسمح بتوجيه ضربة عسكرية لمصر وسوريا. وحينما طلب منهم رئيس الحكومة التريّث، فقد خطّطوا لاحتجازه في القبو إلى أن يُذعن لمطالبهم!
ما الذي دفع الجيش وأجهزة الإستخبارات للتحوّل إلى حمائم، في حين أصبح السياسيون من الصقور؟ في العقود الثلاثة الأخيرة، باتت المؤسسة العسكرية واجهزة الإستخبارات أكثر حذراً بالنسبة لخرق القوانين. وقد أثّر فيهم خطر الملاحقة أمامن المحكمة الجنائية الدولية. علاوةً على ذلك، فالمؤسسة الدفاعية تعمل لصالح المصلحة الوطنية، وليس بناءً على اعتبارات إيديولوجية، أو دينية، أو انتخابية. كما أن كبار قادة الجيش والإستخبارات يعرفون عن كَثَب طبيعة الإحتلال الإسرائيلي للاراضي الفلسطينية- وكلفةَ ذلك الإحتلال.
ولكن النزاع بين المؤسّستين السياسية والدفاعية يمكن أن يُلَخّص، وبالدرجة الأولى، بكلمتين: بنجامين نتنياهو. فالعديد من ضباط الجيش والإستخبارات الذين خدموا في عهده يكرهونه، بكل بساطة. وقال لي “أوزي آراد”، الذي عمل كـ”مستشار للأمن القومي”: “لقد قلت لنتنياهو أن هنالك هوّة من عدم الثقة بينه وبين قادة الجيش والإستخبارات”. وقال لي رئيس “الموساد” السابق، “مئير داغان”: “إنه أسوأ رئيس تعاملت معه. لقد استقلت من وظيفتي لأنني لم أعد أتحمّل التعاملَ معه”!
وفي العام 2010، دخل السيد نتنياهو في نزاع شديد مع رئيس الموساد السيد داغان، ومع زميليه “يوفال ديسكين”، مدير جهاز الامن الداخلي، “الشين بيت” آنذاك، والجنرال غابي أشكنازي، الذي كان رئيساً للأركان. وكانت وجهة نظر قادة الجيش والإستخبارات أن خطة رئيس الحكومة لشن هجومٍ عسكري يستهدف مرافق إيران النووية كانت تقوم على اعتبارات انتخابية، وأنهاكانت ستورّط إسرائيل في حرب لا لزومَ لها. وأكثر من ذلك، فقد اعتبروا أنه كان ينوي تنفيذ خطّته بصورة غير قانونية، أي بدون الحصول على موافقة الحكومة عليها.
وقال لي رئيس “الموساد السابق السيد دوغان: “لقد تعاملت مع عدد من رؤساء الحكومات. ولم يكن أي منهم نقيّاً أو ورعاً. ولكنهم جميعاً كانوا يتمتّعون بميّزة مشتركة- فحينما كان الواحد منهم يصل إلى نقطة تتعارض فيها مصلحته الشخصية مع المصلحة الوطنية، فإن المصلحة الوطنية كانت تعلو دائماً”. ولكن السيد داغان كان يعتقد أن السيد نتنياهو هو الإستثناء النادر للقاعدة المذكورة!
لقد اصطدم السيد نتنياهو مع المؤسسة الأمنية حول عدد من المسائل، ابتداءً من اقتراحات تحسين أوضاع الفلسطينيين في الضفة الغربية (التي عارضها رئيس الحكومة) إلى الإتهامات التي وجّهها نتنياهو إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس بأنه يحرّض على الإرهاب (يقول جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، “الشين بيت”، أن السيّد عبّاس يكافح الإرهاب)، وإلى اقتراح السيد نتنياهو بترحيل أُسَر الإرهابيين (لا يؤيد جهاز “الشين بيت” الإقتراح، في حين يعتبر النائب العام أنه اقتراح مخالف للقانون). كما عارض جهاز “الشين بيت”، وجهاز “الموساد، الحرب على حركة حماس” في غزة في العام 2014، وطريقةَ إدارتها بقيادة السيد نتنياهو.
في بعض محادثاتي مع ضباط كبار في الجيش حول تعيين السيد ليبرمان وزيراً للدفاع، طرح بعضهم، ولكن مع ابتسامة، إمكانية القيام بانقلاب عسكري! إن ذلك الِإحتمال ما يزال مستبعداً. وستحلّ لحظة التحدي الأكبر للعلاقة بين السياسيين اليمينيين وكبار قادة الجيش إذا ما سعى السيد ليبرمان لدفع الجيش للقيام بالأشياء التي اقترحها هو في الماضي.
فما الذي سيفعله قادة الجيش والإستخبارات إذا ما أصدر الوزير الجديد أمراً يحظر ملاحقة الأفراد الذين يرتكبون جرائم على غرار الجريمة التي ارتكبها الرقيب الإسرائيلي إيلور عازاريا في الخليل؟ إو إذا ما أمر السيد ليبرمان، كما فعل في الماضي، بأن تقوم إسرائيل باغتيال قادة “حماس” إذا لم يعيدوا رفات الجنود الإسرائيليين، أو بـ”غزو غزة”، أو بـ”قصف سدّ أسوان”، كما اعلن سابقاً، في حال نشوب حرب مع مصر؟ هل سينفّذون أوامره، أم سيرفضون تنفيذها لأنهم قادرون على فهم أبعاد الكارثة التي ستتسبّب بها مثل تلك الأعمال، حتى لو تحمّلوا شخصياً نتائج رفض تنفيذ الأوامر؟
يكتب “رونين بيرغمان” في النيويورك تايمز الأسبوعية، وهو كبير مراسلي “يديعوت أحرونوت لشؤون الدفاع والإستخبارات. وهو يعمل حالياً على كتاب عن تاريخ “الموساد”.