علق أحد السياسيين الايطاليين المخضرمين ذات يوم على من كان يعيره بمكوثه طويلا في الحكم قائلا: “السلطة تستنفد من لا يمارسها”!
ولكن عندنا في لبنان لم يتمكن وزير من “الصمود” أكثر من أشهر معدودة في الحكومة أمام اغراءات وشهوات السلطة، رغم رفعه شعار محاربة الفساد وقيام زعيم التيار الذي ينتمي اليه بالتهجم المستمر على الفاسدين والسارقين.
قبل أيام كشف النائب غازي يوسف عن أن وزير الاتصالات جبران باسيل قاوم بالتفاوض مع احدى الشركات الفرنسية (“سوفريكوم”)، واتفق معها بطريقة “التراضي” على أن تشغل احدى شركتي الخليوي في لبنان (“ألفا”)، التي ينتهي عقدها آخر هذا الشهر.
وقد قام باسيل بذلك من دون الرجوع الى مجلس الوزراء، ومن دون أن يجري استدراج عروض أو تنظيم مناقصة كما تقتضي الأصول القانونية. وأكد يوسف أن لديه وثائق تثبت ذلك، وترجح أوساط مطلعة أن باسيل تقاضى عمولة من أجل محاولة تمرير الاتفاق، خصوصا وأن الشركة ليس لديها خبرة في مجال تشغيل وادارة شركات الخليوي.
وقد أدى تفاعل هذه الفضيحة الى طرح الموضوع على مجلس الوزراء اللبناني في الجلسة المقرر عقدها اليوم السبت. كما أكد رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، بعد لقائه رئيس الجمهورية أمس في القصر الجمهوري، أن لا علم له له بالأمر، وأن باسيل لم يستشره في الأمر.
وخلال المؤتمر الصحافي الذي عقده باسيل للرد على المعلومات التي أوردها يوسف، بدا مربكا ورفض أولا التعليق، ثم حاول الدفاع عن نفسه من دون أن ينفي حصول مفاوضات مع الشركة الفرنسية، ولكنه نفى أن يكون وقع أي اتفاق، وأنه يحتفظ بحقه في الرد خلال جلسة مجلس الوزراء. أما ميشال عون، فلم يدلي بأي تصريح، علما ان باسيل هو صهر الجنرال وقيادي في “التيار الوطني الحر”.
وقد درج عون منذ عودته الى لبنان على كيل التهم بالسرقة والفساد على كل من شارك في السلطة في زمن الوصاية السورية، وركز هجومه باستمرار على السنيورة ناعتا اياه أكثر من مرة ب”سارق الخزينة”. وتحول شعار محاربة الفساد الى لازمة في خطابات وتصريحات عون الأسبوعية، مدغدغا عواطف وشعور جمهور واسع من المؤيدين، خاصة في الوسط المسيحي، عبر الغمز من وقت الى آخر من قناة سعد الحريري (وضمنا الشهيد رفيق الحريري)، محاولا تأليب المسيحيين على السنة. ولكنه لم يقدم يوما اي اثبات، أو أي مستند، ولم يطالب على الأقل مجلس النواب بفتح تحقيق أو تشكيل لجنة تحقيق في التهم والفضائح التي يتكلم عنها طيلة وجوده في المجلس منذ أكثر من ثلاثة سنوات.
واذا صحت فضيحة الخليوي، فيكون “السحر قد أنقلب على الساحر”، مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية، خصوصا وأن باسيل تحوم حوله منذ مدة شبهات كبيرة، على خلفية اثراء مفاجىء، وسريع، وغير مشروع. وهو أساسا مهندس شاب، من عائلة معروفة من جميع أبناء مدينته البترون، عائلة غير ميسورة وأحوالها عادية مثل أحوال كثيرين من الطبقة المتوسطة.
أما اليوم، وبعد ثلاثة سنوات من دخوله المعترك السياسي مع عون، أصبح يملك أكثر من منزل وفيلا في البترون، وفي الرابية حيث يسكن. كما أن هناك كلام كثير عن مشاريع وأموال يديرها باسيل، بالاضافة الى “حصة” حصل عليها من “حزب الله” للمشاركة في بناء مساكن من ضمن مشروع اعمار الضاحية الجنوبية لبيروت الذي تديره مؤسسة “وعد” التابعة ل”حزب الله”.
ومعروف ان باسيل سيخوض الانتخابات النيابية المقبلة عن دائرة البترون، على رأس لائحة متحالفا مع أحد المرشحين من المنطقة الجردية، في مواجهة لائحة 14 آذار التي يرأسها بطرس حرب متحالفا على الأرجح مع مرشح “القوات اللبنانية” النائب الحالي أنطوان زهرا. ولكن مشكلة باسيل أن لا حليف قوي له، والمرشحون المطروحين لدخول اللائحة هم عمليا مقربين من التيار، ولا قاعدة لهم في الوسط والساحل البتروني، ولا يتمتعون بقوة تجيرية يمكن ان يستفيد منها باسيل.
وقد بدأ الناخبون يتداولون أخبارا ومعلومات عن قيام باسيل والتيار العوني بتوزيع مساعدات عينية، في القرى البترونية، يتم تسليم قسما منها قبل الانتخاب، والقسم الآخر بعد اعلان النتائج. ناهيك عن المشاريع التي يعلن باسيل انه سيؤمنها للمنطقة، وعن مشاريع أخرى تم اقرارها منذ فترة، ولكنه يحاول تسويقها مجددا كمشاريع تمكن من تحقيقها خلال الشهر التي مضت على وجوده في الحكومة.
s.kiwan@hotmail.com