انفجاران محدودان استهدفا امس محلان لبيع الكحول في الحي القديم لمدينة
صور، وآخر استهدف فندق “كوين اليسا” على الكورنيش البحري الجنوبي في
المدينة، وفصلت بين الانفجارين دقائق قليلة. اقتصرت الاضرار على
الماديات، ولعل توقيت الانفجار فجرا حال دون وقوع اصابات بالارواح، في
وقت ذهبت بعض التحليلات الى الربط بين احد الانفجارين، اي الفندق،
باستهداف قوات اليونيفيل الذي يرتاده بعض موظفيها وعناصرها، علما ان
اضرارا طفيفة طالت بعض السيارات التابعة لهذه القوات والمتوقفة الى جانب
الفندق.
التساؤلات هذه قد تكون معقولة، لكنّ مصادر دبلوماسية غربية معنية في
بيروت اكدت انها تنتظر “نتائج التحقيقات الرسمية والدولية الجارية لتحديد
الموقف”. وكشفت هذه المصادر ان “قيادة اليونيفيل، لاسيما القوات الفرنسية
والاسبانية والايطالية، ابلغت في وقت سابق الحكومة اللبنانية واعلمت كذلك
حزب الله انها اعدت خطط انسحابها من لبنان وستنفذها في حال لمست انها
مستهدفة باعتداءات امنية او عسكرية في ظل عجز لبنان عن كشفها او
ايقافها”. واضافت ان “قوات هذه الدول ليست مستعدة لتقبل استهدافها من دون
ان يكشف الجناة، كما هو حال التفجيرات التي حصلت على مداخل صيدا الشمالية
والجنوبية وغيرهما في فترات سابقة”. وختمت هذه المصادر بالقول ان “الجانب
اللبناني سواء في الحكومة او على صعيد حزب الله، يبدي اهتماما في استمرار
قوات اليونيفيل في مهامها لتنفيذ القرار 1701”.
بين فرضيتي “الكحول” و”اليونيفيل”، الرد الفعل الاولي بحسب مصادر
دبلوماسية هو “تشديد الاجراءات من قبل قيادة القوة الدولية على عناصرها،
بمزيد من الحد من حرية تنقلهم، في مدينة صور بالحد الادنى”، رغم رسالة
وزير الداخلية التطمينية. لذا لا تعفي فرضية استهداف اليونيفيل، رغم
استبعادها رسميا، من التساؤل، ان لم يكن التشكيك. فلو اقتصر الامر على
محل بيع الكحول، البعيد عن اماكن تنقل وتواجد عناصر اليونيفيل، لما اثار
استهدافه اي شبهة على هذا الصعيد، بخلاف التفجير في الفندق الذي يرتاده
عادة عناصر من اليونيفيل.
لا شك ان التفجيرين يتخذان اهمية اضافية لتوقيتهما وسط التطورات العاصفة
التي تشهدها سورية داخليا واقليميا، وفي ظل مخاوف يروج لها من حصول
تطورات امنية وعسكرية في المشهد اللبناني الداخلي، وصولا الى التحسب من
حرب الاسرائيلية. وفي معزل عن الهدف الامني المباشر من التفجيرين، فإنهما
يأتيان على ايقاع عنوانين لا يمكن تغييبهما كرسالة تحذير: الفوضى
والاصوليات. لاسيما في مقاربة مسألة الكحول بهذا الاسلوب غير المسبوق في
المدينة. فهل هناك من يحاول القول ان هذا الملف سيكون محوريا في المرحلة
المقبلة وبهذا الاسلوب ومن قبل الحالة الاصولية السنية؟ هذا خصوصا ان
ثمة اتفاقا ضمنيا ومعروفا قائما بين حركة امل وحزب الله، القوتين الابرز
في المدينة ومحيطها، على عدم المسّ بحرية بيع وتناول الكحول في مدينة
سياحية كصور. ويأتي ذلك في ظل قراءة ترى ان ايا من الاطراف الفاعلة في
الجنوب ليست في وارد توجيه رسائل حادّة الى قوات اليونيفيل، وهي باتت
اقرب إلى أن تتحسس بدرجة طبيعية مصالحها وتتلمس حدود التمايز مع مصالح
النظام السوري.
ويعزز من هذا التوجه، ان الاختبارات والرسائل الامنية في لبنان باتت لا
تخفف اثقالا عن النظام السوري المنهك. فضخامة الحدث الذي توسع وتوغل في
الداخل السوري وامتد اقليميا ودوليا زاد من هامشية الساحة اللبنانية
وافقدها فرصة ان تشكل متنفسا يلجم المخاطر ضد النظام او يحد منها. فكرة
الثلج كبرت بعدما تدحرجت، وباتت الازمة امام تسارع يطرح اسئلة جدية حول
تماسك المؤسسات العسكرية والامنية الاسدية، في ظل ادراك النظام ومؤيديه
ان المخاطر على هذا الصعيد تنبع من بنيته الداخلية وانهماكه في مواجهتها.
في كل الاحوال اظهرت التحقيقات الرسمية الاولية، على ما اعلن وزير
الداخلية والبلديات مروان شربل، ان لا استهداف لليونيفيل في هذين
التفجيرين بل هدفهما الخمور. اذن الانهماك الامني والسياسي الرسمي نحا في
اتجاه استبعاد قوات اليونيفيل عن الاستهداف، فيما علّق نائب المتحدث باسم
“اليونيفيل” اندريا تننتي على الانفجارين بالقول: “نحن بانتظار المعلومات
من السلطات اللبنانية”. واكد انه “لا يوجد اي مؤشر بان اليونيفيل كانت
مستهدفة “.
تضخيم مساحة التأثير اللبناني اقليميا مع ازدهار الربيع العربي باتت
هواية …متهاوية.
alyalamine@gmail.com
* كاتب لبناني
البلد
إقرأ أيضا: