منذ 2002 اتضحت الخطوط العريضة للإستراتيجية الجديدة التي قرر تنظيم القاعدة نهجها في إطار ما بات يعرف بـ”عولمة الإرهاب”. وتتوخى هذه الإستراتيجية فتح جبهات إقليمية تروم تحقيق الأهداف التالية: أ ـ نقل المواجهة ضد الغرب إلى مجالاته الحيوية وعلى حدوده وداخلها. ب ـ تشكيل قواعد خلفية للتخطيط والإعداد وتنفيذ العمليات الإرهابية. ج ـ تخفيف الضغط عن التنظيم الأم في أفغانستان، خاصة بعد انضمام باكستان إلى التحالف الدولي في حربه على الإرهاب. في إطار هذه الإستراتيجية ركز تنظيم القاعدة على شمال إفريقيا ليجعل منها قاعدة خلفية ويؤسس بها فرعا إقليميا لما توفره المنطقة من عوامل تخدم التنظيم وتحقق مخططاته. وأبرز هذه العوامل:
1 ـ وجود شباب متحمس “للجهاد” ولتنفيذ مخططات تنظيم القاعدة، خاصة أولائك الذين تلقوا تكوينهم الإيديولوجي والعسكري في معسكرات باكستان وأفغانستان، وعادوا إلى بلدانهم وكلهم رغبة وحماس في مواصلة “الجهاد” ضد مواطنيهم. يقول علي العلام أحد المغاربة الأفغان ( شخصيا كانت تلك الفكرة حاضرة عندي، بل كانت من الأولويات، كنت موطدا العزم على تجسيد تجربتي الأفغانية في المغرب.. كنت قد جئت بعقيدة الولاء والبراء، حيث لا مجال للمداراة والمداهنة، فالكافر كافر، والمؤمن مؤمن ” ما فيها لا إلاّ ولا حتّى “، فليس كل من تسمى بعبد الرحمان أو ما شابهه يعتبر مسلما.. لقد عملت على نشرها ـ أفكار التطرف ـ، ولحد الآن فالناس الذين انتشرت بينهم منهم من زاد تطرفا.. أقول للتاريخ إنني طلبت من بن لادن أن ننقل العمل المسلح للمغرب.. أنا شخصيا لا أومن بالحل الديمقراطي، وأعتقد أن الجهاد لا زال ضروريا ) ( الصحيفة عدد 35 ـ 12 أكتوبر 2001 ).
2 ـ وجود بنيات تحتية لنشر عقائد التكفير وثقافة القتل ( مساجد خارج المراقبة، منشورات على أوسع نطاق، خلايا وتنظيمات متطرفة في كل المناطق.).وهذا ما أكده وزير الداخلية شكيب بن موسى، نهاية شهر نونبر 2007 أمام البرلمان ( الإرهاب ما زال قائما يهدد سلامة الدولة والمجتمع، مستندا في ذلك على وجود عناصر متشبعة بالعنف وبأيديولوجية التطرف تقوم بنشر أفكارها على نطاق واسع).
3 ـ وجود شبكات نشطة في استقطاب الشباب وتجنيدهم للقتال ضمن صفوف تنظيم القاعدة في العراق أو تنفيذ عمليات انتحارية. وقد كشفت التحقيقات التي باشرتها السلطات الأمنية في المغرب والعراق على خلفية اعتقال مغاربة هناك، أنه تم إرسال أزيد من 37 مغربيا خلال سنة 2007.
4 ـ الانفلات الأمني الذي تعانيه الجزائر مما مكن التنظيمات المتطرفة من بسط هيمنها على مناطق شاسعة أقامت بها معسكرات التدريب ومراكز التأطير وإدارة العمليات الإرهابية.
5 ـ القرب من أوربا التي تمثل هدفا لتنظيم القاعدة، من جهة، ومن أخرى ممرا آمنا يعبره “الجهاديون” نحو العراق وأفغانستان وبقية المناطق التي تستهدفها التنظيمات المرتبطة عضويا أو إيديولوجيا بتنظيم القاعدة.
6 ـ وجود مناطق شاسعة لا تخضع للمراقبة الأمنية أو العسكرية وهي المسماة بمنطقة الساحل وجنوب الصحراء. وخطورة هذه المناطق الشاسعة التي تتقاسم السيادة عليها عدة دول دون أن تكون لها الإمكانات التقنية واللوجيستيكية الكافية لبسط السيطرة عليها، تكمن في تحولها إلى مجال آمن تستغله التنظيمات المتطرفة في تدريب العناصر المستقطبة على القتال وتنفيذ العمليات الانتحارية، لدرجة أن خطورتها باتت تزعج الحكومات الغربية. وهذا ما أكده أوغوست هنينغ كاتب الدولة في الداخلية الألماني لما نبه إلى كون هذه المنطقة تكوّن بمعدل عشرة إرهابيين كل شهر، وأن هناك ما لا يقل عن 150 إرهابيا ينتظرون إشارة تنفيذ عمليات إرهابية في المنطقة المغاربية.
وبالفعل تشهد المنطقة تزايدا مثيرا في العمليات الإرهابية التي لم تعد تستهدف فقط التجمعات السكنية لعموم المواطنين، بل باتت تركز على الأهداف العسكرية والأمنية، ضمن مخطط يعتمده تنظيم القاعدة الذي سبق وأشار إليه فرع التنظيم ببلاد المغرب الإسلامي في أحد بياناته كالتالي ( فالمجاهدون يخبئون لأعداء الله ببلاد المغرب الإسلامي مفاجآت كثيرة ستأتي في سياق متسلسل وفق خط تصاعدي.. عازمون على استهداف مقراتهم ومراكزهم وثكناتهم بكل وسائل النسف والقصف والتدمير الممكنة ). فجاءت العمليات الإرهابية أشد خطورة في أساليبها ونوعية أهدافها كالتالي:
ـ استهداف مقر الحكومة ومقر الشرطة بالجزائر.
ـ استهداف الرئيس الجزائري بوتفليقة بعملية انتحارية في باتنة.
ـ استهداف ثكنة عسكرية بشاحنة مفخخة بالأخضرية.
ـ استهداف ثكنة للجيش بدلس.
ـ استهداف أهم المواقع الإستراتيجية في العاصمة الجزائر حيث مقري المحكمة العليا والمجلس الدستوري.
طبعا لم يحصر تنظيم القاعدة أنشطته الإرهابية ضمن حدود الجزائر، بل يعمل على توسيعها لتشمل كل شمال إفريقيا. وفي هذا الإطار تندرج عملية اغتيال السياح الفرنسيين بموريتانيا يوم 24 دجنبر 2007 وكذلك الهجوم على موقع عسكري حدودي بالغلاوية في موريتانيا يوم 27/12/2007. ولولا يقظة الأجهزة الأمنية في المغرب لوقعت، لا قدر الله، عمليات إرهابية لا تقل خطورة عن التي عرفتها الجزائر. ومما لا شك فيه أن انضمام الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا إلى شبكة التنظيمات التابعة لتنظيم القاعدة كما أعلن عن ذلك أيمن الظواهري يوم 3/11/2007 الذي دعا إلى الإطاحة بالأنظمة القائمة في ليبيا وتونس والجزائر والمغرب، سيزيد من خطورة العمليات الإرهابية ومن مداها. الأمر الذي يستغله تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي، من جهة، لبسط هيمنته على المنطقة والتخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية عابرة للحدود، ومن أخرى إيجاد ملاجئ آمنة للتخفي والتدريب والتخطيط. مما يعني أن تنظيم القاعدية بصدد تحويل الساحل وجنوب الصحراء إلى ” تورا بورا” شمال إفريقيا. لذا يتوجب على دول المنطقة، وخاصة الدول المغاربية أخذ التهديدات التي يطلقها تنظيم القاعدة الأم أو الفرع ببلاد المغرب الإسلامي، على محمل الجد، ومن ثم بذل قصارى الجهد الأمني والعسكري لإفشال مخططات القاعدة وضمان أمن المنطقة واستقرارها.
selakhal@yahoo.fr
* كاتب وباحث مغربي