خلف شاشة الكمبيوتر، في مكالمة فيديو، تحدق “فائزة هاشمي رفسنجاني” مباشرة في الشاشة، مرتدية حجابا أسود ووشاحا أسود وأبيض بنقوش مربعة.
ابنة الرئيس الإيراني الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني (الذي توفي رسميا بنوبة قلبية عام (2017) تخضع الآن للملاحقة القانونية وممنوعة من مغادرة طهران بسبب تصريحات أدلت بها في مقابلة حديثة مع موقع إلكتروني إيراني حول اغتيال والدها، حيث شبّهت مصيره بمصير “أمير كبير”، رئيس الوزراء في الدولة القاجارية في عهد “ناصر الدين شاه” (أغتيل في يناير 1852).
تقول بهدوء: “كنتُ فقط أكرر ما قالته أختي فاطمة سابقا”.
لكن مع لجوء المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي إلى القمع للبقاء على قيد الحياة بعد حرب دامت 12 يومًا مع إسرائيل، فإن حتى إطلاق كلمة قد تؤدي إلى السجن. تدرك فائزة هذا جيدا. فقد سُجنت عدة مرات.
تتكئ على كرسيها، وكوب الشاي في يدها، هذه المعارِضة الشرسة للحجاب الإجباري، والتي ترتديه هي نفسها، تُصفّي حساباتها بجرأة مع نظام ساهم والدها في تأسيسه، ولكنه نأى بنفسه عنه في سنواته الأخيرة.
كان هاشمي رفسنجاني، الملقب بـ”الإيراني الطليعي”، شخصية محورية في الجمهورية الإسلامية، وشغل تقريبا كل منصب هاماً: رئيسا للبرلمان في بداية الجمهورية الإسلامية (1980)، ورئيسًا للجمهورية (1989-1997)، ورئيسًا لمجلس تشخيص مصلحة النظام. وبعد اتهامه بإصدار أوامر بقتل مثقفين ومعارضين في أواخر التسعينيات، أصبح من أشد منتقدي ولاية الفقيه، وهي هيئة تمنح القائد سلطة شبه مطلقة.
تذهب فائزة إلى أبعد من ذلك اليوم: “السلطة المطلقة تؤدي إلى الديكتاتورية، وعندما تكون هذه السلطة دينية، فإنها تفتح الباب أمام الفساد وجميع أنواع التجاوزات”.
تدين هذه المسلمة المتدينة “الإسلامَ السياسي”، وتدعو علنا إلى إلغاء ولاية الفقيه. وتعتبر نفسها من أنصار “جمهورية غير إسلامية”، وتنتقد بشدة التعايش المختل بين المرشد المحافظ، آية الله علي خامنئي، المعيَّن مدى الحياة من قبل مؤسسة دينية، والرئيس الإصلاحي، مسعود بزشكيان، المنتخب من الشعب، والذي يُصادق عليه مجلس صيانة الدستور، وصلاحياته محدودة.
هل هذا هو سبب امتناعها عن التصويت في الانتخابات السابقة؟
تجيب: “التصويت يعني إضفاء الشرعية على سلطة دمّرت الاقتصاد، وانتهجت سياسة خارجية خاطئة، وقمعت الحريات الفردية، وأبعدت الناس عن الدين الحق”.
مع ذلك، فهي ليست بأي حال من الأحوال من أنصار الحل العسكري أو التدخل الأجنبي. تستذكر ليلة من القصف الإسرائيلي العنيف، فتقول: “كنتُ وحدي في منطقة شيرغا”، في شمال طهران. قلتُ لنفسي: إن دخلوا طهران، فإما أن يقتلوني أو يعتقلوني”.
ترى فائزة، التي تنتقد جمود الإصلاحات الداخلية وخطر انزلاق البلاد إلى الفوضى نتيجة التدخل الأجنبي، حلا واحدا فقط: إجراء استفتاء على مستقبل إيران السياسي.
وتقول: “لسنوات، اتخذت الحكومة قرارات باسم الشعب، وكانت النتيجة انتهاكا لحقوق المواطنين وحرية التعبير”.
وتضيف: “الشرط الوحيد للبقاء في منصب القيادة هو انتخاب القائد بالاقتراع الشعبي المباشر لفترة محددة مدتها أربع سنوات. أنا شخصيا أؤيد نظاما رئاسيا قائماً على أسس ديمقراطية حقيقية”.
ينصبّ اهتمامها الرئيسي على استعادة حق الشعب في تقرير مصيره. تؤكد فائزة، التي ترى في العصيان المدني المحرك الحقيقي للتغيير، قائلةً: “الشعب يسبقنا، وعلينا أن نتبعه”.
وفي هذا السياق، شهد المجتمع الإيراني في الأشهر الأخيرة تحركات مدنية عفوية، بدءا من ماراثون شاركت فيه مئات النساء من دون حجاب، وصولا إلى احتجاجات العمال في منطقة عسلوية ضد ظروف العمل غير الملائمة. حركات شعبية تُظهر، بعيدا عن القادة والشخصيات البارزة، بوادر تغيير اجتماعي.
كونها ابنة مسؤول رفيع المستوى في النظام منحها في البداية نوعا من الحصانة، وفي الوقت نفسه مكّنها من فتح آفاق جديدة للنساء: من قواعد اللباس المختلفة في الجامعة إلى رئاستها لاتحاد الرياضة النسائية، حيث شجعت كرة القدم وركوب الدراجات، وهما رياضتان كانتا محظورتين على النساء. بعد دخولها البرلمان (1996-2000)، واصلت نضالها من أجل تمثيل المرأة في الملاعب، وهو مطلب تحقق أخيرًا عام 2023، تحت ضغط من الفيفا.
ترشّحت للرئاسة مرتين، عامي 1997 و2021، لكن مجلس صيانة الدستور استبعدها في المرتين. تُعَدُّ مجلة “زن” الأسبوعية، التي أسّستها عام 1998، من أبرز إنجازاتها، وقد أُغلقت تحت ضغط المتشددين بعد نشرها مقالاتٍ حول المساواة بين الجنسين ورسالة من فرح بهلوي.
لن يُجدي ذلك نفعا في ترهيب هذه المعارضة التي ترفض التراجع. ففائزة، الني اعتُقلت عام 2009 احتجاجا على انتخاب أحمدي نجاد المثير للجدل للرئاسة، وحُكم عليها بالسجن ستة أشهر عام 2012، انضمّت إلى حركة “المرأة، الحياة، الحرية” بعد وفاة مهسا أميني، وسُجنت مجددا.
“كنتُ في سجن إيفين مع مجموعةٍ متنوّعة من السجينات من صحفيات وناشطات إلى منتميات لمجاهدي خلق ومن المنتمين لرضا نجل الشاه الراحل. هناك، تعرّفتُ أكثر على القمع الذي يُمارس ضدّ البهائيين؛ قمعٌ لا أساس له دينيا ولا قانونيا.”
في الوقت نفسه، حذرت في رسالة بعنوان “سجن داخل سجن” من نزعات استبدادية لدى بعض السجينات، قائلة: “واجبنا فضح الديكتاتورية، سواء أكانت في السلطة أم بيننا”.
وتمتد صراحتها إلى السياسة الخارجية أيضا. ففي معرض انتقادها للدعم الباهض الذي تقدمه الجمهورية الإسلامية لحلفائها السابقين في “محور المقاومة”، تقول فائزة: “طوال هذه السنوات، نأت البلاد بنفسها عن التوازنات الإقليمية”.
ووفقا لها، تواجه إيران اليوم أزمة مياه وكهرباء، وتراجعا في مكانتها الإقليمية، ولا سبيل لحل مشاكلها الداخلية دون تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة. وتؤكد: “لو كان البرنامج النووي حقا في مصلحة الشعب، لما شهدنا كل هذه الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي”.
وتضيف: “كما قال والدي، عالم الغد هو عالم المفاوضات، لا عالم الصواريخ”.
ورغم الانتقادات الموجهة لماضي عائلتها السياسي، يرى كثيرون في موقفها الحالي علامة واضحة على القطيعة. تقول: “أعلم أن ليس الجميع يحبني، ولكن عندما أتحدث، أتحدث باسمي الشخصي، دون الانتماء إلى حزب أو منظمة.”
وتؤكد على ضرورة تشكيل معارضة متماسكة على المدى البعيد، ولكنها تعلق آمالها حاليا على الشعب، وخاصة الشباب الذين “يتمتعون بتواصل قوي مع العالم”: “الشعب الإيراني هو صانع التغيير، وهو أشجع منا وأكثر تقدمًا من الحكومة”.
ترجمة “شفاف”
