لازال الانقسام العربي احد منطلقات الوضع العربي. فالعلاقة بين القادة العرب محملة بتصورات في معظمها شخصية، كما انها لا تستند الى رؤية شعبية او مسؤولية تجاه قاعدة انتخابية. فكل ملك وقائد ورئيس يمثل رؤيته والتي قد تنسجم مع ما هو مطلوب وقد تتناقض مع المتطلبات الحيقيقية لبلاده ومجتمعه. لقد اصبح الحد الادنى العربي باهتا وضعيفا ومقترن بغياب للرؤية وتكرار في المواقع واختفاء للحراك. لهذا الغموض والضعف هو سيد الوضع العربي. ومع ذلك طرحت اليمن رؤية عندما قرأتها وجدت فيها ما قد يساهم في اصلاح حال جامعة الدول العربية. لكن القمة استمرت تكرر نفسها وفوتت فرصة التفكير بجامعة عربية اكثر تطورا وتقدما وعصرية.
لقد تضامن مؤتمر القمة العربي الاخير مع المعركة الجديدة بيننا وبين العالم: درافور والسودان. لقد تحولت المحكمة الدولية التي تهدد بمحاكمة الرئيس السوداني عمر البشير الى عدو جديد للعرب. فمجرد توجيه اتهام من قبل المحكمة الدولية لرئيس دولة عربية اعتبرت القمة ذلك تدخل صارخ في الشأن العربي الداخلي.
و لو كان للعرب محكمة خاصة عربية قادرة على الممارسة المستقلة وتوجيه اتهام للدول العربية التي تنتهك حقوق الانسان لما وصل الامر لمحكمة العدل الدولية. ان المتتبع لدرافور يعرف ان تجاوزات كبرى وقعت بحق الانسان وبحق سكان درافور، وان عشرات الالوف قتلوا ودبحوا اضافة الى تهجير الملايين، وانه لو كان للرئيس البشير قد اتخد موقفا قياديا ومسؤولا بصورة مبكرة في مواجهة المحسوبين على نظامه لكان نجح في لجم المجازر. المشكلة الاكبر اننا نطلق العنان لعصابات تقتل وتنهب ونتوقع ان لا يحرك هذا احدا في العالم. تاريخ العرب الحديث مليئ بهذ. ولكن العالم يتغير من حولنا وما كان ممكنا قبل عشرين عاما لم يعد ممكنا اليوم، والمحاكم الدولية قد تنتقي هي الاخرى القضايا الاكثر جدية فتركز عليها لتخيف اخرين يتجاوزون حقوق الانسان. الم يقع بعض ما يقع اليوم في بلادنا في امريكا اللاتينية بدءا بالنظام الارجنتيني؟ الم يقع نفس الامر في اوروبا الشرقية؟ فلماذا يكون الشرق الاوسط استثناءا؟ فالانسان هو الانسان، ودماء السودانيين يجب ان لا تكون ارخص من دماء الاوروبيين واللاتينيين.
ان الشرق الاوسط استثناء بنظرنا لان اسرائيل في منطقتنا تمارس ظلما كبيرا بحق الانسان وبحق الشعب العربي في لبنان وفلسطين. وربما يحق لنا ان نصرخ لماذا يعامل العالم اسرائيل وكأنها من كوكب ويطبق عليها معايير مختلفه؟ نعم يحق لنا ان نتضايق، وان نسعى ونطالب، فنضالنا من اجل حق تقرير المصير الفلسطيني وحق الدول العربية في السلام والحدود الامنه وعودة اراضيها لا يتناقض مع حقيقية ان ما قام به نظام البشير في درافور هو الاخر خطأ كبير بحق الانسان السوداني كما كانت في السابق اخطاء صدام جرائم بحق الانسان العراقي والايراني والكويتي. ان تغاضي دول كثيرة في العالم عن الجرائم الاسرائيلية حتى الان لا يعني اننا نقر ونقبل الجرائم العربية التي تصدر عنا بحق شعوبنا. يجب ان نكون كشعوب، كعرب، من اكثر الحريصين على مبدأ الحقوق في كل مكان وعلى انفسنا اولا.
والمؤسف الان ان السودان اجل انتخاباته الديمقراطية. لقد سبق للرئيس السوداني ان وعد السوادنيين بانتخابات ديمقراطية هي الاولى منذ ان اغتصب السلطة بانتقلاب في اواخر الثمانينات. في المرحلة القادمة سيعاني السودان كبلد ووطن وسوف يتورط بمعركة سببها رئيسه، وقد يصب كل هذا بامكان تقسيم السودان الى عدة اجزاء. سيدخل هذا السودان في نفق مظلم. ان الاسلم للسودان لا يخرج عن ما اقترحه الترابي الخارج من السجن منذ ايام: ان يسلم البشير نفسه للمحاكمة ويحمي السودان وشعبه من الضغوط والعقوبات والمقاطعة بسبب اخطاء القيادة.، بل ربما الافضل ان يستقيل على الاقل، وينأي بالسودان من كارثة محققة.
الى متى تدفع الشعوب العربية اخطاء قياداتها ولا يترك لها خيار الا بعد دفع ثمن باهظ.؟ ان ما وقع في السودان يعكس ما قد يقع في دول عربية عديدة. حتى الان لم يمر العالم العربي بثورة ديمقراطية؟ انها قائمة بشكلها السلبي في شارع عربي يزداد ضيقا. ونتساءل لماذا لم يلامس مؤتمر القمة العربية هذه المسائل؟ ثم نتساءل: من اين يأتي التطرف العربي، ومن اين يأتي العنف ولماذا تتوالد حالة الغضب في الشارع العربي؟
shafgha@hotmail.com
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت