ثمة ضجة كبيرة هذه الأيّام في الكويت. كان يمكن لهذه الضجة أن تكبر أكثر وأن تسيء إلى استقرار الوضع الداخلي، وذلك بسبب وجود بعض الشخصيات غير المسؤولة التي تبحث عن ضجيج من أجل الضجيج من جهة ولإثبات أن لها حيثية ما من جهة أخرى.
هناك كلام عن “مؤامرة” واشرطة مسجلة. وهناك كلام كبير يمسّ القضاء ويشير إلى “فساد” مستشر. وهناك تجمعات غير مسموح بها تستهدف اثارة القلاقل والبلبلة. ولكن،ّ هناك أخيرا وآخرا الكويت التي تقف في وجه كلّ المشاريع الهادفة إلى المسّ بالوحدة الوطنية في وقت تعصف بالمنطقة كلّها حال من اللاتوازن بقيت الكويت بعيدة عنها إلى حدّ كبير.
من حسن حظ الكويت أنّها تمتلك قيادة تعرف أن ثمّة حدودا لا يمكن تجاوزها. لا تتحرّك هذه القيادة إلّا في الوقت المناسب من أجل تأكيد الثوابت مجددا والتذكير بها لمن لا يحبّ أن يتذكّر، وذلك تفاديا لغرق المركب بالجميع. من هذا المنطلق، تحدّث أمير الدولة الشيخ صُباح الأحمد عن أنّ “لا تهاون في حماية أمن الوطن وسلامة المواطنين” مضيفا بلهجة حاسمة: ”لن نسمح بالمس بالقضاء أو التطاول على السلطات العامة”.
كلّ ما هو مطروح من اتهامات في الكويت، أكان الأمر يتعلّق بـ”مؤامرة” أو “فساد” أبطاله شخصيات معروفة استولت، كما يقال، على مبالغ ضخمة بوسائل غير مشروعة، بات في يد القضاء.
تكمن أهمّية الكويت في أنّها دولة مؤسسات. لا وجود لكويتي يشكّ بنزاهة القضاء الذي حكم لمصلحة السلطة كما حكم ضدّها عندما وجد أن القانون يفرض عليه ذلك.القانون فوق الجميع في الكويت.
لم يترك الشيخ صُباح سؤالا يطرحه المواطن العادي إلّا وأجاب عنه في خطابه الأخير إلى الكويتيين. أخبرهم أن الكويت تتعرّض لـ”مخطّط مدروس”. قال بالحرف الواحد إنّ “تواتر إفتعال الأحداث والأزمات، لا يمكن أن يكون أمرا عفويا أو وليد الساعة، بل هو جزء من مخطط مدروس واسع النطاق يهدف إلى هدم كيان الدولة ودستورها وتقويض مؤسساتها وزعزعة الأمن والإستقرار فيها وشلّ أجهزتها والقضاء على القيم والثوابت التي بني على اساسها مجتمع الكويت، ونزع ثقة المواطنين في مستقبل بلادهم واضعاف الوحدة الوطنية وتمزيقها فئات متناحرة وطوائف متناثرة وجماعات متنازعة حتى تصبح الكويت، لا قدّر الله، لقمة سائغة وفريسة سهلة للحاقدين والطامعين”.
لم يتردّد أمير الكويت في وضع مواطنيه أمام مسؤولياتهم. قال كلاما كبيرا وشرح التحديات التي تواجه البلد.
تساءل موجّها كلامه إلى الكويتيين: ” هل ترضون هذا المصير لأمّكم الكويت الغالية التي أنعمها الله على أجدادكم وبها أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف”. لم ينس التذكير بأن الكويت “كفلت لكم ولأبنائكم الحرّية والكرامة والرفاه والحياة الكريمة. هل جزاء الإحسان إلّا الإحسان”؟
لم يخل كلام الشيخ صباح من تحذير باشارته إلى كلّ من يعنيه الأمر “أنّ حماية أمن الكويت واجب مقدّس نذرنا نفسنا له”.
لن تسقط الكويت من داخل في السنة ٢٠١٤ مثلما لم تسقط من خارج في العام ١٩٩٠. لن تسقط أمام المزايدين الذين يستغلون أجواء الحرية من أجل نشر الفوضى والبلبلة، فكما يقول الشيخ صباح “لا خير في حرّية تهدد أمن الكويت وسلامتها ولا خير في حرّية تنقض تعاليم ديننا وشريعتنا”.
مرة أخرى يبدو أن الكويتيين مدعوون إلى تأكيد أنّهم يد واحدة وأنّ بلدهم “ليس لقمة سائغة” كا أوضح الشيخ صُباح. ولذلك إلتفّ الجميع حول الأمير من أجل سد كلّ الثغرات في وقت تبدو فيه المنطقة كلّها على كفّ عفريت. هل يمكن أن يساعد الكويتيون في خسارة بلدهم وجعله ضحية التحوّلات المصيرية التي تمرّ بها المنطقة؟
لا يختلف إثنان على أنّ المجتمع الدولي لعب دورا في غاية الأهمّية في تحرير الكويت واعادتها إلى أهلها عندما احتلّها الجيش العراقي في الثاني من آب ـ اغسطس ١٩٩٠. لكن العامل الحاسم الذي حال دون سقوط الكويت تمثّل في التفاف الكويتيين حول بعضهم بعضا وحول الأسرة الحاكمة ورفض أيّ منهم التعاطي مع الإحتلال.
هذا الإلتفاف سهّل على الأمير، وقتذاك، الشيخ جابر الأحمد وولي العهد الشيخ سعد العبدالله، رحمهما الله، وعلى الشيخ صُباح التحرّك عربيا ودوليا لجعل العالم يقف مع قضية الشعب الكويتي.
يفترض في الكويتيين هذه الأيّام أن يقفوا مع انفسهم أوّلا وذلك من أجل المحافظة على الكويت. الأكيد أنّ أمير الدولة لن يتردد في اتخاذ الخطوات المطلوبة لحماية البلد. فعل ذلك في الماضي وسيفعل ذلك في المستقبل. لم يتردّد، على سبيل المثال، في اعادة الحياة النيابية إلى الخط السليم عندما صارت الحاجة إلى أكثر من عملية انتخابية واحدة في كلّ سنة. لم يتردد في تصحيح العلاقة بين النواب والحكومة. بجملة واحدة، اعاد الإعتبار إلى مجلس الأمة وإلى العمل الحكومي في الوقت ذاته.
لا مجال لإضاعة الوقت هذه الأيّام. لا الظروف الداخلية في الكويت تسمح بذلك، ولا الوضع الإقليمي.
في كلمة الشيخ صباح أكثر من رسالة. الرسالة الأولى أنّ هناك من سيحاسب من يسعى إلى الإساءة إلى الكويت. فالخيار في نهاية المطاف بين بقاء دولة المؤسسات من جهة والفوضى من جهة أخرى. لم يستطع الإخوان المسلمون (عبر رئيس مجلس ادارة جمعية الإصلاح الإجتماعي حمود الرومي)، باستثناء بعض نوّابهم، إلّا الإشادة بكلام الأمير نظرا إلى أن المواطنين معه، إضافة إلى أنّهم يخشون لائحة الحظر، كما حصل في المملكة العربية السعودية. إنّهم يعرفون أنّ لا تردّد هذه الأيّام في التعاطي بحزم مع أيّ عمل تخريبي من أيّ نوع كان.
الكويت إلى أين؟ الجواب أن الكويتيين يعرفون أن الأمير لن يترك المركب يغرق وهم مثله لا يريدون توزعا طائفيا ومذهبيا وداعشيا. هل من خيار آخر غير دعم دعم دولة المؤسسات والإستقرار بدل الغرق في لعبة المزايدات المتبادلة والتحوّل ضحية لها؟