أقلّ ما يمكن أن يوصف به الوضع اللبناني هو كلمة الاهتراء. بلغ الاهتراء درجة صار فيها النائب المسيحي ميشال عون يحاضر في العفاف. ما أفصح ميشال عون حين يحاضر في العفاف والديموقراطية هو الذي تحالف مع ميليشيا مذهبية وصار اداة من ادواتها.
صار اداة لدى الادوات التي لا هدف لها سوى تفكيك البلد وتدمير مؤسساته، على رأسها مجلس النوّاب. ربّما لا يعرف الرجل غير ذلك. فتاريخ النائب عون، الذي قبل أن يكون “جنديا في جيش حافظ الاسد” من أجل أن يقبل به النظام السوري رئيسا للجمهورية ابان وصايته على لبنان، حافل بالمآثر. من بين هذه المآثر تهجير أكبر عدد ممكن من المسيحيين من لبنان وتمكين القوات السورية في العام 1990 من دخول قصر بعبدا، أي قصر الرئاسة اللبنانية ووزارة الدفاع.
لم يستطع احد في تاريخ لبنان تحقيق مثل هذا الانجاز الذي لا يليق الاّ بمجموعة من المسيحيين يتبعون شخصا لا همّ له سوى المتاجرة بهم من جهة والحاق اكبر كمية من الاذى بابناء طائفته من جهة أخرى.
صار ميشال عون يريد الآن المتاجرة بالتمديد لمجلس النوّاب. ليس هناك لبناني مخلص لوطنه مع التمديد. ولكن ما العمل عندما يستخدم “حزب الله” الايراني، الذي يعتبر عون ومن على شاكلته أقلّ من تابع له، السلاح، سلاح الفتنة خصوصا، من أجل فرض التمديد؟
الرجل، الرجل لا يقف ضد التمديد. الرجل، الرجل الذي يمتلك حدّا ادنى من التعقل والعقل والوطنية هو من يدين الميليشيا المذهبية التي فرضت التمديد وحالت دون التوصل الى قانون انتخابي يستند الى حد أدنى من التوافق بين اللبنانيين ويحول دون التفريق بينهم على أساس طائفي ومذهبي خدمة للمشروع الاسرائيلي في المنطقة لا أكثر.
تلك كانت المهمّة المطلوبة مما سمّي زورا وبهتانا “القانون الارثوذكسي” الذي لا علاقة به لطائفة عملت دائما من أجل وحدة اللبنانيين ومن أجل تجاوزهم كلّ الانقسامات. لم يتنكّر الارثوذكس يوما، بأكثريتهم طبعا، للعرب والعروبة بمعناها الحضاري، فكيف يمكن أن يضعوا أنفسهم في خدمة مشروع أقلّ ما يمكن أن يؤدي اليه هو اثارة النعرات الطائفية والمذهبية والغاء مفهوم المواطنة في بلد صغير، لكنه مهمّ، اسمه لبنان.
من حسن الحظ أنّه بقي في الوطن الصغير رجال يسمّون الاشياء باسمائهما ولا يتهربون من ذلك عن طريق الطعن بالتمديد. لا شكّ أن موقف رئيس الجمهورية كان سليما. كان الرجل صادقا مع نفسه أوّلا ومع الخط الذي انتهجه منذ البداية والذي يرتكز على احترام الدستور الذي يعتبر نفسه مؤتمنا عليه. لم يساهم في التمديد، بل عمل كلّ ما في وسعه من جل الحؤول دونه. تفادى المواقف الرخيصة التي هي من أختصاص ميشال عون وغيره…
لكنّ الرجل الذي استطاع تلخيص كلّ الوضع اللبناني بكلمتين، فكان الرئيس حسين الحسيني. اعتبر السيّد حسين، وهو سيّد بالفعل، ما شهدناه بمثابة “أزمة كيانية”. نعم، انّها أزمة كيانية بكل معنى الكلمة. أكّد أن الوقت ليس للمتاجرة بالتمديد ولكن للتفكير في مستقبل لبنان في ظلّ التغيّرات التي تشهدها المنطقة. لذلك، من الضروري من الآن فصاعدا التركيز على كيفية حماية لبنان بعدما فقد احد أسباب وجوده، بل علّة وجوده، أي التجربة الديموقراطية التي تعني بين ما تعني التبادل السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع.
كان يمكن تصديق أن ميشال عون ضدّ التمديد، لو لم يكن ماضيه يؤكّد عكس ذلك. ما فعله في اثناء وجوده في قصر بعبدا بين 1988 و1990 يشير الى أنه ليس أكثر من ضابط أرعن لا يفكّر الاّ في كيفية الوصول الى رئاسة الجمهورية بأي ثمن كان.
كان يمكن تصديق أن ميشال عون ضد التمديد لو استطاع اتخاذ موقف حازم من تطوّر في غاية الخطورة يتمثل في تورّط ميليشيا “حزب الله” المذهبية في الحرب التي يشنّها النظام السوري على شعبه. كان يمكن تصديق ميشال عون لو اتخّذ موقفا صريحا مما يتعرّض له أهل طرابلس الذين يعيشون في ظلّ تهديدات ميليشيا طائفية اخرى مدعومة من النظام السوري لاسباب لا تخفى على أحد، الاّ على الذين يعتبرون انفسهم ولدوا كي يكون اداة لدى الادوات.
ما نشهده اليوم في لبنان يتجاوز مسألة التمديد. ما نشهده هو تعبئة ذات طابع مذهبي تستهدف ربط الساحل العلوي في سوريا بالبقاع الشيعي…وصولا الى جنوب لبنان.
وهذا يعني بكلام صريح تغيير حدود لبنان من جهة وتجييش طائفة لبنانية مؤسسة، كانت دائما رمز الوطنية والاعتدال في مشروع لا علاقة للبنان به من قريب أو بعيد. هذا ليس وقت الهاء اللبنانيين بلعبة التمديد. انّه وقت التفكير في كيفية تجميع اللبنانيين من كل الطوائف والمذاهب، على رأس هؤلاء الشيعة والسنة والمسيحيون والدروز، وذلك من أجل اتخاذ موقف صريح مما يجري في سوريا.
مثل هذا الموقف لا يمكن أن يكون له أي معنى من دون ادانة الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري بدل المشاركة في هذه الحرب. من يشارك في هذه الحرب، حتى عن طريق السكوت عنها، لا يدري أنه ينقل التهديد الذي يتعرّض له الكيان السوري الى لبنان.
من لديه مصلحة في ذلك غير اسرائيل والمنادين بحلف الاقليات المتحالفين معها من حيث يدرون أو لا يدرون؟ الارجح أنّ هؤلاء يدرون. انهم يدرون خصوصا أن تدمير القُصير جزء لا يتجزّا من مشروع حلف الاقلّيات في المنطقة. ولذلك، يذهبون الى سوريا ويقتحمون القُصير ويقتلون ويدمّرون وهم يعرفون أن ظهرهم محمي، بل محمي أكثر من اللزوم!