وردنا المقال التالي مرفقاً بتنويه جاء فيه:
“بعد اعتذار الاخوة في موقع النداء عن نشر هذا المقال، على الرغم من ان المقال يناقش ما ورد في بيان للامانة العامة لاعلان دمشق منشور في الموقع (النداء) بتاريخ 5/9/2008
اعتقد ان اعتذار المحرر عن نشره هو عمل غير ديموقراطي من داعية ديموقراطي، لذلك ارسل لكم هذا المقال راجيا نشره”.
ويود “الشفّاف” الإشارة إلى أن البيان المشار إليه في هذا المقال أثار إستياء واستهجاناً داخل صفوف معتقلي إعلان دمشق في سجون الطاغية. وكان ردّ فعل بعضهم (من داخل السجن) هو: “إذا كنتم أصدرتم هذا البيان أملاً في أن يقوم النظام بإطلاق سراحنا، فنحن نفضّل البقاء في السجن..”.
في جميع الأحوال، فأهمية “إعلان دمشق” هو أنه يمثّل ما يشبه “البرلمان السوري الحقيقي”، وليس تجمّعاً لأحزاب وشخصيات. ولهذا السبب، نجد مؤسفاً أن يمتنع أصدقاؤنا في موقع “النداء” عن نشر الأصوات الناقدة للبيان.
*
بتاريخ5/9/2008أصدرت الأمانة العامة لإعلان دمشق بيان بعنوان:”إعلان دمشق: بيان إلى الرأي العام حول المتغيرات في سورية والمنطقة”.
– إعلان يثير القلق والعديد من التساؤلات،إضافة لما طرحه البيان من أسئلة، قدم إجابات لبعضها، وأخرى الإجابة عليها مقيدة بـ”إذا”.. وبالمنح التي سيتفضل النظام بتقديمها للشعب السوري،وهي مجموعة من الروائز عددها البيان /.
في الواقع لايسع المتلقي إلا الإعجاب باللغة السياسية التي صيغ البيان بها، بغض النظر عن محتواه المثير للقلق والتساؤل، واعتقد بأن الأمانة ستحتاج جهودا سياسية كبيرة من قبل القوى التي مررت البيان داخل هيئة الأمانة العامة (الهيئة التنفيذية المسؤولة أمام المجلس الوطني عن تنفيذ ما أصدره المجلس من سياسات ومهام اتفق أو توافق عليها أعضاء ه..).
– أي تحليل سياسي ينطلق من مقدمات ظرفية، نتائجه بالضرورة ظرفية، لأنه لا يهتم بتاريخية هذه المقدمات التي هي أصلا نتائج لمقدمات سابقة، تفسر ظرفية هذه المقدمات، ولا يبنى عليها موقف استراتيجي بل موقف تكتيكي يستند إلى ظرفية مقدماته، وهذا في الواقع خطأ تحليلي شائع لدى القوى السياسية ذات النشاط الموسمي، والتي تفتقر للخبرة التراكمية /فكرية أو سياسية/ وتعتقد وبشكل إيماني لا يقبل النقض بصوابية موقفها الناتج عن هكذا تحليل.
– “الأحداث والمتغيرات الهامة، التي تشهدها المنطقة” لها منطقها وأسبابها وجذور تاريخية، بما فيها “السياسة السورية الجديدة”. لذلك يمكن لمن يفهم آلية اشتغال النظام السوري، وطريقته في إدارة الأزمات، لا يحتاج أبدا إلى طرح أسئلة من نوع “كيف أو لماذا حصل هذا” بل يستطيع أن يفسر كل تحركات النظام و(تكويعا ته) وفي أي اتجاه كان.
النظام السوري هو أحد أهم مرتكزات النظام العربي التقليدي السائد والمستقر والمكرس دوليا منذ هزيمة حزيران 67 كنظام وظيفي، يقدم خدماته للاعبين الكبار، مقابل عدم المساس بديمومته، أو التدخل في سياسته الداخلية. لذلك يدرك النظام جيدا،انه لا يمكن للاعبين الكبار في المنطقة الاستغناء عن خدماته، أو استبداله بنظام آخر، لان انهيار النظام السوري انهيار لأحد أهم مرتكزات النظام العربي / على الرغم مما اعتراه من ضعف وخلخله / فهو لا زال يعتبر الضمانة الأهم لبقاء إسرائيل كدولة مركزية ولاعب وشريك كبير لكل اللاعبين الكبار في المنطقة منذ ستينيات القرن الماضي. من هذه المقدمة يمكن فهم خيار النظام التفاوض مع إسرائيل عبر بوابة الوسيط التركي اللاعب الجديد، ويمكن فهم قلق النظام من جهة أخرى، حول جدية وجدوى التفاوض مع إسرائيل دون رعاية أمريكية، لأن الإدارة الأمريكية الحالية، ليس من أولوياتها مفاوضات السلام في الشرق الأوسط، ولاعتقادها بأن هذه المفاوضات تسبب أضرارا، قد تؤدي إلى فوز خصمها الديمقراطي، لان الرعاية الأمريكية تتطلب الضغط على الإدارة الإسرائيلية، من أجل إنجاح المفاوضات، وهذا لا تحتمله إسرائيل، أو أنصارها في أمريكا.
وكذلك يدرك النظام السوري،بأن هذه المفاوضات هي ضرورة إسرائيلية داخلية، وضرورة عربية لتحسين صورة النظام الدولية، ومقدمة لتفكيك تحالفه مع إيران، وصنيعتها في لبنان حزب الله، بالإضافة لكونها ضرورة داخلية. لذلك نجد أن القلق السوري مبرر ا من هذه الزاوية، وكل ما تقدم يطرح أسئلة مهمة، الإجابة عليها تفسر جوانب مهمة من القلق السوري في هذه المفاوضات، ألا وهي: هل النظام جاد في التفاوض من أجل استعادة الجولان؟ ومدى استعداده لدفع استحقاقات السلام على المستويين الخارجي والداخلي و إجراء تغييرات بنيوية في علاقاته مع شعبه ومع العالم؟.
– حالة اللا حرب واللا سلم واللعم (نعم ولا) أقل كلفة بالنسبة للنظام من حلة التفاوض المؤدية لإنتاج اتفاقية سلام مع إسرائيل، لأنه سيتخلى طواعية عن أسباب ديمومة استمراره في المستقل المنظور، لذلك يعتبر أن المفاوضات فرصته لممارسة رهانه المريح على الوقت، لإطالة زمن اقتراب أجل دفع المستحقات، داخليا ودوليا، وهي فرصة من ذهب لإظهار قدراته الوظيفية المميزة وغير المكلفة بالنسبة للاعبين الكبار في المنطقة، وفي كل الظروف المصاحبة للمتغيرات الدولية المتسارعة. ومن هنا يمكن فهم موقفه من الأزمة الجورجية، و توضيحاته فيما بعد.
– أما اندفاعة فرنسا (ساركوزي) باتجاه سورية (النظام) ببساطة يمكن فهمها، إذا نظرنا إلى هذه الحركة من زاوية تاريخية، نجد أن فرنسا (ميتران) قد قدمت خدمات مماثلة للنظام في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، أبان الحصار البريطاني والأمريكي في منتصف ثمانينيات القرن الماضي بسبب ملفات مشابهة (ملف الإرهاب وملف السلام و الحرب مع إسرائيل وملف حرب الخليج الأولى والملف اللبناني ولم يكن الملف الداخلي وحقوق الإنسان سببا في هذا الحصار)، وأعادت تعويمه على المستوى الدولي،ب كفالة فرنسية.
وما اندفاعة السيد ساركوزي إلا تكرار لما فعله سلفه الأسبق، وهي اندفاعة مبررة سياسيا بالنسبة للفرنسيين، ولان مشروع ساراكوزي هو جزء من إستراتيجية فرنسية ترسم علاقاتها في المنطقة، ومشروع ساركوزي يرتكز على عدة محاور،من أهمها:
– تحسين مواقع فرنسا في الشرق الأوسط، بعد انتكاسة المشروع الأمريكي في العراق وأفغانستان.
– إدراك فرنسا للدور الوظيفي الهام، الذي يمكن أن يلعبه النظام في خدمة المصالح الفرنسية، في منطقة أمريكية النفوذ، والحد من هذا النفوذ على المشروع الفرنسي فيما يتعلق بالشراكة المتوسطية مع الاتحاد الأوربي.
– محاولة فرنسية لإدخال تركيا إلى الاتحاد الأوربي، والذي يلقى معارضة من أكثر من طرف من الشركاء الأوربيين، عبر بوابة المتوسط، بوصفها الحليف الأوربي، الطامح إلى الشراكة الكاملة مع الحلفاء.
لذلك نجد السيد ساراكوزي مندفعاً بسرعة لانجاز تقدم ومكاسب بسرعة، لأنه يدرك جيدا بأنه يلعب في الوقت الضائع. ويدرك النظام هذه النقطة بشكل جيد، لذلك نجده قد استغل اندفاعة ساراكوزي لأقصى درجة استطاعها، بدءا من دعوة فرنسا للرئيس كضيف شرف في احتفالات تموز، مرورا بتصريحاته فيما يتعلق بالشأن الداخلي، وحقوق الإنسان في سورية بأنها شأن داخلي عقب القمة المتوسطية، وتوج بعقد القمة الرباعية، ونتائجها على مجمل وضع النظام خارجيا،وداخليا.
اعتقد إن أهم نتيجة حصدها النظام من اندفاعة ساركوزي هي بيان الاستتابة الذي أصدرته الأمانة العامة لإعلان دمشق المذكور أعلاه، هذا البيان المثير للقلق والإرباك، وغير المقنع بمسوغاته السياسية، وهذا البيان يرمي بغمامة سوداء حول مستقبل الإعلان، إذ يؤكد البيان “وبكامل الوضوح” تناقضه مع الهدف الذي بني عليه إعلان دمشق وتكتله ألا وهو : عزل النظام داخليا وخارجيا من أجل إلزامه بإجراء تغييرات بنيوية من أجل السير قدما في التغيير الديمقراطي السلمي المتدرج، والذي يبدأ من الروائز التي عدد بعضها البيان،تلك التي اعتقدوا أنها تخدم اتخاذ هذا الموقف.
لا اعتقد بأن أعضاء الأمانة على جهالة بوثائق الإعلان، وتوضيحاته، وبالأخص الوثائق الصادرة عن المجلس الوطني الهيئة الأعلى (كل الهيئات بما فيها الأمانة العامة مسؤولة أمام المجلس)، وان من المهام التنفيذية التي كلفت بها الأمانة هي مهام تنفيذية للسياسة التي رسمها المجلس الوطني، من أجل التغيير الديمقراطي السلمي المتدرج والهادئ، والذي دفع و يدفع ثمن هذه السياسة حتى تاريخه أهم كوادر الإعلان (مع حفظ الألقاب للقادة والكوادر الأخرى) سجنا واستدعاءات دورية ومحاكم على خلفيات وتهم جنائية، أحكامها قد تكون قاسية بالنسبة لهؤلاء القادة على المستوى الفردي، وعلى مستقبل النضال من أجل التغيير الديمقراطي.
بقصد أو بدون هذا البيان، خطأ سياسي فادح يتوجب على الأمانة التراجع عنه، بالدعوة إلى نقاش وحوار عام مع قوى تكتل الإعلان، حول مضمون البيان والتداعيات التي ستكون نتيجة حتمية، عبر الدعوة لانعقاد الدورة الثانية للمجلس الوطني، لأنه الهيئة الأعلى المخولة بإجراء تغييرات (عبر آليات اتخاذ القرارات التي اعتمدت في دورته الأولى) في أهدافه،ورسم سياسات انجاز هذه الأهداف.
اعتقد بأن هذا الموقف الداعم سياسيا للنظام، داخليا بالتخلي عن أهم الأهداف التي قام عليها الإعلان،لصالح سياسة داخلية قوامها الاستبداد والفساد والإفقار، بانتظار (المنحة التي سيتفضل بها على الشعب)، وخارجيا تأكيد وموافقة على سياسة النظام (الممانعة) بأنها هي السياسة الأجدى والاقوم بالنسبة للسوريين، ستكون له تداعيات خطيرة، ستشمل مستقبل تكتل إعلان، الذي سيؤثر سلبا على النضال من أجل التغيير الديمقراطي السلمي، لصالح قوى شمولية وعقائدية اقصائية (الديمقراطية وحقوق الإنسان ليسا من خياراتها المعلنة أو حتى الباطنية).
مرة أخرى أؤكد بأن هذا البيان: استجابة لارادة أمنية، الهدف منها محاولة بائسة من قبل بعض قوى الإعلان لإجراء صفقة سياسية، ربما وليس أكيد الإفراج عن معتقلي الإعلان ( فداء الحوراني و رياض سيف والكوادر الباقية)، أو وعود غير قابلة لإلزام النظام بتنفيذها، إن قدر النظام بأنها تهدد استمراره، لان هذا البيان يكرس النظام بأنه الطرف الأقوى في معادلة التغيير الديمقراطي.
الرقة – سوريا
23/9/2008 خلف الجربوع
(عضو المجلس الوطني)
مواضيع ذات صلة:
د. عبد الرزاق عيد: لماذا هذه الهدية المجانية يا أصدقاء؟ حول بيان اعلان دمشق الأخير