عندما اعترفت الحكومة الإيرانية في العام 2000، وبعد عقدين على استلام النظام للسلطة، بأنها كانت متواطئة “جزئياً” عن عمليات القتل المتعمد، وسمح للجسم القضائي بالاطلاع على الملفات الرسمية، تفاجأت شيرين عبادي ان اسمها كان مدرجاً للقتل. ذهلت، لأنها قاضية متميزة ولم تقم بأي عمل عدائي ضد الثورة يستوجب ذلك.
لكنها تقرّ أن الثورة نومتها مغناطيسياً، فهي لم تتصرف على غرار من أثاروا عجبها من حالات الارتداد والتحولات المفاجئة في الولاءات. لقد تجلت الانتهازية في تلك الأيام كطبيعة بشرية أساسية، كما الرغبة في خلع أيديولوجيا وارتداء أخرى كما لو كانت معطفاً. ومن كانوا يتميزون بسمعة سيئة لتعاونهم مع نظام الشاه وخصوصا مع “السافاك”، وبعد مراقبة حرارة مشاعر العامة، وعندما قدروا ان الثورة لا يمكن ان ترجع الى الوراء انضموا الى صفوف الثوار.
عندما غادر الشاه في 16 كانون ثاني 1979… وانتهت بمغادرته ألفيّتان من حكم ملوك الفرس؛ غمرهم الشعور انهم استعادوا كرامة، لم يكن عدد كبير منهم قد لاحظ حتى قبل فترة قصيرة مضت انهم اضاعوها.
وكي لا تكتظ الشوارع وتغلق السير احتفالا بالثورة، طلب الخميني من الناس الصعود الى سطوح المنازل للهتاف “الله أكبر” كتأييد للثورة. كشف هذا التكتيك أكثر من أي أمر آخر درجة الفاعلية التي كان آية الله قادراً فيها على استخدام المشاعر الدينية للجماهير في حملته ضد الشاه.
لو ان بيتا ظل مظلما في تلك الأيام وسطحه خاليا، لتساءل الجميع عن السبب. اما في نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة، وعندما أمرت الحكومة الناس بالخروج والصعود الى سطوح بيوتهم في الثاني والعشرين من شهر بهمن، في ذكرى تلك الليالي، فإن قلة قليلة من البيوت ارتفع فيها هتاف “الله أكبر” وبنبرة كئيبة، من دون ان يتساءل أحد عن السبب.
تكتب عن شعورها عند قيام الثورة: غمرني شعور بالفخر الى درجة انه يضحكني اليوم عندما أتذكره. وشعرت انني انا أيضا انتصرت، الى جانب الثورة المنتصرة. لقد شاركت بملء إرادتي وبحماسة في زوالي. كنت امرأة وقد طالب انتصار الثورة هذا بهزيمتي”.
كانت الدعوة الى وضع غطاء الرأس أول تحذير من أن الثورة هذه قد تأكل أخواتها، وهو الاسم الذي كانت النساء يطلقنه على بعضهن اثناء تحركاتهن للإطاحة بالشاه.
عاينت درجة الهشاشة التي يمكن ان تكون عليها التحالفات السياسية، وكيف يعيد الثوريون المزاجيون اختراع معاييرهم يوما بيوم، وكيف يلقي احدهم المحاضرات بشأن روح الثورة ويلقى القبض عليه في اليوم التالي. عادوا الى قانون عقوبات إسلامي مستوحى من الشريعة الإسلامية، وهو بمثابة إعادة صنع غاية في الخطورة للكيفية التي يحكم المجتمع نفسه بها.
كانت حقوق النساء في أسفل السلم. صارت حياة المرأة تعادل نصف حياة الرجل (نصف التعويض اذا ماتت بحادث..) ونصف شهادة… اخذوا بنصائح القرن السابع. باختصار أعادوا عقارب الساعة أربعة عشر قرنا الى الوراء.
ظهر جليا للإيرانيين المتعلمين أن الثورة تنحرف صوب اتجاه أثيم، ليس فقط لأن مشاعر التأييد التي حملتهم الى الشوارع غائبة عن العديد من الإجراءات الثورية الجارية، لكن لأن شهية العنف كان يبدو انها آخذة في النمو.
ظهر وجه الخميني القاسي على الشاشة، وقال خطاباً بنبرته الرتيبة المميزة التي أطاح بها ملكا وأعاد رسم التاريخ الإيراني، أن كل من يعارض الفانون هو معاد للإسلام وسيعاقب. كان النقد، منذ البداية، من صنع “الأعداء”.
باتت الخطوط مرسومة على الرمال وخانة أعداء الإسلام راحت تتوسع. هكذا صُنِفت شيرين عبادي ومن يشبهها، كأعداء يقفون في صف الجاني الخاطئ، يواجهون على الأغلب الأعم فريق الإعدام رمياً بالرصاص.
منذ عام، عندما انتفض الشعب الايراني لمقتل مهسا اميني، صنّف النظام الشباب المعترضين، وخصوصاً نساء ايران، كأعداء له. ويمكن صياغة الامر كالتالي: انفضح النظام الايراني كعدوّ للشعب الإيراني بمجمله.
ايران تستيقظ: شيرين عبادي، ترجمة حسام عيتاني، دار الساقي، بيروت، 2010.