انتهت الجولة الاولى من الانتخابات البلدية التي جرت في العاصمة بيروت وفي محافظة البقاع، وما زال غبار المعارك الانتخابية يرخي بظلالهاعلى المشهد السياسي اللبناني، وهو سينعكس حتما على سائر المحافظات اللبنانية.
في العاصمة، استطاعت لائحة “بيروت مدينتي” ان تحقق نتائج في صناديق الاقتراع فاجأت جميع الذين استخفوا بها اولا وعملوا على إسقاطها بكل الوسائل المتاحة ثانيا. فقد استطاعت “بيروت مدينتي” ان تحقق فارقا باقل من 7000 صوت بين اخر الفائزين في لائحة “البيارتة” المدعومة من تيار المستقبل وكل الاحزاب المسيحية وفعاليات مدينة بيروت. واول الخاسرين على لائحة “بيروت مدينتي”.
التصويت في العاصمة انقسم بين شقيها المسيحي والاسلامي! ففي حين صوت الجانب الاسلامي بنسبة وصلت الى 35%، كانت نسبة التوصيت في الجانب المسيحي تناهز 15% من دون ان تستطيع الاحزاب المسيحية الممثلة في لائحة البيارتة حث انصارها على المشاركة في الاقتراع او التصويت للائحة التي هم فيها. فخسر اعضاء اللائحة البلدية المسيحيون ثقة المواطنين في الجانب المسيحي، وفازوا باصوات الناخبين المسلمين! حيث كان التصويت المسيحي 9000 مقترع لصالح “بيروت مدينتي” مقابل 7000 للائحة البيارتة! ولكان التصويت المسيحي فضيحة مضاعفة لو لم يكن حزب الطاشناق هو الوحيد الذي صوت أنصارُه للائحة “البيارت”ة في دائرة بيروت الاولى، ما رفع نسبة التصويت للائحة.
مصادر سياسية اعتبرت ان التصويت المسيحي كان باردا، بسبب اتفاق التيار العوني والقوات اللبنانية وحزب الكتائب ونواب الاشرفيه! فاختفت المنافسة الحزبية ليحل محلها تصويت المجتمع المدني المسيحي، الذي وجد ضالته في استعداء تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري! وهذاـ من دون ان تستطيع الاحزاب المسيحية ان تبذل جهدا لاثبات حضورها وحجمها التمثيلي للمسيحيين مع أنها كانت وعدت بـ”تسونامي” إنتخابي يعطي اكثرية مسيحية للتيار العوني والقوات بنسبة 86%، فكيف إذا كان الحلف يضم الكتائب ونواب الاشرفية؟
وأشارت المصادر الى ان المسيحيين في حاجة الى عدو ليستنهضوا هممهم الانتخابية، وهذا ما لم يتأمن في انتخابات بلدية بيروت على العكس مما جرى في بلدية زحله.
في زحلة كان هناك اكثر من عدو. فهناك لائحة “انماء زحله” التي يرأسها اسعد زغيب، وهو مشهود له بنظافة الكف والعمل البلدي الجاد، من دون ان يكون منتميا لاي حزب سياسي. ووقف خلف زغيب احزاب القوات اللبنانية، والكتائب، والتيار العوني، في مواجهة لائحة “زحلة أمانة” التي دعمتها الكتلة الشعبية الزحلية بزعامة ميريام سكاف، ولائحة موسى فتوش غير المكتملة .
ومع ان هناك اكثر من عدو، لم تستطع الاحزاب المسيحية ان تحقق فوزا كاسحا بالمعنى الذي بشرت به! فلجأ أهالي زحلة الى قرع أجراس الكنائس لحث الناخبين على التوجه الى صناديق الاقتراع، فالخطر داهم وقد تفشل الاحزاب في مواجهة العائلات! ومع ان الاحزاب ربحت المعركة، إلا أنها فشلت امام العائلات بفارق اصوات يعطي الاحزاب المسيحية الثلاثة مجتمعة ما نسبته 40 % في حين ان لائحتي سكاق وفتوش حازتا على ثقة 60% من المقترعين!
ايضاً، زحلة خذلت “الاحزاب”.
وكذلك بعلبك، حيث استطاعت اللائحة المنافسة لحزب الله التي رأسها غالب ياغي، ان تحوز على ثقة 46% من اصوات المقترعين في بعلبك، حيث تم إسقاط رئيس اتحاد بلديات الهرمل الموالي لحزب الله، في مسقط رأسه. وكان الفارق بين الرابح الأخير والخاسر الأول 727 صوتاً في مدينة بعلبك من أصل 14256 ناخبأ! ويبدو ان خطاب الحزب ايضا فقد شرعيته في اوساط البعلبكيين، فلا حماية “مقام السيدة زينب” ولا حماية الشيعة في القرى الحدودية ودرء خطر التكفيريين عن لبنان، نفعَ في دفع الناخبين للتصويت للوائح الحزب.
في الخلاصة، اسفرت المرحلة الانتخابية الاولى بلديا عن رفض اللبنانيين اختزالهم في ثنائيات او ثلاثيات حزبية، ووجد المجتمع المدني في بيروت آلية للتعبير عن ذاته، وهذا ما يحتم على القوى السياسية في العاصمة وفي مقدمها تيار المستقبل ان تأخذ في الاعتبار صرخة “المجتمع المدني” في اي استحقاق مقبل. وأخيرا فشلت الاحزاب المسيحية الثلاثة في اختزال الصوت المسيحي وفي افضل الاحوال كانت نسبة التأييد لها اقل من 40%.