هل باتت جبيل-عمشيت، مروراً بالقرى الشيعية والمسيحية، وحتى جرد العاقورة-اليمونة ، “خطاً أحمر” جديداً يضمره السيد حسن نصرالله عبر الرسائل التي يوجّهها لـ”المعنيين”، مثلما أعلن صراحةً قبل عامين أن “نهر البارد” خط أحمر للجيش اللبناني والدولة اللبنانية؟ وهل يعتبر الحزب الإيراني أن بلاد جبيل وعمشيت (والأخيرة مسقط رأس رئيس الجمهورية الذي قال عنه البطريرك أمس أنه أعاد لقصر بعبدا “رمزيّته”) هي “الحلقة الضعيفة” في مخطّطه الإنقلابي المتواصل للسيطرة على بلاد الأرز؟
هذه الأسئلة مطروحة في ضوء ما رشح من معلومات عن “الفيتو” الذي وضعه “حزب الله” على الأمين العام لـ14 آذار فارس سعيد، وخصوصاً على تعاون المرشّحين الذين تُطلق عليهم صفة “المستقلّين” مع فارس سعيد.
فليس سرّاً أن فرنسوا باسيل استُدعي على عجل الى لبنان، قبل إنتهاء مهلة الترشيحات، وأرسِلت طائرة خاصة لتأتي به الى لبنان لتقديم ترشيحه شخصيًّا، عن مقعد دائرة جبيل الانتخابية بعد أن حاول أحد المحامين أن يقدّم له ترشيحه نيابة عنه. اليوم، يتعرض المرشح فرنسوا باسيل لنفس الضغوط ولكن لكي ينسحب من المعركة الانتخابية!
رئيس جمعية المصارف فرنسوا باسيل كان قبل إعلانه ترشحه اعتذر من اللبنانيين لانه انتخب العام 2005 على “اساس موجة الـ “تسونامي”، ودعاهم الى “الانتخاب هذا العام على اساس الاستقلال ومبادئ 14 آذار”.ـ
وقال باسيل انه يدعم أي مرشح مستقل ويعرف أنه آت ليخدم لا ليكون معقب معاملات.
ولكن ما هي خلفيات الضغوط على باسيل لكي ينسحب اليوم وبعد ان انقضت مهلة سحب الترشيحات؟ البعض يتساءل إذا كانت للضغوط على صاحب بنك “بيبلوس” ورئيس جمعية المصارف (التي هاجمها سليمان “الزغير دائماً” بعنف قبل أسبوعين، خلفية من نوع إرهاب الرساميل المسيحية للإبتعاد عن التعاطي بالشأن السياسي؟
تبدو صيغة التحالفات غير منجزة حتى الآن في دائرة جبيل في ظل سعي حزب الله الى فرض هيمنته على هذه الدائرة من خلال اصراره وعمله على استخدام جميع وسائل الضغوط المتاحة لديه، وهي ليست بالقليلة، من مادية وعسكرية ومعنوية للحؤول دون ترشح النائب السابق ومنسق الامانة العامة لقوى 14 آذار فارس سعيد، وفي اسوأ الاحوال عزله ليترشح منفردا وبالتالي تأمين خسارة مضمونة له وللائحة المستقلين التي يعبر عنها مستشار رئيس الجمهورية النائب السابق ناظم الخوري.
ففي اجتماع عقد قبل يومين في منزل المرشح باسيل في “معيان” وحضره عن المستقلين رئيس اتحاد بلديات جبيل فادي مرتينوس والمرشح ناظم الخوري والمرشح سعيد وعدد من وجوه وفعاليات القضاء لتدارس الوضع الانتخابي تشعبت آراء المجتمعين ولم تصل الى نتيجة.
وما توفر لـ”الشفاف” من معلومات يشير الى ان المجتمعين هدفوا الى اقناع كل من المرشحين سعيد وباسيل بسحب ترشيحهما لصالح المرشحين المستقلين اميل نوفل وناظم الخوري، على ان يقوم كل من سعيد وباسيل بتجيير اصواتهما لصالح المستقلين بحجة تشكيل لائحة مواجهة مع قوى 8 آذار تكون فرصها اكبر في كسب المعركة الانتخابية.
واذا كان هذا ظاهر الكلام ومحاولة الايحاء للنائب سعيد بان لونه الآذاري فاقع، وتاليا ليس هناك من لائحة قادرة على تحمل وجوده فيها، فإن طول الحديث كشف المستور. فقد أبلغ المرشح ناظم الخوري زميله فارس سعيد انه لا يملك شيئا شخصيا ضده وانه يكن له الود والاحترام، خصوصا وانه تاريخيا كانت عائلتا سعيد والخوري تترشحان سويا وكلاهما من الحزب الدستوري وخاضت العائلتان معا معارك انتخابية عدة في مواجهة الكتلة الوطنية ، ولكنه (أي ناظم الخوري) “ممنوع” عليه ان يتحالف مع سعيد.
وما عجز عن النطق به الخوري قاله صراحة المحامي فادي مرتينوس إذا ابلغ سعيد صراحة انه لا يمكنه الترشح لان المستقلين لا يريدون مواجهة مع حزب الله.
انها اذا مسألة هيمنة حزب الله على قرار مسيحي في دائرة مختلطة مع ارجحية اصوات للناخب المسيحي. ويعتبر الحزب أن دائرة جبيل تمثّل نقطة ضعف سياسية وانتخابية، نظراً لوجود مجموعة من الأصوات الشيعية التي يستطيع “الحزب” تجييرها عملاً بما يسمّيه الحزب “تكليف شرعي” صادر “نائب الولي الفقيه” في لبنان.
وإمعاناً في إستضعافه لبلاد جبيل، عمد الحزب الإيراني في 7 أيار 2008، إلى إدخال جماعة من مسلّحيه تقلهّم 13 سيارة دفع رباعي إلى جرد جبيل قادمين من منطقة “حدث بعلبك”، فأقاموا حواجز مسلّحة في القرى الشيعية وعمدوا إلى التدقيق في هويّات المارة،
لإرهاب السكان الجبيليين، خصوصاً أن المعارك لم تشهد أية معارك طائفية لا خلال الحرب الأهلية ولا بعدها.
ومن نافل القول ان الحزب لا يريد ان يرى في المجلس القادم اي نائب او مرشح من قوى 14 آذار، فكيف الامر بمنسق الامانة العامة لهذه القوى وواضع النقاط على حروف تجاوزات حزب الله من دون مواربة مع حرصه الشديد على العيش المشترك واستقلال البلاد بقراراتها السياسية والامنية والعسكرية.
وازاء الاصرار على ما يشبه الانصياع لرغبة حزب الله من قبل المستقلين ابدى المرشح فرنسوا باسيل امتعاضه الشديد من هذه السيناريوهات مذكرا بانه تم استدعاؤه على عجل ليترشح ويخوض معركة انتخابية الربح فيها مضمون لقوى الاستقلال و 14 آذار، وانه في سنّه كان في غنى عن هذه الالاعيب الانتخابية.
باسيل عرض سيناريوهات محتملة نابعة من حيثيات الارض الانتخابية التي خبرها جيدا منذ الستينات فقال للمجتمعين.
اما ان يترشح هو وسعيد، واما ان يترشح سعيد والخوري من اجل كسب معركة انتخابية في وجه قرار حزب الله بالهيمنة على قرار الناخبين وارادتهم، رافضا السيناريوهات الاخرى جميعها خصوصا تشكيل ثلاث لوائح واحدة تضمه مع سعيد وثانية تضم ناظم الخوري واميل نوفل في مواجهة لائحة قوى 8 آذار وحزب الله معتبرا ان في هذه التشكيلات خسارة مضمونة.
كما رفض باسيل تشكيل لائحة منه ومن المرشح ناظم الخوري حتى تحت مسمى قوى 14 آذار مشيرا الى انها تخل بالتوازن الديموغرافي للقضاء لانها تستبعد مرشحا من الجرد.
وكان في كل مرة يعيد الامر الى نصابه السياسي ومؤكدا ان الامر ليس لعبة “بازيل” يتم تركيب احجيتها لاستبعاد المرشح فارس سعيد. بل ان للمعركة اضافة الى طابعها السياسي العام، طابعا استقلاليا جبيليا، يتمثل في كرامة ناخبي المنطقة واهلها في ظل الهيمنة التي يسعى حزب الله الى فرضها عليها، فضلاً عن أن إسقاط المرشحين المستقلين هو إستهداف لرئيس الجمهورية في ما يشبه الحملة المنظمة التي تتعرّض لها البطريركية الإستقلالية منذ أكثر سنتين على يد ميشال عون وسليمان “الزغير دائماً”.
باسيل الذي ترشح للمرة الاولى للانتخابات النيابية عام 1960 مع النائب السابق انطون سعيد كان يرغب في التقاعد السياسي بالترشح لهذه الدورة مع نجل زميله السابق المرشح فارس سعيد إلا أن واقع الامر حال دون ان تتحقق رغبته حتى الآن.
التحالف مع المستقلين في كسروان مرهون بموقفهم من إنتخابات جبيل
ومع زيادة التعقيدات تبدو الصورة الانتخابية في جبيل الى مزيد من التشعب وترخي بظلالها على الدائرة المجاورة في كسروان حيث اصوات الاحزاب المسيحية من كتائب وقوات لبنانية وازنة. ونُقِل عن رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع إبلاغه المستقلين في كسروان ان الاحزاب المسيحية في حل من التزامها معهم، وان التحالف الانتخابي لا يتجزأ. فاما تحالف 14 آذار مع المستقلين، وهذا يشمل جبيل وكسروان، واما ليبلغ المستقلون “مرجعياتهم” بان التحالف ليس قائما في كسروان. واذا كانت هناك مواجهة سياسية مع حزب الله، فلتكن في جميع الدوائر، وما لا نرضى به في جبيل لن نقبل به في كسروان مهما كانت النتائج والذرائع.
وازاء ذلك، تبدو المعركة الانتخابية مفتوحة على احتمالات محددة في ظل اصرار المرشح سعيد على خوض المعركة الانتخابية ويقينه بامكان فوزه بعد ان اتضح حجم الخلاف داخل قوى 8 آذار خصوصا بين تيار عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري ولما لهذا الامر من انعكاس على تشتيت الاصوات الشيعية في القضاء والتي للنائب سعيد وللعائلة فيها تاريخ طويل من علاقة حسن الجوار والتحالف الذي وان كان واقع حزب الله قد ارخى بظلاله عليها إلا انها علاقات متجذرة وليست عابرة ولم تكن يوما ظرفية.
ومن هنا تشير التوقعات الى ان دخول حزب الله على خط المواجهة الانتخابية في جبيل أكد للناخبين الجبيليين صوابية راي المرشح سعيد لجهة سعي الحزب الى تكريس هيمنته السياسية مع تيار عون على القرار اللبناني عموما والمسيحي خصوصا وفي عقر دار المسيحيين. مما افقد تيار عون الكثير من مقومات خطابه السياسي لجهة القرار اللبناني والمسيحي المستقل، وكل هذه المؤشرات تصب انتخابيا في صالح المرشح سعيد.
واذا كان المستقلون يخشون المواجهة مع حزب الله، فان سعيد لم ولن يتأخر يوما سواء من داخل الندوة البرلمانية او من خارجها عن القيام بواجبه في التصدي لجميع مشاريع الحزب السياسية والوطنية، فكيف الأمر اذا كان الحزب يسعى الى فرض سيطرته على جبيل.