بعد أقل من سنة على الإقتراع الشعبي ضد نظام مشرفّ الذي أعاد الثقة بالحكم الديمقراطي المُنتَخب، تواجه باكستان أزمة سياسية كبرى ناجمة عن تصاعد التوتّر بين الشريكين الكبيرين: “حزب الشعب الباكستاني” بقيادة آصف زرداري، وحزب نوّاز شريف.
.ويُستفاد من نقاشات في الكواليس، ومن مقابلات مع كبار السياسيين، أن الوضع سوف يتدهور أكثر إذا ما أخفق الحزبان الكبيران في حلّ خلافاتهما قبل موعد “المسيرة الكبرى” ثم الإعتصام في العاصمة الفيدرالية الذي دعت إليه نقابة المحامين من أجل إعادة قضاة المحكمة العليا الذين عزلهم الجنرال مشرّف. ويقول مسؤول سياسي كبير طلب عدم الإفصاح عن إسمه: “سيكون مؤسفاً جداً إذا ما أخفق الجانبان في تجاوز مصالحهما الشخصية من أجل حل خلافاتهما”، مضيفاً أن أن قادة الحزبين الكبيرين عمدوا إلى تبادل الإتهامات المباشرة من أجل تعزيز شعبيتهم بعد أن أخفقوا في الوفاء بالتزاماتهم حول القضايا الكبرى للبلاد.
ووسط شائعات بأن المحكمة العليا، التي يترأسها قاضٍ كان الجنرال مشرّف قد عيّنه، تستعد لإعلان عدم أهلية نوّاز شريف لترشيح نفسه للإنتخابات البرلمانية، وجّه نوّاز شريف إتهامات لرئيس الجمهورية آصف زرداري (وهو رئيس “حزب الشعب” كذلك) بالتواطؤ مع القضاة، وبنسج مؤامرة لإبطال أهلية نوّاز وشقيقه. ويقول محلّلون باكستانيون أن الهجوم القوي الذي شنّه نوّاز شريف ضد إسلام آباد يمكن أن يغيّر مسار الأمور في الأيام المقبلة. فهنالك بوادر واضحة إلى أن الخلاف بين حكومة زرداري والمعارضة التي يقودها شريف ستأخذ شكل مواجهة شاملة، خصوصاً بعد إعلان شريف أنه سوف يشارك في “المسيرة الكبرى” للمحامين ضد حكومة “حزب الشعب”.
ومن نواحٍ عدة، فالوضع الراهن مألوف في السياسات الباكستانية، حيث بالكاد تنجح أية حكومة في الإستمرار لسنة كاملة. إن سيف عدم الأهلية المسلّط على نوّاز شريف في المحكمة العليا، مضافاً إلى الإنتقادات العنيفة من جانب حاكم البنجاب (الذي ينتمي إلى “حزب الشعب”) الذي يسعى لإقالة الحكومة المحلية للبنجاب التابعة لنوّاز شريف وشقيقه، قد أقنعت نواز شريف بأن خصومه يسعون إلى إخراجه من الحياة السياسية. ومع ذلك، فمعظم المراقبين لم يكونوا يتوقّعون من نوّاز شريف أن “يفتح قلبه” بطريقة بدت وكأنها إعلان حرب ضد آصف زرداري.
إن قادة “حزب الشعب” قد يكونون على حقّ حينما يتّهمون نوّاز شريف بالسعي للإستفادة سياسياً من قضية إعادة القضاة المعزولين إلى وظائفهم، ولكن الأهم هو أن أن الرئيس آصف زرداري قدّم تعهّدات علنية، وحتى تعهّدات مكتوبة، ولكنه لم يفِ بها. يضاف إلى ذلك أن الشقيقين “شريف” باتا مقتنعين بأن دعوى “نزع الأهلية” قد تنتهي بحكم ضدّهما، وذلك في ضوء تصريحات حاكم البنجاب الذي توقّع إقالة الحكومة المحلية قريباً. ونظراً لكل هذه الملابسات، فإن الحملة التي يقودها نوّاز شريف قد تشكّل دفعاً قوياً لتحركات المحامين، وقد تدفع البلاد نحو مرحلة جديدة من الفوضى والتسيّب.
amir.mir1969@gmail.com