لا يمكن تجاهل الدور الذي لعبه المسيحيون من الطبقة دون الوسطى في الوصول الى الكارثة. هؤلاء، الذين خذلوا فؤاد شهاب في الماضي..
انتهى “العهد القويّ”. قد لا تكون لديه من مهمّة أخيرة في السنة والشهور الأربعة الباقية له سوى افقار اللبنانيين اكثر وتحويلهم الى مجرّد متسوّلين بناء على رغبة من أوصل ميشال عون الى موقع رئيس الجمهوريّة في آخر شهر تشرين الاوّل – أكتوبر 2016، أي “حزب الله”.
ينفّذ الحزب، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، اجندة لا هدف لها سوى تحويل لبنان واللبنانيين الى مجرّد ورقة تستخدمها “الجمهوريّة الاسلاميّة” في معاركها الخارجيّة، خصوصا مع الدول العربيّة المطلوب ان ترضخ لها، ومع الولايات المتحدة التي عليها العودة الى تمويل المشروع التوسّعي الإيراني، كما حصل في عهد باراك اوباما.
من اجل وضع اليد على لبنان، ليس افضل من افقاره وافقار شعبه.
هذا ما يفسّر كلّ حدث من الاحداث التي مرّ فيها البلد منذ اغتيال رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط – فبراير 2005 وصولا الى تعطيل رئيس الجمهورية تشكيل حكومة في السنة 2021، مرورا في طبيعة الحال بالاغتيالات، التي استهدفت شخصيّات محدّدة، والتفجيرات وحرب صيف 2006 والاعتصام في وسط بيروت واتفاق الدوحة وانتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية وانهيار النظام المصرفي وتفجير مرفأ بيروت.
في كل ما له علاقة بوصول الوضع اللبناني الى ما وصل اليه، لا بدّ من البحث عن “حزب الله” الذي وجد الشخص المناسب بغية تنفيذ المهمّة المطلوب تنفيذها بدقّة ليس بعدها دقّة.
هل هناك شخص آخر غير رئيس الجمهورية الحالي يلقي بكلّ ثقله من اجل الحؤول دون تحقيق دولي في جريمة في حجم جريمة تفجير مرفأ بيروت قبل ما يزيد على تسعة اشهر؟
ليس ما يدل على نهاية “العهد القويّ” وسقوطه المريع سوى الطريقة التي تصرف بها مرافقو صهر رئيس الجمهوريّة جبران باسيل مع فتاة اختارت في البترون ان تقول للصهر في وجهه رأيها فيه. لم تقل الفتاة شيئا باستثناء عبارة “تفو عليك” التي كانت كافية لكشف العهد على حقيقته نظرا الى ان لهذا العهد رمزا واحدا هو الصهر المدلّل لرئيس الجمهوريّة الذي يريد تعليم العالم، بالصوت والصورة، كيف تدار الدول من دون موازنات. من يعتدي مرافقوه على فتاة مسالمة انّما هو مفلس لا اكثر. كذلك، ليس هذا التصّرف الاحمق والزقاقي بامتياز سوى دليل على ان اللبنانيين عموما باتوا يعرفون حقيقة العهد وحقيقة الكلام الفضفاض الفارغ من ايّ مضمون الذي يصدر عنه…
وسط كلّ ما حدث ويحدث في لبنان، حيث يتعرّض المواطن يوميا لكلّ أنواع الذل، بعد سرقة أمواله واحتجازها في المصارف وبعد انهيار كلّ قطاع من القطاعات بما في ذلك التعليم والصّحة والسياحة، لا يمكن تجاهل الدور الذي لعبه المسيحيون من الطبقة دون الوسطى في الوصول الى الكارثة. هؤلاء، الذين خذلوا فؤاد شهاب في الماضي واستجابوا لغرائز بدائيّة تحرّكهم، يتحمّلون مسؤولية كبيرة عن وصول البلد الى ما وصل اليه. هؤلاء لم يتعلّموا شيئا من دروس الماضي القريب وبقوا اسرى تلك الغرائز، التي في أساسها الجهل، والتي جعلتهم يؤيدون ميشال عون ومرشّحيه في الانتخابات النيابيّة للعام 2005.
كانت تلك اوّل انتخابات تجري بعد الخروج السوري من لبنان نتيجة اغتيال رفيق الحريري. تبيّن ان هؤلاء يعشقون كلّ من لديه رهاناته الخاطئة مثل رهانات ميشال عون في العامين 1989 و 1990 على صدّام حسين ورهاناته بعد العام 2006 على استعادة حقوق المسيحيين بواسطة سلاح “حزب الله” المذهبي والميليشيوي ورهاناته الحالية مع جبران باسيل على بطاقة تموينية خاصة بالمسيحيين ستموّلها ايران، على نسق بطاقة “سجاد” التي يعتمدها “حزب الله” مع جمهوره. هؤلاء يعتقدون انّ الفرج آت وانّ ايران ستتوصّل الى صفقة مع الإدارة الأميركية التي ستفرج عن أموال تكفي لجعل ايران قادرة على تمكين “العونيين”، عبر بطاقة تموينية خاصة بهم، من اكتساح المقاعد المسيحيّة في الانتخابات النيابيّة في السنة 2022.
هؤلاء العونيّون” يظنّون انّ إيران ستدعم بطاقة “سجاد” المسيحية التي تسمح لناخبيهم بالحصول على الأرز والسكّر والبيض وبعض اللحم والحاجيات الضرورية. هذا ما يطمح اليه “العهد القويّ” وهذا رهانه الجديد بعد سقوط كلّ الرهانات الأخرى التي يمكن ان تحمل جبران باسيل الى قصر بعبدا. هل ضاق افق المسيحيين الى حدّ لم تعد طموحاتهم تتجاوز بطاقة تموينية؟ هل ضاقت الى حد لم يعد بينهم من يقرأ نصا للاديب الفرنسي الساخر فولتير (1694 – 1778) ينطبق على الوضع اللبناني الراهن الذي يجمع بين الحرامي العادي والحرامي السياسي بطريقة عجيبة. جاء في النص:
“الحرامي العادي: هو من يسرق مالك، محفظتك، دراجتك، مظلتك…
الحرامي السياسي: هو من يسرق مستقبلك، احلامك، علمك، صحتك، قوتك، ابتسامتك…
يكمن الفارق الكبير بين هذين النوعين من الحرامية في ان الحرامي العادي يختارك من اجل سرقة ما تملكه، بينما الحرامي السياسي، فانت من تختاره كي يسرقك.
الفارق الكبير الآخر، وهو لا يقل شأنا عن الفارق الاوّل، انّ السارق السياسي محمي عادة من مواكبة للشرطة”…
لا حاجة الى مزيد من الكلام. عاش فولتير في القرن الثامن عشر. ليس ادقّ من وصفه لحال بعض المسيحيين اللبنانيين الذين ما زالوا يراهنون على رهانات ميشال عون وجبران باسيل في العام 2021.
نقلاً عن « أساس »
*