في لقاء سريع مع “الشفّاف” في باريس، تحدث بسام أبو الشريف عن تحوّل مطلب الدولة الفلسطينية إلى مطلب أميركي مرتبط بضرورات النجاح في العراق والخليج، وعن محادثات سرية بين “حماس” وإٍسرائيل، ومواضيع أخرى.
بسّام أبو الشريف كان مستشاراً للرئيس الراحل ياسر عرفات، وقبل ذلك أحد قياديّي “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، ورئيس تحرير مجلة “الهدف” في بيروت، بعد اغتيال غسّان كنفاني. يعيش بسّام أبو الشريف الآن في “رام الله”، وهو من المغضوب عليهم من قيادة السلطة الفلسطينية بصفته “عرفاتياً”!
أجرى الحوار بيار عقل
*
الشفّاف”: كيف الوضع الفلسطيني الآن؟ جيّد أم “زفت”؟
أبو الشريف: الوضع الفلسطيني في حالة إنتظار وقلق سياسياً، بانتظار أن تطبّق القوى الكبرى ما وعدت به بإقامة دولة مستقلة للفلسطينيين في نهاية هذا العام. وقلق بسبب عدم الثقة بأن هذه القوى سوف تفي بوعودها، كما فعلت في السابق. هذه المشاعر العامة مغلّفة بأزمة إقتصادية حادة نتج عنها حالة فقر مدقع لم يسبق للفلسطينيين أن عاشوها، جعلت من الوضع إجمالاً وضعاً سيّئاً وخطيراً. فالفلسطينيون يرون أن الولايات المتحدة تبتعد عما وعدت به تدريجياً، ويرون بأم العين أن أكثر من 56 بالمئة من أبناء الشعب هم دون خط الفقر، الشيء الذي لم يحدث إطلاقاً حتى في أصعب أيام الإنتفاضة.
وما يزيد في شعورهم بالكبت، واستياءهم من هذا الوضع، الإنتفاخُ غير الطبيعي وغير المتناسب لأجهزة الأمن ومعداتها (لمكافحة الشغب!)، ومئات من السيارات الجديدة لهذه القوى. فهم يعلمون أن هذا يكلّف الخزينة مبالغ طائلة هم أحوج إليها لتحسين الوضع الإقتصادي. وفي الوقت ذاته، يعاني المواطن الفلسطيني من الضرائب العالية التي تُجبى منه ولا يرى مردوداً لها. سواءً ضرائب الحدود، أو الدخل، أو المبيعات. فقد بلغت الأموال التي جنتها السلطة من المواطنين عبر هذه الضرائب أكثر من مليار ونصف مليار دولار ، ولم يرَ المواطن تحسّناً في معيشته، أو في مستوى العلاج الصحي، أو في مستوى المدارس
هذا كله يجعل الوضع الفلسطيني بركاناً يكاد ينفجر.
الشفاف: ما رأيك بتصريحات أولمرت التي أعلن فيها نهاية الحلم الصهيوني الأصلي وبدعوته الإسرائيليين لعقد إتفاق سلام مع الفلسطينيين قبل أن يفوت الأوان؟
أبو الشريف: تصريحات أولمرت، قبل إٍستقالته، هي نصائح للإسرائيليين نابعة من إلمام أولمرت التام بحتمية إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. وهو يعلم أن إقامة هذه الدولة بات شرطاً من شروط إنقاذ الوضع الأميركي في العراق والخليج وهذا يعني، كما استوعب أولمرت، أن الولايات المتحدة ترى في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة مصلحة من مصالحها.
لقد أطلق أولمرت نصيحته العلنية لعلمه أن تجاوب إسرائيل السريع مع المطلب الأميركي سيعطي إسرائيل إمتيازات في الحلّ، في حين أن تلكّؤ إسرائيل وإطالتها للوقت سيثير الأميركيين ويقلّل من إمتيازات تحلم بها إسرائيل خاصة بالقدس وبإلغاء حق العودة.
الشفاف: ماذا ستفعل ليفني؟
أبو الشريف: ليفني ليس لديها تاريخ عسكري حسب المقاييس الإسرائيلية. وحسب هذه المقاييس، فإن التاريخ العسكري هو أهم مؤهلات من يريد أن يصبح رئيساً للوزراء أو قائداً سياسياً. من هذه الزاوية، ليفني أضعف من غيرها كرئيسة وزراء، وستواجه صعوبات في عملها وقد تضطر لإجراء إنتخابات مبكّرة في حال فشل الحكومة.
لكن ليفني تحظى بتأييد أغلبية حزب “كاديما”، مما يشدّ أزرها ويضعها في موقع الضاغط الحقيقي لتشكيل الحكومة.
من ناحية أخرى، تحظى ليفني بتأييد أميركي وأوروبي لأنها تدعم عملية السلام. وهذا يعطيها مزيداً من القوة داخل إسرائيل. ستتابع ليفني الخط الذي انتهجه أولمرت في التنسيق شبه الكامل مع الولايات المتحدة حول عملية السلام.
“الشفاف”: هنالك شائعات حول محادثات سرّية بين “حماس” وإٍسرائيل؟ هل هذا صحيح، وماذا تريد “حماس”؟
أبو الشريف: صحيح، هنالك مباحثات سرّية بين “حماس” وإسرائيل. البحث يتناول تبادل الجندي الإسرائيلي “شاليط” بأسرى فلسطينيين من جهة، كما أن هنالك معلومات بأن”حماس” بحثت مع إسرائيل موضوع “التهدئة”، كما يجري الآن. فالأوضاع “هادئة” بسبب هذا الإتفاق. وهنالك بحث ثلاثي إسرائيلي-مصري- حماسي بشأن معابر رفح وفتحها أمام الفلسطينيين ضمن شروط ترضي جميع الأطراف، بما فيها إسرائيل.
ومثل هذا البحث لا يمكن أن يجري بعيداً عن إطاره السياسي. والإطار السياسي في هذه الحالة هو الخطوات التي ستؤدي إلى السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين!
“الشفّاف”: هل هنالك إحتمال لأي إتفاق إسرائيلي-فلسطيني قريباً؟ ووفقاً لأية خطوط؟
أبو الشريف: قبل استقالته، اقترح أولمرت بعض النقاط للتعجيل في إتفاق السلام، ومنها تأجيل بحث قضية القدس لعدة سنوات وتأجيل بحث “حق العودة، وقد رفض الفلسطينيون هذه الإقتراحات. إلا أن الرئيس بوش وجّه دعوة للرئيس الفلسطيني لبحث ردم الهوّة الأخيرة في مفاوضات السلام.
ويخشى الفلسطينيون أن لا تكون هاتين النقطتين (القدس وحق العودة) هما النقطتان الوحيدتان اللتان يضغط الأميركيون والإسرائيليون على الفلسطينيين للقبول بهما أو تعديلهما بما يرضي إٍسرائيل. إذ يتحدث الفلسطينيون عن سيادتهم على الحدود بين فلسطين والأردن، وبين فلسطين ومصر، وسيادتهم على مياههم الإقليمية، وسيادتهم على الأجواء الفلسطينية.
كما يتحدث الفلسطينيون بقلق عن مياه الضفة التي تسرقها إسرائيل بنسبة 85 بالمئة، وتدمّر من خلالها الزراعة الفلسطينية . كما يتحدث الفلسطينيون بقلق، وخاصة الطبقة التجارية، حول عمليات الإستيراد، والنسبة المئوية للجمارك التي أنهكت الفلسطينيين بسبب تحكّم إسرائيل بتلك النسب حتى الآن.
إلا أن الشعور العام هو أن السلطة الفلسطينية تلهث وراء توقيع إتفاق قبل خروج بوش من البيت الأبيض.
ويبدو، كما تشير معلومات مؤكدة من واشنطن، أن البيت الأبيض يريد أن تتمّ هذه العملية قبل خروج بوش من البيت الأبيض.
“الشفّاف: ماذا عن موضوع القدس؟
أبو الشريف: لا يمكن لأي فلسطيني، بما فيهم أبو مازن، أن يتنازل قيد أنملة عن القدس الشريف. ولا يمكن لأي فلسطيني أو عربي أو مسلم أو مسيحي أن يقبل باستمرار إحتلال الأماكن المقدسة المسلمة والمسيحية في مدينة القدس.
ونحن نعتبر أن كافة الأراضي التي ضمّتها إسرائيل خلف الأسوار الإسمنتية، أو صادرتها، لتوسيع “معاليه أدوميم” هي أراضي فلسطينينة، وأن كافة إجراءات إسرائيل وبناء المستوطنات في القدس هي إجراءات مخالفة للشرعية الدولية وتعرقل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. لذلك، فموضوع القدس ليس موضوعاً فلسطينياً فقط، بل هو أكبر من ذلك.
والمسؤولون الإسرائيليون يعلمون أن كل التبجّح السابق غير مقبول دولياً وإقليمياً، وستكون القدس الشريف عاصمة للفلسطينيين، وإن بقيت جزءاً من القدس الموحّدة.
“الشفّاف”: ماذا عن تبادل الأراضي؟
أبو الشريف: فكرة تبادل الأراضي أُقِرّت في طابا، ولكن لم يتم الإتفاق حول الأراضي التي سيتمّ تبادلها.
وقد رفض الرئيس ياسر عرفات إقتراح الوفد الإٍسرائيلي الذي كان يمثّل رئيس الحكومة آنذاك، وهو إيهود باراك، بأن يُعطى الفلسطينيون أراضي في “النقب” مقابل الأراضي التي صادرتها إٍسرائيل لإقامة المستوطنات الكبيرة مثل “معاليه أدوميم” و”أرئيل”. وأصر أبو عمار أن الأراضي المتبادلة يجب أن تكون بعد “الخط الأخضر”، مع أنه وافق على مبدأ التبادل.
وأنا من هذا المبدأ أقترح أن تُسَلّم عكّا ويافا وأراضيها وأراضي “شفا عمرو” للفلسطينيين. فيافا وعكا مدينتان عربيتان، وقرار التقسيم وضعهما كأراضي للفلسطينيين، ويافا تتمتع حتى الآن بطابعها العربي، كما هو الحال في عكا.
“الشفاف”: هل فشل أبو مازن؟ وهل توجد قيادة فلسطينية بديلة؟
أبو الشريف: زيارة أبو مازن للولايات المتحدة للقاء الرئيس بوش قد تكون محاولة أبو مازن لإنقاذ الوضع، ووضعه هو شخصياً!
فإن تم الإتفاق في نهاية العام، وتمّ توقيع إتفاق سلام لإقامة دولة ضمن المواصفات الفلسطينية، فهذا يعني أن أبو مازن نجح، أو أُنجِح.
وإن لم يفعل، فإن استقالته تصبح من الواجبات الفورية.
وهذا لا يعني أن هنالك تحركات داخل البيت الفلسطيني لزعزعة مكانة أبو مازن، وربما تنحيته. إذا رأت بعض الجماعات المشاركة في السلطة والتي تحاول زعزعة مكانة أبو مازن أن ذلك ليس ضروريا ً لاستلامها السلطة. وهذه الجهات ليست جهات “فتحاوية”، ومدعومة من الغرب وتسيطر على عوامل القوة، كالمال والأمن!
لذلك، لا نستطيع أن نقول أن أبو مازن فشل، ولكن هذا هو الوضع. وضع أبو مازن متأرجح، وخشبه الخلاص الوحيدة له هي هو أن يطبّق الأميركيون ما وعدوا أبو مازن به، بإنشاء الدولة الفلسطينية.