هناك شيء خاطئ يحصل، شيء غير أخلاقي بالمطلق يدين قوى المعارضة، صحافة واعلاماً واحزاباً وشخصيات ومواطنين.
لا يمكن التظاهر برفض سياسة الاغتيالات وادانتها لفظيا والتباكي على ضحاياها، والاستفادة في الوقت نفسه من نتائجها بدم بارد، فكأن الامر بديهي ومنتظَر كون الضحايا لا يمتثلون لما يُطلب منهم! أو أن الموت يطاول هؤلاء وهم نيام في أسرّتهم او من جراء إصابتهم مرض عضال.
ألم يكن استشهاد الحسين جريمة سياسية بامتياز؟ ألم يكن أحد أبعاد استشهاده كشف فساد الامويين وانحطاطهم؟ ألم تكن شهادته نضالا ضد الظم؟ ألم يكن سلوكه درسا أخلاقيا في الدرجة الاولى؟
فكيف يقبل بالظلمَ من يدّعي انه يضع الحسين نموذجا لسلوكه؟ وكيف يقبل به هذا الذي يكاد يحتكر الاخلاق والشرف؟ وكيف يقبل بالجريمة السياسية التي يجب ان يكون اول من يدينها؟
اذا كان صحيحا ان هناك ادانة فعلية للجريمة السياسية وانها حقا تهدد التوافق الوطني، فما على هذه المعارضة سوى إبطال مفاعيل هذه الاغتيالات. هي وحدها في استطاعتها ذلك، بعدم قبول الاستفادة بأيٍّ من مفاعيلها في أيّ شكل من الأشكال.
أتساءل ماذا كان ليحدث لو أن الذين يجري اغتيالهم ينتمون الى صف قوى المعارضة؟ أما كنا دخلنا دورة النزاع المسلح، وتم افلات العنف من عقاله؟
في كل مرة يتم “التنغيم” بأن الاتهامات جاهزة وتطاول جهة واحدة، في تلميح ضمني الى أن من يقوم بهذه الاغتيالات ربما يكون إسرائيل او حتى الولايات المتحدة نفسها، وربما ربما تكون قوى 14 آذار هي التي تتواطأ مع فرق موت محترفة لكي تصفّي من يتيسر من نوابها بهدف الاستفادة من هذه الجريمة، طالما انها في كل مرة تحصل على “فائدة ما”، من مثل قرارات الامم المتحدة التي تتواصل بوتيرة متسارعة تسارعَ الحوادث نفسها والاغتيالات.
المطلوب بحسب أطراف المعارضة ان يحصل الاغتيال وان تمتنع قوى 14 آذار عن أيّ رد من أيّ نوع، والا فإنها تكون متواطئة!
في هذا موقف مضاد، ليس للأخلاق فحسب بل للمنطق والعقل. فإذا كانت قوى 14 آذار هي وراء قتل نوابها وشخصياتها، فعليها على الاقل الاستفادة من هذا القتل!
يرفض الأطراف المعارضون قراءة التاريخ، ويرفضون الاعتراف بأن التغيرات التي حصلت في لبنان منذ استشهاد الرئيس الحريري هي تغيرات جوهرية بحيث لم يعد ممكنا العودة عنها، وتطاول فئات لبنانية واسعة أعلنت في مناسبات عدة انها تخطّت عتبة الخوف وانها على استعداد لتحمل نتائج الخيارات الوطنية والناضجة كافةً، ومكابدتها، مقابل تحقيق سيادة لبنان واستقلاله وحريته بشكل تام وغير منقوص.
ان صمود هذه القوى الاستقلالية يجب ان يكون الدليل الواضح على ان الظلم كالذي تعرض له الحسين نفسه، وأن هذه الجرائم الارهابية لم تعد تخيف احدا ولن تنجح في ترهيب أحد بعد الآن.
السؤال، هل للخطب من معنى؟ يتم التوجه الى قوى 8 آذار ومخاطبتها بأنها أشرف الناس. حسناً، فلنسلّم بأنها أشرف الناس، ولكن هل لهذه الكلمة من معنى محدد؟ هل هي كلمة لها بعد أخلاقي ينتج منه سلوك مشابه؟
كيف يرتضي اشرف الناس قتل البشر بسبب دفاعهم عن افكارهم السياسية؟ أليس في ذلك خيانة للشرف والأخلاق؟
كيف يمكن هذه القوى الشريفة والمقاومة ان تستفيد، لأنها مستفيدة طبعاً، من جرائم الاغتيال السياسي التي تشكل جريمة مزدوجة، يتم التخطيط لها بدم بارد وبقصد القضاء على صوت نعارضه في السياسة والموقف؟ أليس في ذلك تعبير عن منتهى الضعف والخسة؟
ليس الذهاب فقط الى المجلس هو السلوك الوطني، ولا الاقامة فيه هي ما يقطع الطريق على الجريمة، كما يخبرنا رئيسه، لكن بالامتناع عن استخدام ذريعة النصاب وكيفية ادارته وبانتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن.
والا فإن السكوت لا يعني فقط القبول بالجريمة السياسية، لكن أيضاً انتظار تتابع فصولها والاستفادة من نتائجها التي تهدد كيان الدولة ومصيرها.
ان في هذا الموقف تواطؤاً مع المجرمين، سواء أكانوا من الدول الشقيقة او العدوة.
كلمة أخيرة لمن يقف وراء هذه الجرائم المتسلسلة. أسأل احيانا عن مدى استفادتي من اختصاصي في مجال الاعاقة العقلية، وأجدني أجيب ان استفادتي هي مجرد حكمة بسيطة تعلمتها من هذا الاختصاص مفادها ان المتخلف عقليا قد يجيب إجابة صحيحة عندما نسأله ماذا يساوي واحد + واحد، ويمكن ان يتوصل الى حفظ 2+2 =4. لكن عندما يتعرض لمسألة حسابية جديدة او أكثر تعقيدا بقليل، كأنْ يُسأل 2+4؟ فإنه يرتبك ويضيع فنجده يلجأ الى الاجابة نفسها التي تعلم بواسطة التشريط انها صحيحة، فيجيب الجواب “الصح” أي 4!
على المجرمين والمستبدين ان يكونوا أكثر ابداعا الآن. لم تعد هذه الاستجابة ملائمة. يجب ايجاد واحدة جديدة لأن القديمة فقدت صلاحيتها.
النهار