خاص” الشفاف” –
كيف يقرأ الايرانيون الابعاد الجديدة للاستراتيجية للرئيس الامريكي الجديد باراك اوباما التي بدأت معالمها في ما يتعلق بالتعاطي مع الموضوع الايراني وتشعباته الداخلية والاقليمية تتكشف تدريجيا من خلال التصريحات التي يدلي بها او التركيبة الحكومية التي اعلن عنها خصوصا في اختياره للسيدة هيلاري كلينتون وزيرا للخارجية في ادارته. وما هي الاجراءات التي قد تعتمدها هذه الادارة في التعاطي مع ايران انطلاقا من الملف النووي والدور الاقليمي؟
اسئلة قد يكون من المبكر تقديم اجابات نهائية عليها، الا انها دخلت حيز النقاش والدراسة لدى الاوساط السياسية الايرانية منذ ان بدأت تتكشف ملامح الاستراتيجية الامريكية الجديدة. اذ تحاول هذه الاوساط استعادة كل الاشارات التي مرت في تصريحات الرئيس الجديد واعضاء ادارته جانب التوجهات العملية التي اعربت عنها هذه الادارة على الصعيدين السياسي والعسكري في الجوار الايراني المباشر والاقليمي. ما دفع هذه النخب والاوساط لوضع تصورات حول احتمالات التعاطي الامريكي السياسي والدبلوماسي، وصولا الى فرضيات النوايا الامريكية لمواجهة الطموحات الايرانية النووية والاقليمية، من دون استبعاد فرضية العمل العسكري الذي سيدفع ايران للرد الامر الذي قد يؤدي إلى توريط كل الاطراف في المنطقة بالاستفادة من الاذرع التي تمتلكها، ليس بهدف قلب المعادلة لصالحها، بل لارباك وعرقلة أي مشروع يكمن وراء التخلص منها، انطلاقا من القول “انا الغريق فما خوفي من البلل”. في مقابل تأكيدها الدائم على رغبتها في عدم الوصول الى هذه النقطة، مرجحة التفاهم والحل الدبلوماسي والسياسي لكل الملفات ذات العلاقة بها على اساس الاعتراف بثقلها الاقليمي ونهائية نظامها القائم.
وتعتقد الاوساط المساهمة في رسم الاستراتيجية الايرانية النووية والاقليمية والدولية، وخصوصا تلك المتعلقة بالعلاقة والحوار مع الولايات المتحدة الامريكية، وبناءً على قراءة ودراسة المواقف الامريكية، ان ادارة الرئيس اوباما امامها خيارات عدة في التعاطي مع الموضوع الايراني، تبدأ من:
1 – اعتماد سياسة الدبلوماسية المتعددة الاطراف.
2 – هجوم عسكري استباقي.
3 – الاحتواء والردع.
4 – العمل على نشر وتعزيز الديموقراطية في ايران.
5 – امكانية اللجوء الى عقد صفقة شاملة مع ايران.
وبعيدا عن ترتيب او فرض اولويات على الادارة الامريكية، الا ان كل هذه الخيارات تهدف الى وضع حد للارباك الذي سببته وستسببه الطموحات الايرانية النووية والاقليمية امام الادارة السابقة والحالية. خصوصا وان الموضوع النووي يشكل الهاجس الملح للادارة الامريكية والبعد الرئيس في المواجهة بين البلدين، في حين ان النظام الاسلامي الايراني وطموحاته السياسية الاخرى تأتي في المرحلة التالية بعد التوصل الى حل للازمة النووية.
وتعتقد هذه الاوساط ان الخيارات الامريكية لمواجهة الطموحات النووية الايرانية ضيقة ولا تخلو من تعقيدات. فاما اللجوء الى الخيار العسكري وتدمير البرنامج النووي، او الذهاب الى صفقة تسمح لطهران بالموافقة على المحفزات والامتيازات الاقتصادية المغرية التي سيقدمها الغرب لها بديلا عن البرنامج النووي، او السير في فرض عقوبات اقتصادية وعزلة سياسية اكثر تشددا.
في الجانب السياسي او المفاوضات المتعددة، يبدو ان على واشنطن العمل لتعزيز الاجماع الدولي المنقوص بسبب التردد الروسي والصيني في مواجهة البرنامج النووي الايراني بمشاركة دول الاتحاد الاوروبي والوكالة الدولية للطاقة الذرية خصوصا في ظل الازمة الاقتصادية العالمية حاليا. أي ان على الادارة الامريكية ادخال الصين في اطار جدول اعمالها الايراني، وثم اكتساب ثقة الجانب الروسي الذي يحاول قطع الطريق امام أي مساس بمصالحه المالية والتجارية والسياسية في ايران، واستغلال المخاوف الروسية من تحول ايران الى دولة نووية مطلة على دول مجال موسكو الحيوي في اسيا الوسطى والقوقاز. وذلك من خلال تعريف امريكي – روسي – اوروبي مشترك من ان ايران النووية – عسكريا – لن تكون في صالح أي من الاطراف. من دون ان يعني ذلك التخلي الاوروبي عن تحفظاته السياسية والفكرية حول الرفض الامريكي لماهية النظام الاسلامي في ايران وسعيه لفرض عملية تغيير من الخارج. وهو موقف اوروبي قابل استراتجية المحافظين الجدد في امريكا والتي كانت سائدة الى ما قبل انتصار الديموقراطيين في الانتخابات الاخيرة، مع ادراك الاوروبيين للتهديد الذي تشكله ايران النووية وقوتها الصاروخية وقربها من البحر الابيض المتوسط واهدافها السياسية على الامن الاوروبي. في حين يتفق الطرفان على ان ايران النووية ستؤثر على التركيبة الجيو – سياسية للشرق الاوسط والاثقال الاقليمية لكل من تركيا والسعودية ومصر، ما سيحد من القدرات الامريكية على المناورة.
ويعتقد الايرانيون بعدم وجود موقف موحد داخل مراكز القرار الامريكي حيال ايران، لكنها تتفق جميعها على تأخير او منع تحقق الطموح النووي الايراني وحتى ولو كان ثمنه منح طهران امتيازات ومحفزات مغرية، خصوصا في مجال الصناعة النفطية والغاز ما يساعد الاخيرة على سد حاجاتها التكنولوجية في هذا المجال ووقف التراجع التقني الكبير فيها والتي يقدر الخبراء ان منشآتها النفطية آيلة الى التوقف في العقد الثاني من القرن الحالي. لكن التحدي يبقى امام الادارة الامريكية في كيفية منع ايران من التحول الى قوة امنية مستقلة في الشرق الاوسط.
وهنا ، وفي هذه النقطة بالتحديد، لا شك ان واشنطن ستأخذ في الاعتبار الهواجس والمخاوف الاسرائيلية، فضلا عن الابعاد الاستراتيجية لهذا التحول في موازين القوى. فايران بنظر الاسرائيليين، تشكل تهديدا جديا ، ليس ضدها فحسب، بل ضد كل الدول ذات الثقل الاقليمي. اضافة الى عدم امكان الركون لنوايا حزب الله في لبنان في اشعال مواجهة تساعد في تخفيف الضغط عن عمقه الاستراتيجي. وفي وقت تبدو الساحة الفلسطينية غارقة في زواريب ازمتها الداخلية والمطالب الشعبية. لذلك فان الاولوية في الاستراتيجية الاسرائيلية ستتركز على كيفية السيطرة على الطموحات الايرانية غير النووية الاخطر عليها. واذا ما ارادت تل ابيب القيام بهجوم عسكري منفرد على المنشآت النووية الايرانية وتدمير البرنامج الصاروخي، فان هذا الهجوم لن يكون بعيدا عن العين الامريكية وان لم يحصل على موافقتها المباشرة الا انها لن تبقى بعيدة عن تطوراتها كما تعتقد اوساط دبلوماسية دولية على علاقة مباشرة مع الوضع الاقليمي وازماته وشريكة فيه. خصوصا وان طهران ستعتبر هذا العمل العدائي هجوما مشتركا من الطرفين وعندها ستعمد الى الرد باشكال واساليب مختلفة قد لا تقف عند حدود ضرب اسرائيل والقوات الامريكية بل ستطال كل الحلفاء الامريكيين في المنطقة.
الهاجس الاكبر لدى اسرائيل ليس في تحول ايران الى دولة نووية، لاعتقادها بان المسار الذي تسير عليه ايران سيحقق لها هدفها، وليس عليها الخوف منه لان دولا اخرى وقوى دولية لن تسمح به وستواجهه. لكن الهاجس الحقيقي هو طبيعة الحكومة التي ستتحكم بهذه القوة النووية! فاذا ما حافظت ايران على موقفها ورؤيتها المتعارضة مع النظام الاقليمي القائم من وجهة نظر اسرائيلية، فان على الغرب العمل على منع تحولها الى دولة نووية او اللجوء الى عملية سياسية مركبة استباقية “لتأخير” هذا التحول الذي قد يمنحها الحق بالمطالبة بدور اقليمي مؤثر. اما اذا وافقت طهران على حل للقضية الفلسطينية على اساس قيام دولتين على ارض فلسطين، واحدة اسرائيلية واخرى فلسطينية، واعلان تأييدها لمبادرة القمة العربية في بيروت 2002 حول السلام مقابل الارض، فإن ذلك قد يؤدي الى تراجع الحساسية الغربية من امتلاك ايران لقوة نووية، وعندها لن يشكل البرنامج النووي الإيراني هاجسا مقلقا لاسرائيل بقدر هاجس الموافقة على شراكة ايرانية لها في تحديد المسارات الاقليمية المستقبلية.