فاجأ الرئيس الاميركي باراك أوباما العالم بربطه “عقابه” العسكري للنظام السوري بموافقة الكونغرس، لكن وقع المفاجأة يخفت اذا قُرئت بعين اميركية. فأوباما المرشح للرئاسة، كان أخذ، في حملته الانتخابية عام 2008، على سلفه جورج بوش الأبن عدم نيل موافقة السلطة التشريعية قبل حربه على العراق، وهو لا ينوي أن يناقض نفسه في هذا الشأن.
الا أن واشنطن ستناقض رئيسها اذا لم يأذن له الكونغرس بالمبادرة العسكرية التي هدد، عام 2012، باتخاذها، اذا استخدم الأسد اسلحة كيماوية، وهو ما فعله 12 مرة، على الاقل، مذاك. لكن ذلك، إن حدث، وهو صعب التحقق، سيفتح صفحة جديدة في التراتبات الدولية، هي الثالثة في مسار النظام الدولي منذ خمسينات القرن السابق.
فلقد ادخلت أزمة قناة السويس العالم، عام 1956، في مرحلة القطبية الثنائية بين الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد السوفياتي، التي أرغمت باريس ولندن على التراجع، الى جانب اسرائيل، ما قوض هيمنة البلدين في المنطقة، وسهّل لها دورا كبيرا ومستداما فيها، كقوة حاسمة في السياسة الدولية، الى أن سقط جدار برلين عام 1989، فرانت الأحادية الأميركية.
اليوم، تؤشر المواجهة الصامتة في الشأن السوري، بين قطبي الثنائية القديمة، إلى أن ضرب مواقع النظام الأسدي، أو “دفن” تهديد أوباما،سيكونا نقطة فاصلة بين ما قبل و ما بعد.وإذا كانت أزمة قناة السويس أدخلت الاتحاد السوفياتي كفاعل اساسي في الشرق الأوسط، فإن الاحداث السورية أعادت وريثه الاتحاد الروسي الى شفير هذا الدور. واذا كانت الصين تشاطره دعم نظام دمشق، فانها لا تتعامل مع الامر بالسخونة ذاتها، ولا تسعى الى دور مهيمن فيه، وان كانت لا تشيح بنظرها عنه.
لا شك أن الكونغرس الاميركي لن ينظر الى دعم موقف أوباما، من زاوية حزبية ديموقراطية – جمهورية، بل من زاوية الابعاد الاستراتيجية لدور اميركا القيادي العالمي. فإما تتكرر نتائج أزمة السويس التي أنهت الاستعمار القديم في آسيا وافريقيا، بعد 57 سنة من وقوعها، وتنهار صورة واشنطن وهيمنتها، وإما تؤكد واشنطن نهجها القيادي العالمي.
إنه امتحان اميركي بامتياز، وفي الوقت نفسه امتحان سوري. فالنظام استخدم زبانيته في الولايات المتحدة لتمويل تحريك مجموعات ضاغطة للدفع باتجاه عدم ضربه، تحركت في الشارع يوم خطب أوباما، وكذلك شركات علاقات عامة متخصصة، نصحته بأن ينقل التلفزيون السوري الرسمي خطاب أوباما مباشرة، مع ترجمة فورية، في ايحاء كاذب بالبراءة من الكيماوي.
في المقابل لم تحرك المعارضة السورية حشودها في عواصم العالم لتؤكد لشعوبه ان من حق الضحية أن يعاقب المجرم، وهو نقص لا بد أن تستدركه حين يلتئم الكونغرس، بدق أبواب كل السفارات والحكومات في العالم.
RACHED.FAYED@ANNAHAR.COM.LB