المريمتان : مريم يحيى يوسف حاخام يهود اليمن ، ومريم منصور هائل ، وأنا أراهما تحتضنان بعضهما، لا شيء يوسع الكون سوى أحضان المحبة.
**
“لست ضد آلهة الجمهور، بل ضد فكرة الجمهور عن الآلهة”
سقراط
(1)
أظهر تاريخ التجارب البشرية مثلما أظهرت قوانين الطبيعة أن التنوع والاختلاف طبيعة الكون وسنة الحياة، فكلما كانت البلدان متنوعة طبيعياً وثقافياً، كانت أدعى إلى الخصوبة والثراء، وتحقيق سبل التطور على كافة الأصعدة: إنساناً وأرضاً.
وكلما تجانست الأشياء وتشابهت وتماثلت، كان ذلك أدعى إلى الترهل والتشوه، والانقراض، والموت… وجميعنا يعرف كم من السلالات والقوميات والممالك تهالكت وانتهت، لأن مبدأ التنوع والتعدد والاختلاف اختفى من طبيعتها.
تنوع الطبيعة والبشر صفة كونية مهما حاول أبطال التوحد وأعداء التنوع ومشتقاته الملحقة بالواحد – الصنم: المصير، الدين، العرض، الدم، التاريخ، الهوية، اللُحمة، العمومة، والأفخاذ، والبطون، والأحقاو، والمفاصل… الخ، فرضها وحوصلتها في تختة واحدة لا ثاني لها. وشئنا أم أبينا، فقانون الطبيعة يقوم على التنوع والاختلاف والتعدد هذا القانون الذي تعرفه الطبيعة، ولا تعرف سواه.
(2)
الكثير من تفاصيل التاريخ العربي، وكذلك ما نشاهده يومياً، من سيرورة البرزخيات الخانقة للمواطن العربي تحكي لنا كيف حل الهلاك والموت المدمر في مفاصل الحياة العربية لتفنن طغاته في إبداع: مجمع الإجماع المتماثل والمتطابق والأيديولوجيات العقائدية القاتلة، ومن ثم تحويلها –هذا الإنسان- إلى غرائز هائجة منفلتة تستنطق المجاعات الذهنية والروحية للأدوات القمعية في الدولة بأجهزتها التعليمية والدينية والدنيوية.
فأصبحت غرائزنا خبيرة وبعبقرية في عمليات ترشيح وتقطير الشبيه والمتشابه الذي يعجبنا ويثبت حكمنا لأطول مدى. أما الذي لا يشبهنا، المختلف، فقد استأصلناه بمجاعة تاريخية الاستحواذ. هذه الواحدية هي التي قادتنا إلى أن نكون كائنات مفخخة بالغرائز المنفلتة والمتفلتة.
(3)
لقد جرى إخراج إخوتنا وأصدقائنا المسيحيين، وأقوام الديانات والقوميات الأخرى، من أوطانهم، مرة بالقتل، ومرات بالحروب اليومية، ومرة بالأذية الهائجة في أرضهم وقوتهم وقوت أولادهم، فصادرنا أماكن عبادتهم وتعليمهم، وما هو موجود لهم عرضة للعبث والتدمير. كتمنا حقوقهم في التعبير عن ذواتهم الثقافية. جعلناهم خائفين مرعوبين هم وذويهم وأطفالهم، بل وحتى الأجنة في بطون أمهاتهم، استعظمنا عليهم بروح الجنس الآري، ومقولات “خير أمة”. أما هم فآخر أمة، وناقصين وذميين… الخ. فقط لأنهم مختلفون.
وكلما تشدقنا بالديمقراطيات، وحوار الآخر، نحرنا بدم بارد كل ما هو مختلف عنا، ابتداءً من البيت، حتى المدرسة والمنهج المدرسي المتوحش، وكذلك الشارع والحديقة والسوق… الخ.
(4)
لقد تعاقدت الغرائز المنفلتة مع الأجهزة القمعية البوليسية مع دور العبادات، فجرى تحويل وبرمجة المواطن (الغيور!!) بدلاً من مطالبته كأي إنسان في العالم، بمأكل عيش نظيف، وبتعليم يعلي من شأن العقل، وبالأمن والأمان، وسيادة القانون، وفضاء لممارسة الإبداع… الخ، إلى كائنات مفخخة، أحزمة ناسفة على نفسه وعلى كل من حوله، إذا ما شك بأن هناك كائن يختلف عنه ولا يشبهه.
لقد تم افتعال الحروب والأزمات، كما نرى في كثير من الدول العربية: مصر، السودان، العراق، لبنان، إيران، اليمن… الخ، والنتيجة هجرة الملايين من إخوتنا المسيحيين واليهود وأبناء الديانات الأخرى، إلى الدول الغربية. ولا نستغرب أن نفس تلك الغرائز الهائجة تزعق، من أن هناك مؤامرة دولية تفضي إلى تصفية المسيحيين والقوميات الأخرى من الوطن العربي!!
(5)
ومثلما عملنا مع إخوتنا المسيحيين، جرى المعاملة بالمثل، بل وعلى نحو أفظع مع إخوتنا اليهود، فقد كانوا سباقين إلى البحث عن أوطان أخرى تستوعب اختلافهم، لقد اتفق الجميع على إخراجهم وتصفيتهم بصلافة، ووحشية، وتبارت الجارات والدول الشقيقة في التنافس على من يصفي ويستأصل إخوتنا اليهود من بلدانهم الأصلية، وأراضيهم، وبيوتهم، ومتاجرهم، للفوز بالجوكر لنصبح نحن وشقائقنا دويلات مسلمة/ متأسلمة نقية 100%.
ولم نكتفِ بهذا التقطير الوحشي، وبمذهبية دموية بذلك، بل سارعت بعض الأقوام وتسارع جميع القوميات العربية (التطهريين) في تقطير المقطر للمسلم بينه وبين أخيه المسلم الآخر، فتارة بتثبيت دعائم نسل النبي المقدس وصناعة النصر الإلهي المقدس لاستكمال بقية الفرز النسل النقي، والعرق الذي لا يمسه إلا المطهرون، كي لا يتلوث ببقية أصحاب الأديان الأخرى، وتارة بنسل المهاجرين والصحابة، وتارة بالتفرقة المهلكة بين سني وشعي، وجني وأم صبياني، وأصبح المنجز العظيم والوحيد لهذه الغيلان المنفلتة، أنهم يصفون بعضهم بعصاب “المطهرين” بعد أن طهروا أحياءهم وشوارعهم وكل البلد من اليهود والمسيحيين والمسلمين الآخرين، والبهائيين، والبوذيين، وكل الديانات والثقافات الأخرى… بعد هذه الموجات الكاسحة للتطهير العصابي، هل أصبحت بلداننا مسلمة إسلاماً نقياً 100%؟
(6)
هاهي أوطاننا العربية، واليمن، صافية من الأديان ومن كل مختلف. إذن لماذا نتقاتل، ونجزر بعضنا بعضا؟ لماذا لم يتحقق السلم والمحبة، والتآخي، والتعاضد… الخ، “مجتمع الاكتمال”؟ لماذا لم يتحقق الأمان الاقتصادي والسياسي والاجتماعي و… و… و… الخ. في يوتوبيات الأحادية، اللا مختلف، والذي جرى باسمها تصفية البلاد من سكانها، والإبقاء على مجاعات الروح والفكر، وجغرافية التلاشي، ماذا تحقق؟
ها هو، زيتنا في دقيقنا، كما تقول التعابير الشعبية، وكلنا: لحمة واحدة، دين واحد، تاريخ واحد، وغناؤنا ورقصنا واحد، أكلنا واحد، نتثاءب بفم واحد، ونهتف بصوت واحد، ونمشي بخطوة واحدة، وبنوكنا إسلامية، ولبسنا واحد، ونأكل الزبدة الإسلامية، ونشرب حليب البقرة الإسلامية، وبصلنا وبهاراتنا إسلامية خالصة، لا نلبس الجينز، ويقام الحد على النساء بتهمة الاختلاء في الشارع العام، وأصبحنا نساء مطربلات بأردية القيامة ونتعالج بالحبة السواء، والعسل، أو بالأسبرين الإسلامي… فلماذا تتواصل مسيرات الموت والأحزمة الناسفة والتطهير ضد وحدة العرق والبطن والفخذ والهوية؟!!
جميعنا مسلمون، الجميع ربهم واحد، ورسولهم واحد… والدمار يعلو، وسيعلو إلى أن نفنى بدمارنا الذي صنعته غرائزنا، وغرائز الطغاة، والتي جعلتنا كائنات مفخخة مهجوسة بالهويات، وغرائز الانتقام، والثارات المنفلتة، والهيجانات، وحولت حاراتنا وشوارعنا وساحات المدرسة، والمسجد، وغرف نومنا إلى حلبات ثيران، وغزوات سرمدية، ولا ندري حتى اللحظة، كيف تنفجر طاقات الإفناء المسعورة، مع من؟ وضد من؟ ما عرفناه سوى أن الكل يبيد بعضه البعض، والكل يزمجر بعرقه الأنقى، وأن الدماء لم تبلغ الركب، بل لقد طغت على كل مسام في هذه الأوطان.
(7)
لماذا التناحر والتقاتل في باكستان وبنجلادش، بينما في الهند ذات الديانات والإثنيات المختلفة، الهند حيث الثقافات والتقاليد والأساطير، يعيش الجميع في انسجام، برغم الظروف القاهرة التي تتعرض لها الهند.
وهاهي باكستان مسلمة 100%، فلماذا الاعتداء على المساجد والعمليات الانتحارية في بيوت الله، والأسواق، الأعياد؟ لماذا قامت باكستان بتصفية أهلها من الفنانين، والمبدعين, وحملة الأقلام، فتركوا البلاد للغيلان تأكل لحم بعضها؟
ولماذا لا نعتبر من السودان، البلد الذي مساحته تبلغ قارة بأكملها تتعايش الأجناس، والأديان، والتقاليد والثقافات المختلفة، وعندما بدأ التطهيريون حراس الهوية والعقيدة الواحدة في إقصاء للمختلف “الجنجاويد” فحل الموت الدمار في الشمال والجنوب. فالجنجاويدية والطالبانية وكل آليات الموت الحاصد لأي تنوع، هي صناعة إسلامية صرفة، لم تصنعها “إسرائيل” وأميركا، والغرب. جرى صناعتها في قصور الحكام التي أغلقت بقبضة الموت على كل نفس، وكان هذا الترهل وهذا الموت الذي يحيق بالجميع، وفي مركب واحد.
وقبلهم جميعاً هاهي أفغانستان، اقتتال داخل الجماعات التي لا يتعدى عددها أحيانا 3-5 أنفار، كلهم مسلمون يعرفون حقيقة الإسلام، وكلهم قادة وحماة الإسلام، وكلهم يقاتلون الأعداء من أجل رفع كلمة الله والحق، ولذا انقرضت أفغانستان وستنقرض كل دول وطننا العربي لكثرة حماة الهويات المغلقة التي لا تقبل بالتعدد والمختلف.
***
روح السلام والمحبة، تأتي من اللاتماثل، اللاعنف، المبدأ الذي رفع شأنه غاندي للهند كلها وللإنسانية. المختلف روح السلام، أبواب التعايش، فلن يوجد الحب إن وجد التشابه، سنصبح أسوياء، عندما أقبلك، وتقبلني كما أنا، لا كما تريدني أن أكون.
arwaothman@yahoo.com
• كاتبة يمنية- صنعاء
اليمن بلا يهود.. نفق مظلم (1)
عبد العزيز — azez83@gmail.com
شكرا للكاتبة “ليس ما ذكرتيه صناعة إسلامية، فعدم التعايش مع الأعراق والأديان ليست من التعاليم الاسلامية “الإسلام يدعو الى حرية الإعتقاد بصريح القرآن، قال تعالى (( لكم دينكم ولي دين))
فلم تقولين ما قلتيه من أن عدم التعايش صناعة إسلامية