دول الخليج والتي تُلقب ببلدان “الشيوخ ابخص”، مازالت تسير ببطء شديد تجاه الاصلاح على جميع الاصعدة فيما عدا دولة قطر ربما التي تحاول بجدية مواكبة العصر بخطى واثقة.
في البلدان الخليجية ما زالت اهواء واراء “سموهم” و”معاليهم” الخاصة تطغى على السياسة العامة وتسيّر امور الناس. ايضا، كلما سُلطت الأضواء على فساد المسئوليين المالي والاداري، تحركت عداءاتهم الشخصية من اجل تصفية حساباتهم بازدراء بالغ وتحقير مع الحقوقيين والاصلاحيين الذين قاموا بفضحهم واظهار صورهم الحقيقية اما الرأي العام.
جميع الحقوقيين الخليجيين وسجناء الرأي الذين يقبعون في غياهب السجون حتى كتابة هذا المقال، وكل من افرج عنهم، كان اعتقالهم غير قانوني وتعسفي ولم تتوفر لهم محاكمات عادلة.
ثمة اعتقالات مشهورة جرت في دول الخليج، وهي للذكر وليس الحصر، حيث جميعها تمت على اثر كيدي وكره شخصي لهؤلاء الناشطين الحقوقيين، مما دفع بمسئول ما ان يستغل سلطته لصالحه، ويزج بمن يبغض في السجن كعقاب على تطاوله على “سموّه” او “معاليه”.
من البحرين الحقوقي المعروف بتاريخه النضالي الطويل الاستاذ عبد الهادي خواجه، تم اعتقاله والتنكيل به في عام 2007 بتهمة “التحريض علانية على كراهية نظام الحكم والازدراء به، وإذاعة أخبار وشائعات من شأنها إحداث الاضطراب الداخلي بالمملكة والتحريض علانية إلى عدم الانقياد للقوانين ومقاومة السلطات”، حسبما ورد في طلب النيابة. وقبل ذلك، في عام 2004 اعتقل الاستاذ خواجه بسبب انتقاداته لحالة الفقر الذي يعاني منها الشعب البحريني، ومطالبته بمساءلة رئيس الوزراء حيث انه المسئول الأول عن الحالة الاقتصادية الصعبة في البلاد. فهناك فجوة كبيرة بين افراد الشعب البحريني، ثمة ثراء فاحش تتمتع به قلة من الناس وفقر مدقع منتشر بين غالبيتهم، كل ذلك بسبب التوزيع غير العادل لثروات البلاد، والتمييز المذهبي بين ابناء الشعب الواحد.
من عُمان، وتحديدا في يوليو عام 2005، تم اعتقال الشاعر العماني عبد الله الريامي واستدعي للمثول أمام ما يُعرف بالقسم الخاص في (القيادة العامة للشرطة بمسقط)، على خلفية نشاطه الحقوقي وكتاباته المطالبة بالحريات المدنية والسياسية. الاستاذ عبد الله الريامي شاعر ذو حس رفيع، ويمتلك لغة مرهفة جميلة ممزوجة بهموم المواطن العماني وهمومه الشخصية. كان اعتقاله كيدياً بحتاً لتطاوله على بعض التابوهات في السلطنة.
من الامارات في عام 2006، تم اعتقال الدكتور محمد الركن لأسباب سياسية. والدكتور الركن هو نائب رئيس الإتحاد الدولي للمحامين، وأستاذ القانون الدولي بجامعة الإمارات، وكان رئيس جمعية الحقوقيين الإماراتية في السابق. ويرجح سبب اعتقاله لانه انتقد الانتخابات والمجلس الوطني الذي كان قد حدد القبائل والاسر التي يحق لها ان تنتخب وترشح، وذلك على حسب قربها وولائها من الاسر الحاكمة السبعة المستولية على ثروات الامارات بدون منازع.
وبالطبع لا احد ينسى مدى نزاهة المحكمة الاماراتية وعدالتها حين برأت ذمة شقيق ولي عهد ابوظبي الذي ظهر في فيلم وهو يعذّب احد موظفيه بصورة وحشية لا يصدقها العقل.
من الكويت، في نوفمبر 2009 اعتقل المحامي والكاتب الحقوقي الاستاذ محمد الجاسم على اثر قضية مرفوعة ضده من رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح بعد حديث الأول حول الشؤون العامة وانتقاده السياسات الحكومية. واكد الاستاذ محمد الجاسم ان اعتقاله غير قانوني فقد أوضح أنّ هذه القضية وكذلك التهم التي وجّهت اليه ذات غرض سياسي لا يخلو من الكيدية، خصوصاً بعد تعدد القضايا الكثيرة المرفوعة ضده من جانب الشاكي. الجاسم رجل يمتلك قلماً نزيهاً يكشف به الفساد الاداري والمالي المتفشي بين الوزراء وافراد من الاسرة الحاكمة، لذلك خلق لنفسه اعداء في اوساطهم، وبالتالي كان لا بد من تصفية حسابهم معه.
كانت دولة الكويت الدولة العربية الوحيدة التي تفتخر بسجلها وبأن سجونها تخلو تماما من سجناء الرأي حتى ان اعتقل الجاسم، فإنضمت لسائر الانظمة التعسفية في المنطقة.
وتبقى الشقيقة السادسة الكبرى، المملكة العربية السعودية، والتي يعج ملفها الحقوقي بالانتهاكات والاعتقالات غير القانونية. فكل مسئول لديه اشكالية مع حقوقي معين، استغل سلطته وقام بإلصاق تهمة له وزج به في الحبس الى اجل غير مسمى. وربما اشهر المعتقلين الحقوقين الذين شغلوا الرأي المحلي والعالمي هما سجناء العريضة الدستورية، الشاعر علي الدميني، والدكتور متروك الفالح، والدكتور عبدالله الحامد. رجال سيشهد لهم التاريخ بشجاعتهم ونبلهم، فقد اعتقلوا في عام 2004 واودعوا في السجون لأكثر من عام ونصف، بتهمة التحريض على قلب النظام، بالرغم ان ما قدموه في العريضة السلمية الدستورية كان مطلباً وطنياً مهماً، اما عاجلا او آجلا سيدرك القادة في الدولة السعودية اهمية تطبيقة كنظام سياسي حقيقي لتشييد دولة حديثة.
اليوم يقبع الكثير من الناشطين السعوديين في السجون، بالرغم من تعهد الملك عبد الله بن عبد العزيز برعاية الاصلاح والداعين اليه. ومع ذلك، نجد اليوم من بين المعتقلين الاستاذ الحقوقي مخلف بن دهام الشمري، الذي حمل راية التقارب بين المذاهب، وطالب بحماية حقوق المستضعفين من النساء والرجال سواء كانوا مواطنين او غير مواطنين.
منذ 17 يونيو 2010 وحتى هذه اللحظة والاستاذ الحقوقي مخلف بن دهام الشمري رهن الاعتقال بسبب عداء شخصي، لأن التهمة التي أُلصقت به “ازعاج الآخرين” قاضي المحكمة نفسه رفضها واعتبرها ملفقة، وارجعها الى المدعي العام.
في دول الخليج هناك تياران يوجهان سيرها السياسي والاجتماعي. ثمة الذهنية التقليدية التي تنتهج سياسة “الشيوخ ابخص” وانه لا توجد ثمة مساحة للتحاور مع الناس، والاستماع لمطالبهم وتفهم حقوقهم التي اقرتها المواثيق العالمية التي وقعت عليها الحكومات ولم تقم بتطبيق معظم بنودها. بينما على الضفة الآخرى يقبع التيار الثاني والذي ينتمي اليه عدد لا بأس به من العقول المستنيرة بين المسئوليين والمثقفين والمهتمين بالشأن العام، حيث يحاولون بنية صادقة لتأسيس انظمة اصلاحية حقيقية لإرساء في الخليج مجتمعات مدنية حديثة.
حتى تتلاشى سلطة من يتبنون نهج “الشيوخ ابخص” يبقى الوضع الخليجي الراهن كما هو عليه من الانتهاكات الصارخة للحقوقيين والاقليات والنساء والجاليات، الى ان يتم اصدار قوانيين صارمة ويكون هناك محاسبة شديدة لكل من “سموه” و”معاليه” الذي يستغل سلطته، ويفسد في الارض، ويسجن ناس ابرياء لمجرد انهم يطالبون بحقوقهم، او بالاصلاح وترسيخ الثقافة الحقوقية بين افراد المجتمعات الخليجية.
الى متى ستستمر الاعتقالات التعسفية للحقوقيين في بلدان “الشيوخ ابخص”؟
شكرا وجيهة على هذه المعلومات و على هذا النفس النضالي الذي لا يخمد رغم كل الضغوطات