منذ أول رصاصة أطلقها النظام على متظاهر، فقد شرعيته، وبات عليه الرحيل سواء بإرادته أو بدونها. ورغم انه يستخدم آلته الأمنية والعسكرية في حدها الأقصى ضد الشعب السوري وثورته السلمية، فان تصميم الثورة السورية على نيل الحرية والتخلص من نظام القتل لا رجعة عنه مهما بلغت التضحيات، وهو ما يستوجب كمسؤولية تاريخية وسياسية، إيجاد نواة لبديل سياسي يمثل ويجسد الرؤية السياسية لقطاع واسع يشارك في الثورة السورية، قد لا يكون الوحيد، لكنه يعتبر انجاز البديل السياسي لنظام القتل والإبادة، مهمة وطنية تتطلبها مصلحة سوريا الشعب والوطن.
إننا إذ نطرح هذه الوثيقة السياسية، نهدف إلى بلورة رؤى سياسية وطنية عن المرحلة الانتقالية وآلياتها الآمنة والسلمية، وتأسيس أرضية سياسية لعقد المؤتمر الوطني للإنقاذ في دمشق، لكن بأسلوب مختلف يجسد طموحنا وهدفنا في تامين انتقال سلمي للسلطة، عبر آليات وطنية تقود تلك المرحلة الانتقالية، التي نجد بدايتها في إيجاد مجلس تأسيسي منتخب (قدر الإمكان )، لتكون خطوة جادة و مسؤولة لحكومة إنقاذ وطني مستقلة وتوافقية، لا يتمتع أفرادها بأية امتيازات سياسية في مرحلة ما بعد الانتقالية، تكون مهمتها :
– تفكيك الدولة الأمنية ووضع ركائز الدولة المدنية الحديثة التي يسعى كل السوريين لبنائها.
– صياغة دستور عصري يقوم على عقد اجتماعي يجسد سوريا كما هي من تنوع قومي وثقافي وديني، بما يتوافق مع المبادئ والمواثيق الدولية، وإذا كان الإسلام دين الأكثرية، إلا أنه لا يعطي امتيازا لأتباع دين على آخر، ولا طائفة على أخرى ، وحرية التعدد الثقافي والفكري يكفلها الدستور، على أرضية احترام الأديان السماوية وثقافة القوميات المختلفة عبر التاريخ الإنساني في سورية.
– التأسيس لنظام برلماني وحياة ديمقراطية، مبنية على التعددية وتداول السلطة وسيادة القانون، وحماية حقوق وخصوصية كافة مكونات المجتمع السوري.
– إعادة صياغة الهوية السورية بمكوناتها وتمازج وتفاعل هوياتها في دولة تشاركية, مدنية, مكتملة النمو والتطور. وباعتبارها فضاءً واسعاً يعكس الطيف السوري المتعدد ويعتبر هذا التعدد عامل ثراء وقوة.
– سن كافة القوانين المؤسسة للدولة المدنية كقانون الأحزاب والانتخابات والتظاهر وغيرها، التي تضمن المساواة والعدالة والتمثيل العادل لجميع المواطنين.
– إعادة تشكيل الأجهزة الأمنية بوظيفتها الأساسية لحماية الوطن والمواطن، وإخضاعها للمساءلة القضائية والمحاسبة.
– تشكيل لجنة مستقلة من القضاة والمحامين المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة للتحقيق في عمليات القتل والدمار ومحاسبة المسئولين عنها.
– تحدد صلاحيات رئيس الجمهورية بموجب الدولة البرلمانية الدستورية واعتبار فترة الرئاسة لدورتين كل منها أربع سنوات.
– يضمن الدستور سيادة القانون واستقلال السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.
– تهيئة الأرضية القانونية والشعبية لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية خلال ستة أشهر، ٍتكرس تداولية السلطة وحيادية الدولة.
ولعل المبادئ والأسس التالية تمثل وجهة نظرنا في سوريا المستقبل ومحدداتها السياسية والقانونية :
1- الدستور الجديد يعبر عن التعدد الحضاري والثقافي لسوريا، وقومياتها العربية والكوردية والأشورية ومجمل أقلياتها الأخرى، وتعدد أديانها الإسلامية والمسيحية وغيرها، بما يؤطر لبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة، دولة الحق والقانون، دولة تقر بالتعددية السياسية والتنوع القومي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي.
2- ضمان حرية وحق المواطن في التعبير والتظاهر، والمشاركة بالشأن العام، واحترام كرامته الإنسانية، على أرضية ترسيخ حق المواطنة المدنية ( السياسية والثقافية والاجتماعية) المنصوص عنها في كل العهود والمواثيق الدولية، والمساواة في الحقوق والواجبات.
3- احترام الحريات الشخصية وتوفير الظروف المناسبة لممارستها دون تمييز بسبب المعتقد أو الرأي أو العقيدة، واحترام حرية التعبير والفكر وممارسة الشعائر والطقوس الخاصة.
4- سوريا بلد متعدد الثقافات ، وبالتالي فهو يستوجب الابتعاد عن كل الاستعبادات، بل أن وجود الكل في وطن مشترك يفرض الحاجة إلى حرية التعدد الثقافي والديني والسياسي ، وهي الضرورة المبنية أساسا على القبول بوجود الآخر واحترام الاختلاف والتمايز.
5- تكريس مفهوم الانتماء الوطني السوري في الوعي والسلوك الاجتماعي من خلال تمتين أواصر الإخوة التاريخية والشراكة بين كافة قوميات ومكونات المجتمع السوري، وان يكون الحوار السياسي السلمي طريقا وحيدا لبناء الوحدة الوطنية كحاضنة للتنافس السياسي الحر.
6- رفض وحدانية التمثيل ، واعتبارها قضية تجاوزها الزمن ، فهناك الكثير من محددات الوجود المجتمعي متجاورة ، وكل منها له رؤيته الخاصة ، بمعنى انه هناك رؤى سياسية متشابكة في المجتمع ، وتتحدد مصداقيتها من قدرتها على التآلف وقبول الآخر.
7- نبذ جميع أشكال الفكر الشمولي، والإقصائي تحت أي ذريعة كانت، ونبذ العنف في ممارسة العمل السياسي.
8- حل القضية الكوردية حلا ديمقراطيا، على اعتبار أنها قضية وطنية وديمقراطية، وضمان حق الكورد في المواطنة الدستورية والشراكة في الوطن, بما يجسد منعة الوطن المشترك وقدرته على التطور الحضاري، المدني، في إطار دولة الحق والقانون ، وعلى أرضية سوريا لكل السوريين.
9- اعتماد مبدأ الشفافية والعلنية في العلاقات السياسية ، والعمل المؤسساتي والتخصصي سواء في المجال السياسي أو الثقافي أو الإعلامي أو الاجتماعي أو الحقوقي.
10- ضمان حق المرأة السورية في المساهمة الفعالة في مختلف مجالات الحياة، وضرورة تفعيل دورها وتنظيم طاقاتها، لتأخذ دورها المناسب وتتخلص من معوقات اضطهادها المجتمعية بكافة صنوفها.
11- الاهتمام الجاد بالشباب وقضاياهم، وتامين متطلبات انخراطهم في تعبيرات المجتمع المدني الثقافية والاجتماعية والفكرية.
12- حرية تشكيل الأحزاب بما يتوافق مع الدستور، ومفهوم الدولة التعددية، بحيث لا تكون عائقا أمام تآلف المجتمع السوري واندماجه بكافة ألوانه وشرائحه، والمحافظة على وحدة الوطن السوري ، والمساهمة في عملية الاندماج الوطني، كما ويمنع حظر أي حزب سياسي إلا من خلال القضاء المختص.
13- التركيز على وضع خطط واليات تنموية شاملة، لتوزيع الدخل بشكل عادل، ورفع مستوى المعيشة لكل المواطنين، وضرورة اعتماد طرق اقتصادية حديثة، حرة، تضمن تكافؤ للفرص وتوزيع عادل للثروة الوطنية.
14- العمل على إعادة سورية إلى فضائها العربي وتصحيح العلاقات مع الدول العربية الشقيقة، والالتزام بجميع الاتفاقيات السياسية والاقتصادية والدولية.
15- الاهتمام الجاد والمسئول بمسالة المواطنين الفلسطينيين، من حيث تامين كافة متطلبات الحياة الحرة والكريمة لهم.
16- رفض التدخل العسكري الخارجي في الشؤون الداخلية السورية، على قاعدة احترام سيادة سوريا واستقلالها، ودورها الدولي والإقليمي كدولة عضو مؤسس في الجامعة العربية، تلتزم بالعهود والمواثيق الدولية، وفي مقدمتها العهود الخاصة بحقوق الإنسان وكرامته وحريته.
17- السعي إلى بناء أوسع العلاقات السياسية المتكافئة مع المجتمع الدولي، لتكون عامل في استقرار المنطقة، وليست عامل في صراع المنطقة، بما يضمن مصالح الشعب السوري، واستقرار المنطقة وازدهارها.
18- العمل الجاد على تحرير الجولان المحتل بكافة الوسائل المشروعة المتاحة وفق قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة، على اعتبار أن تحرير الأراضي المغتصبة تكفلها كافة القوانين الدولية وشرعة حقوق الإنسان.
أن هذه الوثيقة ليست نهائية، بل تشكل وجهة نظر سياسية للمجلس التأسيسي ومن يتوافق عليها من الأطر الشبابية والفعاليات الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ونرجو ممن يجد فيها أرضية للتشارك، إرسال راية وموافقته على الايميل المرفق، ويعتبر كل من يوافق على أغلبية الفقرات، عضو في المؤتمر الوطني للإنقاذ، مع أحقية الجميع بالاحتفاظ بملاحظاتهم، لفترة الحرية القادمة، وكل ما نأمله راهنا هو أن نبدأ بالخطوة الأولى في إعلان البديل السياسي لنظام الدم والقتل.
دمشق في 14-8-2011
الهيئة الوطنية لمؤتمر الإنقاذ
Snsc2011@snsc2011.org