بعد قضية الحجاب التي لم تنته بعد، برزت قضية النقاب، التي تؤشر على رفع وتيرة التوتر بين المسلمين والمجتمعات الغربية التي يقيمون فيها. فاذا كان الحجاب موضوع خلاف وجدل حول ما اذا كان فرضا دينيا، فان النقاب بلا نقاش لا أساس ديني له. وأغلب الظن أنه انما جاء كرد فعل متطرف ومبالغ فيه على خلفية معركة الحجاب والرسوم الكاريكاتورية، بالضبط كما انتشرت موضة اللحى المصبوغة بالحناء الحمراء، مع حلق الشوارب.
في دورة لتعلم اللغة النرويجية، التقبت بامرأة من باكستان، كانت ترتدي الزي وشال الرأس الباكستاني، والذي يظهر قسما كبيرا من شعرها. أخبرتني بأنها عاشت قرابة ربع قرن في أفغا نستان، ارتدت خلالها، النقاب الأفغاني، الذي طالما شاهدناه على الفضائيات العربية.. العباءة الواسعة مع غطاء الرأس او البرقع ذي الثقوب الصغيرة على منطقة العينين، وقد خلعته عند وصولها الى النرويج بطلب من زوجها.
سألتها: وكيف تستطعن السير ورؤية الطريق؟ ألا تتعثرن أو تقعن مثلا؟
أجابتني: لا. هذه الثقوب تسمح لنا برؤية طريقنا!
سألتها: ولكن ماذا عن الألوان في الطبيعة والسماء والبحر…كيف ترون الألوان؟
أجابتني باستغراب: لماذا؟ هل هذا ضروري؟!
قلت: لا. انّ هذا من باب الكماليات الغير ضرورية، يعني “بطر”. ..
تركتها وأنا أفكر: هل يفترض بالمرأة أن تحيا بالضروري الذي يبقيها على قيد الحياة، لتقوم بمهمتها التي تنحصر فقط في”تفقيس” الأطفال والقيام بأعباء المنزل؟ اذن لماذا وهبنا الله عينين ما دامت عين واحدة تفي بالغرض؟ ولماذا المنخران ، اذا كنّا نستطيع التنفس بمنخر واحد، كما جاء على لسان ابن الرومي في هجاء أحد البخلاء!
بدأ النقاب بتغطية كامل الوجه، ما عدا منطقة العينين، وربما شعرت المنقّبات بمدى سحر واغراء العينين، وان لغتهما قد تكون أبلغ من كل الكلمات، فبدأن بتضييق المساحة المسموح بها للرؤية، فتمدد النقاب ولم يسمح الا بظهور بؤبؤ العينين، ولكن خطر الإغراء ما زال ماثلا. فما كان الا أن أسدلن ستارا اسود واسترحن، وتحول النقاب الى زنزانة متنقلة ومفصلة على قياسهن!!
لا أستطيع فهم النقاب سوى انه صرخة تقول “أنا كلّي عورة من رأسي حتى أخمص قدميّ”. ولا أستطيع ان أرى امرأة منقّبة في بلد اوروبي او علماني مثل فرنسا على سبيل المثال، الا وأتخيل مشهد امرأة فرنسية مثلا تسير في بلد اسلامي بملابس “مفضوحة”! فماذا ستكون ردة فعل الرأي العام؟ ولماذا لا نرضى لغيرنا ما نرضاه لأنفسنا؟
أفتى احد الأئمة في اوستراليا، بأن التعري هو الذي يشجع على الاغتصاب وانتهاك الحياء، لكنا رأينا ان المحجبات لم ينجون من الاغتصاب في حفلة السعار الجنسي، الذي حدث في مصر بشكل مكشوف وفي عز النهار!
في مصر اثار قرار منع المنقبات من دخول الامتحانات، جدلا واستنكارا كبيرين، وعندما كسبت المنقبات المعركة، رأيناهن يباركنَ بعضهن بعضا “بالنصر”، فقد انتصرن على الفقر والجهل والتخلف، وسادت الديمقراطية وحرية الرأي!
هكذا نحن، نختلق قضايا جانبية ، لننشغل عن القضايا والمستحقات الاساسية التي تتطلب منا الجهد والنضال من أجلها، لمواكبة التطورات العصرية، وهذا ما تخطط له الانظمة التي ينحصر اهتمامها بالحفاظ على عروشها، فقد جاء على لسان احدى الشخصيات السياسية في معرض حديثها عن الاسلاميين” اتركهم يذكرون الله، وافعل بهم ما تشاء”.
ومن غرائب الامور، ان هذا الغرب الذي نركب المخاطر من اجل ان تطأ اقدامنا رحاب جنانه، سرعان ما نرفضه بثقافته وديانته، ونرفض الاندماج به. فترى اصحاب العرقيات والجنسيات يتجمعون في مناطق خاصة بهم، وقد لايختلطون بأبناء البلاد الا اذا دعت الحاجة الى ذلك.
وسوف يشكل النقاب عائقا حاسما في الاختلاط بالمجتمع وحتى مجرد رؤيته. من منا يتحمل الحديث مع مجهول، لا يستطيع قراءة تعابير وجهه او بدون التقاء العيون، وهو ما يساعد على التواصل الانسا ني بين البشر!
ثم ما أدرانا، ماذا او من يختبىء داخل تلك الزنزانة السوداء؟ ألم يستعمل بعض اللصوص من الرجال النقاب، للدخول الى البيوت للسرقة والاغتصاب؟
المرأة في زمن الرسول عليه السلام، شاركت في المعارك، وفتحت منزلها للقاءات الأدبية، يتناقشن ويقلن الشعر مع الرجال، وكان اهمها مجلس سكينة بنت الحسين، فهل كن منقبات؟؟
نعم نحن نرضى بالتخلف والعبودية، نكاية بمن نعتبرهم أعداء الدين!
albakir8@hotmail.com
النقاب: زنزانة من قماش أسود
palo — laithalaa@gmail.com
لماذا اغلب العرب في الخارج يحبون بيع انفسهم !!؟؟ لكل شخص الحريه في صنع ما يريد، الطعام اللباس……. لماذا الاوروبيه لها الحق في الخروج(عاريه)؟؟؟؟؟ ما هذا المنطق الذي تتبعونه !!!!!
Laith Goteborg Sweden
النقاب: زنزانة من قماش أسود هذا المقال قرئته هنا أول مرة حين نشرة. لكنني اعثر به في صفحات كثيرة .. فهل تعلم الكاتبة وهل يعلم الشفاف أنّ مواقع كثيرة أخذت المقال من هنا ونشرته في صفحاتها وصار من المقالات الأكثر قراءة، بل والأكثر تعليق… للعلم: أنا أتفق مع الكاتبة بالكامل.. النقاب زنزانة للثقافة وللحرية وللمرأة .. وما يدبجه المهووسن بالدين ما هو الا نتاج لأحتقارهم لأنفسهم ولدينهم وللمرأة. والأسلام المتسامح بريء من تنظيراتهم الرجعية المتخلفة … ملاحظة: أعتقد أنني رأيت الكاتبة في احد القنوات التلفزيونية حين كنت أقيم في بيروت. وهي صاحبة موقف وطني واضح، ومتفتحة بشأن القيم الدينية.. وفي… قراءة المزيد ..
النقاب: زنزانة من قماش أسود
أتفق مع الكاتبة على خطورة هذه التقاليد اللاأنسانية والتي ما أنزل الله بها من فرض، ولا الحجاب حتى له أساس في الأسلام. لكنها جميعا رموز سياسية راديكالية بعيدة عن وسطية الأسلام. أنه جنون العصر الحديث..
شكرا للكاتبة وللشفاف ..