هذا الجزء الثاني من النص الأصلي العربي لمداخلة المفكر السوري د.عبد الرزاق عيد باسم المعارضة الديموقراطية السورية التي قدمها في معهد هدسون الأمريكي في العاصمة واشنطن، وذلك في سياق المناقشات والحوارات الجارية-اليوم- حول ممكنات إصلاح النظام السوري ومن ثم مراهنة بعض الأوساط الأمريكية على عقد صفقة مع النظام السوري المعزول والخارج عن القانون الدولي…
*
إن هذه التوجهات العدوانية والممارسات التخريبية وإشاعة مناخات العنف والقهر والفساد المعمم وتهشيم الوحدة الوطنية عبر الممارسات الطائفية والعائلية على مستوى الداخل في مجتمعاتها هي التي ستمهد لثقافة (الإرهاب) تجاه العالم الخارجي وبالخصوص تجاه (الغرب الديموقراطي).
ومع الأسف فإن الغرب وقف محايدا بل وفي أكثر الأحيان داعما ومساندا لهذه الأنظمة الشمولية المستبدة مادامت لم تصله شرورها الطغانية، وذلك باسم الحفاظ على الاستقرار في البلدان النامية، لكن في الحقيقة كانت مواقف الغرب تتحدد بدافع مصالحه المؤقتة والراهنية السريعة التي تجاهلت حقيقة أن هذه الأنظمة تشكل التربة الخصبة لازدهار أزهار الشر والعنف والتطرف والكراهية والإرهاب، هذه الحيادية الغربية استغلتها هذه الأنظمة لتقوية مخالب الطغم والعصابات التي شكلتها على حساب انحلال الدول الوطنية التي قامت بعد الاستقلال، بعد أن تحولت عصابات اللصوص والفساد إلى سلطات غاشمة تمارس العدوان والابادة في الداخل والإرهاب في الخارج.
لقد كانت نظرة شعوب المنطقة العربية إلى العالم الغربي في مرحلة ما قبل الاستعمار وما بعد الاستقلال، أي : قبل انتشار وباء هذه الفاشيات المحلية المتعددة المشارب (قومية –دينية –طبقية)، نقول: لقد كانت نظرة جدلية ترى الوجوه المتعددة للغرب : فهناك وجه الغرب الاستعماري المرفوض، وهناك الوجه الحداثي والديموقراطي المرغوب، بل نظر مفكرو المرحلة الوطنية الليبرالية إلى الاستعمار الغربي بوصفه تحديا حضاريا لا يمكن الانتصار في معركته إلا بامتلاك تفوقه، أي تفوق الغرب السياسي (الديموقراطي الليبرالي) والثقافي (العقلاني الحداثي) والعلمي (التقني والتجريبي)، أي اللقاح بميكروب أوربا للحاق بأوربا وتجنب الاستلاب تجاهها في آن معا، عبر انتاج الجدل الحضاري معها كما كان يعبر الفكر النهضوي الليبرالي العلماني (طه حسين مثلا) والإصلاحي الإسلامي (الإمام محمد عبده مثلا).
ولهذا ما أن خرج الاستعمار من بلادنا، حتى شرعت النخب الوطنية التي قادت النضال من أجل الاستقلال في بناء الدولة الحديثة : القانونية الديموقراطية البرلمانية القائمة على الشرعية الدستورية، ومن ثم فصل السلطات واحترام الحريات السياسية وحقوق الإنسان، والتداول السلمي للسلطة عبر صندوق الاقتراع، ومن ثم الانتظام في إطار الشرعية الدولية، دون عقد الدونية القومية، أو التعالي (الشوفيني) العنصري، أو الانخراط في أحلاف تؤجج العداوات الإقليمية والقومية، كل ذلك الاعتدال والعقلانية كانا يمارسان في ظل التأكيد على الثوابت الوطنية والقومية قبل أن تقوضها (الهمروجات) الشعارية الغوغائية الانقلابية الشعبوية الرثة.
هذه المنظومة من المفاهيم هي ما سعى المثقفون السوريون في إطار حركة المعارضة الديموقراطية أن يتبنوها من خلال “البيان 99″، ومن ثم ما سمي بـ”وثيقة الألف” التي أطلقتها “لجان إحياء المجتمع المدني” منذ سبع سنوات بعد موت الديكتاتور الجنرال حافظ الأسد، الذي أتاح موته المراهنة على ممكنات الإصلاح والانتقال السلمي المتدرج إلى الديموقراطية والقطع مع الاستبداد، وأخيرا من خلال الدور الفاعل للمثقفين في انعقاد المجلس الوطني لـ (اعلان دمشق) من أجل التغيير الوطني الديموقراطي. لكن الأبناء الوارثين للسلطة لم يثبتوا أنهم يختلفون عن آبائهم إلا في طيشهم وسفههم وحمقهم في إدارة الاستبداد والعنف ضد المجتمع الأهلي والمدني عبر الاعتقالات التي لم تتوقف حتى اليوم، وفتح أبواب السجون واللجوء إلى حالة الطوارئ على المستوى الداخلي، أما على المستوى الخارجي فقد جددت العصابات الوارثة للسلطة سلوك آبائها في تحطيم لبنان، سيادة واستقلالا وكرامة من خلال موجة اغتيالات بدأت بالرئيس الشهيد رفيق الحريري وتواصلت إلى اليوم عبر المزيد من التوغل في الجريمة عندما استشعر القتلة أنهم لن يفلتوا بجريمتهم كما فلت الطاغية الأب من قبل في تصفية رموز لبنان السيادة والاستقلال والحرية والديموقراطية عبر سلسلة من التصفيات بدأت منذ ثلاثة عقود بالزعيم الوطني كمال جنبلاط الذي سيواصل الأبناء مسيرة الأب فيما نسميه بسلسلة الاغتيالات التي بدأت بالزعيم الوطني رفيق الحريري، لتطال لاحقا العشرات من المثقفين والصحفيين والسياسيين الديموقراطيين من تحالف 14 آذار.
لم يكتف النظام العصبوي الطائفي العائلي الأمني في سوريا بتصدير عنفه الداخلي ضد مجتمعه إلى لبنان الشقيق فحسب، بل قام وبالتحالف العضوي مع النظام الثيوقراطي المذهبي الظلامي (الايراني) الذي يتوهم ممكنات تصدير التشييع إلى العالم الاسلامي، بتصدير الإرهاب إلى العراق لمنع الشعب العراقي من امتلاك حرياته في أن يدخل نادي الدول الديموقراطية المدنية والمسالمة والمتحضرة، كما قام بتشجيع حماس على تقسيم الشعب الفلسطيني وتقسيم ما تبقى له من الأراضي الفلسطينية من خلال اللجوء إلى العنف والانقلاب على السلطة التشريعية، وذلك بالتوافق والتقاطع مع النظامين الإرهابيين السوري- الايراني اللذين يتلاعبان بالقضية الفلسطينية عبر حماس ذات الطموحات السلطوية التي يدفع شعب غزة الأعزل ثمنها غاليا على أيدي الجيش الإسرائيلي.
لقد توجت عصبة النظام السوري ماضيها الدموي الإجرامي بحملتها الأمنية المتوحشة الأخيرة التي شنتها منذ سنة ونصف تقريبا على أعضاء المجلس الوطني لإعلان دمشق، فلم يتورع عن اعتقال سيدة فاضلة طبيبة (أم وجدُة)، وابنة أحد الرموز الصانعة لتاريخ سوريا السياسي، ومناضلة في سبيل الحريات الديموقراطية، المنتخبة رئيسة للمجلس الوطني لإعلان دمشق الدكتورة فداء حوراني مع اثني عشر مثقفا : كتابا وصحفيين (أكرم البني –علي عبد الله-فائز سارة –طلال أبو دان) بالإضافة إلى معتقلي اعلان بيروت-دمشق (- أنور البني- ميشيل كيلو) وناشطين عديدين من شتى الاتجاهات الفكرية والسياسية (جبر الشوفي- محمد حاجي درويش – د. ياسر العيتي –د. أحمد طعمة، د. وليد البني –مروان العش ) مع عدد آخر سابق من المثقفين د. كمال لبواني – فراس سعد –حبيب صالح وآخرهم الناشط الكردي المعروف مشعل التمو، وناشطين في المجتمع المدني وفي سبيل حقوق الإنسان، وكان قد قضى بعض منهم في السجون وأقبية المخابرات والزنزانات المنفردة عشرات السنوات، بل ولم تؤثر بضمائرهم كل العرائض والمناشدات الدولية للسماح لنائب دمشق السابق رياض سيف رئيس الأمانة العامة لإعلان دمشق في الخروج – وبكفالات دولية – للعلاج من مرض السرطان، بل وأقدموا بكل همجية ووحشية على اعتقاله رغم مرضه العضال بعد أن كان قد أمضى خمس سنوات في السجن.
ويضطر (رياض الترك) الذي قضى ما مجموعه عشرين سنة بالمنفردة مع المجموعة المتبقية من قيادة الإعلان – حتى اليوم- إلى التخفي من ملاحقة العصابات الأمنية، ونهجر نحن –والآلاف منا عن أوطاننا بعد أن بلغت بهم هستيريا الخوف من مستقبل الديموقراطية ونتائج حالة العزلة الاقليمية والعربية والدولية إلى تهديد عائلاتنا، وذلك بالضغوط على زوجاتنا ومحاربة أبنائنا في جامعاتهم ومن ثم استدعاءاتهم الأمنية، رغم أن ليس لهم من تهم سوى أنهم أبناؤنا.
إن الهستيريا التي تجتاح عصابات النظام الطائفي العائلي من عقد المجلس الوطني لإعلان دمشق، تعود إلى أن انعقاد المجلس هذا أتى برهانا للشعب السوري والعربي والعالمي بأن البديل للنظام ليس الفوضى أو التطرف الإسلامي كما يشيع إعلام السلطة، بل إن المنظومتين (القوموية والاسلاموية السياسوية) تشدهما وتوحدهما مسألة الهويات العتيقة (دينية وقومية شمولية) على حساب المسائل الوطنية المتصلة بالمواطنة والحريات وبناء دولة القانون الحديثة، وهاهم يلتقون فعليا بعد إعلان الاخوان المسلمين تعليق معارضتهم ضد النظام رغم تاريخ الدم بين الاثنين، لتسقط ورقة التهديد بأن بديلهم هو الأصولية الإسلامية، بل هما صنوان ومن عائلة واحدة وهذا ما نشهده على المستوى العربي حيث تلتقي الأصوليتان القومية والدينية في الالتفاف حول محور النظامين الشموليين (الايراني –السوري) الذي يتوهم الكثيرون في الأوساط الغربية والأمريكية أنه يمكن الفصل بينهما، فالوحدة الشمولية (الدينية والقومية) ما بعد الوطنية تتأسس في وحداتها الاجتماعية الصغرى على البنى ما تحت الوطنية أو منظومات ما بعد الدولة الوطنية : وهي الوحدات (الطائفية) والعشائرية والعائلية، حيث تستمد الطائفية المتسلطة في سوريا شرعية الانتماء إلى المذهب الشيعي الايراني بعد أن أفتى لهم الخميني بقبولهم طائفيا في طائفته وفي حمى الطائفية التي أيقظها الخميني وثورته القروسطية…
وعلى هذا فقد غدا البديل –بالنسبة للمعارضة الديموقراطية السورية- يتمثل في قوى ديموقراطية مختلفة ومتنوعة (ليبرالية-قومية – يسارية – إسلامية ) تتلفع بـ (فضاءات ليبرالية ثقافية) قائمة على مبدأ التسامح والتعايش والتعدد والقبول بالآخر والدعوة إلى التغيير ونبذ العنف ومن ثم التداول السلمي للسلطة، عبر الإجماع على الانتقال السلمي التدريجي إلى الديموقراطية، بعد أن تأكد للقوى الديموقراطية بأن الإصلاح غدا مستحيلا مع نظام على هذه الدرجة من التخشب والعطالة الداخلية البنيوية : أي أن تداول مفردة “الممانعة” لم تتكشف إلا عن معنى وحيد وهو “ممانعة ” أية إمكانية للإصلاح سيما بعد المفاوضات غيرالمباشرة والمباشرة مع اسرائيل عبر الوسيط التركي التي لم تكن رغبة حقيقية في السلام المزعوم بل أملا بأن إسرائيل ستؤمن لهم بوابة عبور نحو الولايات المتحدة الأمريكية التي يراهن النظام السوري على ممكنات أمريكا في انتشاله من المساءلة القانونية الدولية على جرائمه في لبنان من خلال المحكمة الدولية، وعلى هذا فإن الخطر يتهدد مستقبل سيادة سوريا من خلال استعداد النظام لبيع سيادة الوطن مقابل شراء بقائه الكابوسي على صدر الشعب السوري واللبناني.
إن هذا النظام المعزول شعبيا وإقليميا ودوليا آن أوان تغييره، وإلا فإن سوريا المهددة بالحرب الأهلية الداخلية كما تتكهن بعض الأوساط الإسرائيلية ستكون ساحة تفجير للحروب الأهلية في لبنان وفلسطين والعراق لو بقيت تحت ظل هذا النظام الذي يتخبط ويترنح ناشرا الشر والعدوانية والكراهية والإرهاب داخليا وخارجيا، وهو مستعد لإغراق المنطقة في الدم، إذا ظل المجتمع الدولي مصرا على احترام القانون الدولي في عقد المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري، الذي تشير كل الدلائل السياسية واللوجستية والتحقيقية إلى التورط المفضوح للنظام فيها، وأنه كلما اقتربت استحقاقاتها كلما ازداد شراسة ووحشية ضد شعبه الذي لا يمر يوم على سوريا دون اعتقالات : بعربها وكردها الذين لكثرتهم لم نعد قادرين على ذكر أسمائهم وفاء لشجاعتهم، ومن كل التيارات والأطياف والحساسيات السياسية : القومية واليسارية والإسلامية والليبرالية، الذين توحدهم معركة الحرية والديموقراطية ضد نظام الاستبداد الأمني والطائفي، العائلي والوراثي، القمعي والإرهابي.
إننا باسم المثقفين السوريين في السجون والمعتقلات والمنافي نناشد مؤسسات المجتمع المدني والأوساط السياسية الديموقراطية التي برهنت على نضج عالمي مميز في انتخاباتها الأخيرة التي حسمت خيار الشعب الأمريكي باتجاه المراهنة على ذروة المشروعية العليا في فضائل القيم البشرية التي تترفع عن الجنس والهوية واللون… إن شعبنا الذي يئن تحت وحشية الأحكام العرفية وعصابات فالتة من أية سلطة قانونية أو قضائية بما لا يوازيه كل التاريخ الكولونيالي للأنظمة الاستعمارية الغربية القديمة، إننا نهيب بكم وندعوكم أن تقفوا إلى جانب الشعب السوري واللبناني والفلسطيني والعراقي في كبح جماح عدوانية وإرهاب هذا النظام الخارج على القانون، وإلا فإن عدوانيته الهمجية لن تتوقف عند حدود إخضاع وإذلال شعبه وجيرانه فحسب، بل ويتطلع إلى أن يدفع العالم كله ثمن إرهابه الذي غدا إرهابا احترافيا يتعيش النظام على رعايته وإدارته الداخلية والخارجية والعالمية بعد أن استولى على كل مقدرات البلاد الاقتصادية والمالية ليضعها في خدمة الإرهاب الذي غدا –بدوره- خيارا استراتيجيا لا يمكن للنظام الطائفي الأقلوي والعائلي أن يمسك بزمام السلطة بدون التحكم بمصير شعبه وشعوب المنطقة ليتمكن من فرض نفسه على العالم كأمر واقع، بجعل الشعب السوري واللبناني والفلسطيني والعراقي بمثابة رهائن يساوم عليها المجتمع الدولي لكي يقبل بوجوده انطلاقا من الرغبة في اتقاء شره وفق الحكمة النبوية الاسلامية التي تتقاطع معها القيم البشرية المدنية : داروا سفهاءكم…!
هذا النظام غير قابل للإصلاح ولا لتغيير السلوك ولا لإعادة التأهيل، فقد أصبح محكوما بطبيعته الإجرامية، فلا بد من تضافر الجهود العالمية لإنقاذ سوريا والمنطقة العربية والعالم من شروره.
والسلام لسوريا وطنا لكل أبنائه….
mr_glory@hotmail.com
* كاتب سوري- فرنسا
النظام السوري: عطالة البنية واستحالة الإصلاح (2)لنقرا التاريخ الكل يعلم الا الاحمق ان الجيش السوري ومافياته المخابراتية دخل لبنان بموافقة عربية وامريكية واسرائيلية بغرض القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية(تل الزعتر)..ارتكب الجيش السوري ومافياته المخابراتية الكثير من المجازر في لبنان ضد اللبنانيين والفلسطينيين..كما اغتال عددا من الشخصيات اللبنانية الشهيرة..عندما تحققت له السيطرة الكاملة للبنان تصرف النظام السوري في لبنان كما يتصرف في سوريا..من نهب وسرقة وفساد واجرام..وابقى فقط بالاتفاق مع ايران مليشيا طائفية واحدة اسمها امل التي انقسمت على نفسها بمسرحية حزب الله الطائفي. كره الشعب اللبناني سوريا بينما الواقع انه لم يعاني من النظام السوري المخابراتي ومافياته سوى جزء بسيط… قراءة المزيد ..