يريد “حزب الله” حكومة سياسية، “تحفظ الاوزان”، كما يقول. والاستنتاج أن ذلك ليصرّ لاحقاً على ترنيمة “الجيش والشعب والمقاومة” التي قد يتجنبها الرئيس المكلف بحكومة تكنوقراط، مهمتها اجراء الانتخابات المأمولة، ليس أكثر.
لكن الحزب لا يلاحظ ان ايقونته المثلثة، صارت، بسبب سلوكه “المقاوم” اكثر إثارة للشقاق الوطني، من اي وقت مضى. فهو يريدها فيما باتت مقاومته اكثر طائفية، من اي وقت سابق، وافضح تبعية، من اي مرحلة فائتة. وهو يريدها، أيضا، لينتزع وطنية لقتاله المذهبي – الأقلوي.
فقتلى “الواجب الجهادي” لا يسقطون في وجه اعتداء اسرائيلي، بل في الاراضي السورية دفاعاً عن نظام اقلوي، لم يعد يخفي هويته، ولا يخفي حلفاؤه مبررات دفاعهم عنه في وجه مظلومية شعب بكامله. واذا ما تلطف الحزب وشرح اسانيده الاخلاقية والسياسية، في التدخل، قال انه يدافع عن شيعة يعيشون في سوريا، اي ان دفاعه المزعوم، سببه هويتهم المذهبية لا الوطنية.
والحزب نفسه، قدم تبريرا لقتاله في سوريا، يصلح لمبادرة “جهادية” مماثلة، يمكنه، إن صدق، أن يعتمدها في اي دولة افريقية يتعرض فيها لاضطهاد وعسف، مغتربون لبنانيون شيعة، ليعمّق انحرافه عن “مقاومة” يريدها اللبنانيون ذودا عن سيادة لبنان في وجه كل معتد، وليس اسرائيل وحدها.
فمنذ بدأ جيش النظام السوري يعتدي، شمالاً وبقاعاً، بالقصف برا وجوا، ويغرق السيادة الوطنية بالدمار والقتل والخطف، لم يصدر حزب الأمين العام عبارة إدانة أو اعتراض، بل انصرف الى تسويغ الحال، متجاهلاً الدعوات الى حماية الحدود، وشمولها بالقرار 1701، لصون السلم الاهلي، والنأي، فعلاً، بلبنان عن الحريق السوري.
عملياً، أغرق حزب الأمين العام المقاومة التي محضه اللبنانيون، والعرب، ثقتهم على اساسها، في وحول المذهبية، من جهة، والتبعية للمشروع الفارسي من جهة اخرى، بعدما واراهما طويلاً، خلف غلالة الوطنية المنحولة والعروبة المزعومة، و”قميص” فلسطين.
قد لا يعيب حزب الأمين العام أن يكون فجّا في تحديد موقعه الاستتباعي مذهبياً واقليمياً، ولا يتمايز في ذلك عن “جبهة النصرة” السورية. لكن الفارق هو بين حلفائه وحلفاء تلك: يصمت حلفاؤه على تناقضه مع ماضيهم، على الاقل، بينما يهب ائتلاف المعارضة السورية ليحذر جبهة النصرة من إعلانها الالتحاق بـ”القاعدة”، والخروج “من الصف الوطني”.
لم تتأثر المعارضة السورية بغلبتها المذهبية، فتغض الطرف عن “النصرة” و”سنيتها” الجهادية، بل تصدت لها، بينما لم يخرج صوت من حلفاء الحزب وجمهوره، فيتغلب على انتهازية مذهبية، أو اقلوية، من “أمل” الى “تيار الجنرال”، ليحمي الوطن الصغير من تفتيت اضافي، لا يحول دون ان يكون “لبنان أولاً” فحسب، بل ويثبته آخراً… وأخيراً، إلا إذا كانت عرسال وعكار غير لبنانيتين.
m2c2.rf@gmail.com
كاتب لبناني
النهار