بعض الناشطين من الشباب السوري، ومنهم يتابع تحصيله العلمي في الجامعات اللبنانية الرسمية والخاصة، وآخرون نزحوا من مناطق سورية مختلفة، بعضهم يعمل وفي مهن مختلفة يجمعهم انضواؤهم في خيار الثورة على النظام الحاكم في سورية من خلال تحركات مدنية واغاثية… كل هؤلاء لا يجدون لبنان مكانا آمنا للتعبير عن مواقفهم الداعمة للثورة. ورغم تمييزهم بين مناطق اكثر امنا واخرى اقل منها امنا، إلا أن ثمة شعورا لديهم، تعززه بعض الوقائع، بأن البيئة الامنية اللبنانية ليست صديقة.
ويتعرض هؤلاء الناشطون إلى تهديدات مباشرة من قبل جهات داعمة للنظام السوري، يتداخل فيها الطابع الرسمي وغير الرسمي. وتتداخل اشكال من التشبيح الذي يصل الى الاعتداء المادي المباشر، والى اتصالات هاتفية يتلقاها بعضهم، الى مضايقات طالت البعض منهم في اماكن سكنهم… والاخطر هي عمليات الخطف التي يصعب التكهن بالجهة المنفذة لها، في بلد لا يضير الجهات الرسمية في واقع الحال ان تعتبر نفسها غير مسؤولة او غير قادرة على منع حصول عمليات كهذه.
جزء من الذين قدموا الى لبنان من المعارضين السوريين تعرض للاعتقال وبعضهم جرى تسليمه إلى السلطات السورية، ما دفع جزءا آخر الى مغادرة لبنان، باتجاه مصر والاردن وغيرها من الدول التي تتيح مساحة امان لأمثالهم. وجزء اساسي من هؤلاء الناشطين، حتى اغاثيا بات يرفض الاطلالة الاعلامية، بسبب مخاطر التعبير عن مواقفه من الاراضي اللبنانية، وبسبب عمليات الخطف او الاعتداءات المباشرة. احدى الناشطات السوريات في بيروت روت ان التهديدات التي طالتها عبر الهاتف من قبل اشخاص لاتعرفهم دفعتها الى ترك مكان سكنها الخاص لتقيم في سكن مشترك للطالبات في العاصمة. وهي نفسها تشير الى ان القوى الامنية باتت اقل حدة في التعامل مع بعض تحركاتهم المعلنة. ففي السابق كانت هذه القوى لا تتدخل عندما يتعرض المعارضون، من قبل “مجموعات الشبيحة”، لاعتداءت تصل الى استخدام السكاكين احيانا. لكن منذ اكثر من خمسة شهور صارت تتدخل وتمنع اي صدام بين معارضي النظام السوري وبعض اللبنانيين المؤيدين للنظام.
قبل اسبوعين تم خطف سبعة سوريين اكراد من جهة غير رسمية اعيد اطلاق سراحهم بوساطة من قبل جهة سياسية في الحكومة حالت دون تسليمهم الى السلطات السورية. بعض الاجهزة الامنية تعتقل بعض الناشطين وتطلق سراحهم مرفقين بتهديد ضمني بتسليمهم الى السلطات السورية اذا استمروا في تحركاتهم السلمية المناهضة للنظام السوري.
الى المسألة الامنية التي تشكل ابرز ما يقلق الناشطين السوريين في لبنان، ثمة مسألة ملحة يشيرون اليها تتصل بأحوال النازحين الذين لايعترف بهم كلاجئين. وبالتالي ثمة معاناة تتصل بالجانب الانساني والاغاثي. ويشير هؤلاء الى ان الجهات اللبنانية الرسمية ليس لديها خطط فعلية للتعامل مع هذه القضية بما يكفل ضمان الحد الادنى من تأمين السكن وشروط الحد الادنى من العيش. إذ بدأت عمليات اخلاء المدارس الرسمية من النازحين بسبب انطلاق العام الدراسي، من دون تأمين بديل. وهذا ما يدفع باتجاه فرض انشاء مخيم في محافظة الشمال او في البقاع يضم آلاف اللاجئين، وهي خطوة تلاقي بعض الصعوبات لكن تبدو الخيار الاقل كلفة.
كذلك المعاناة على المستوى الاغاثي المحدود من قبل المؤسسات الاجتماعية اللبنانية، وغياب شبه تام للاحزاب السياسية، خصوصا تلك التي تعلن دعمها للثورة السورية. يلفت هؤلاء الناشطون، وهم من توجهات سياسية من خارج الحركات الاسلامية سواء الاصولية او السلفية، الى ان الجمعيات الاسلامية هي الاكثر حضورا على المستوى الاغاثي. ويتساءلون عن اسباب غياب احزاب لبنانية مؤيدة للثورة عن القيام بجهد حقيقي على صعيد المساهمة في النشاط الاغاثي. وهم اذ يثنون على المواقف المؤيدة للثورة وللاحتضان الشعبي لاعداد من النازحين، الا ان فراغا هائلا يرون انه ملؤه بجهود اغاثية لبنانية. اذ ان الاوضاع بدأت تضيق الخناق حتى على الذين نزحوا الى لبنان حاملين مدخرات نفذت خلال اكثر من سنة.
يخلص ناشطون كثر إلى تمسكهم بخيار البقاء على الاراضي اللبنانية، لان ذلك يشعرهم بقربهم الى وطنهم سورية، في الجغرافية وفي التحديات التي تشعرهم بالمشاركة في الثورة. ثمة انطباع تأكّد لديّ، من سلسلة لقاءات مع ناشطين سوريين، هو أنّ حجم التضامن الذي انتظره السوريون من اللبنانيين كان اقل من توقعاتهم بكثير. بسبب ان اللبنانيين هم اكثر الشعوب العربية معرفة بطبيعة النظام السوري، وخبروه في العقود الماضية، وهم اكثر من يمكن ان يعي حقيقة الثورة السورية التي، وان كانت تستهدف خلاص الشعب السوري من نظام مستبد، إلا أنّها أيضا ستكون خلاصا للبنانيين من نظام سعى إلى مصادرتهم واستلحاقهم بنمطه المدمر.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد